عندما ينهش الفساد الدولة ومؤسّساتها فترتفع الحاجة الى المساعدات الدولية...
بمعزل عن الأهداف السياسية الكامنة خلف المشكلة التي تواجه "أونروا" في قطاع غزة حالياً، بعد وقف عدد من الدول التمويل عنها نتيجة ما حُكِيَ عنه من علاقات بين موظفين فيها من جهة، وبين ناشطين في حركتَي "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، من جهة أخرى. و(بمعزل) عن مدى استثمار هذا الكلام في زيادة الضغط على الحركتَيْن على وقع محادثات ومساعي إنهاء الحرب هناك، نُلقي الضّوء على عمل الموظّفين والعاملين الأمميّين ضمن مؤسّسات الأمم المتحدة، سواء كانوا محليين أي ينتمون الى أهل البلد الذي تنشط فيه المؤسّسة الدولية، أو من دول أجنبية أتوا للعمل ضمن إحدى مؤسّساتها في بلد آخر.
متاهات كثيرة
فمن المنطقي أن يكون أي موظّف محلي عامل ضمن مؤسّسة دولية، خاضعاً لشروط تلك الأخيرة ولأهدافها. كما يتوجّب على الموظف الأجنبي العامل ضمن مؤسّسة دولية في مجتمع آخر، أن يلتزم بشروط عمله، وأن لا يتدخّل في شؤون الدولة الأخرى، وذلك جنباً الى جنب خلق شبكة من العلاقات المحلية الطيّبة التي تسهّل العمل بين الطرفَيْن.
ولكن ما دخل ذلك بصداقات قد تتشكّل في بعض الأحيان، بين موظّفين أمميّن تابعين للأمم المتحدة، سواء كانوا مدنيّين أو أمنيّين، وبين بعض رجال السياسة، أو المال والأعمال، في مجتمع مُستضيف لهم؟ والى أي مدى يمكن لهذا النوع من العلاقات، وصولاً الى حدّ التزاوج ضمن المجتمعات المحليّة التي يعملون فيها، أن يؤسّس لخروجهم عن أهداف عملهم الأممي الأساسي؟
والى أي مدى يمكن لذلك أن يُدخل المؤسّسة الدولية التي ينشطون فيها بمتاهات كثيرة؟
القوات الدولية
أشار مصدر مُطَّلِع الى أن "التعاطي مع هذا الملف دقيق جدّاً. فإذا أخذنا القوات الدولية التابعة للأمم المتحدة في جنوب لبنان، نجد أنها هنا منذ عام 1978، أي أنها أكبر من جيل لبناني كامل اليوم. وهذه القوات لا تنشط في مجال الأمن فقط، بل على صعيد الإنماء أيضاً، إذ ساعدت لبنان على تمويل الكثير من المشاريع جنوباً، ووفّرت فرصاً للجنوبيين ضمن مؤسّسات الأمم المتحدة".
ولفت في حديث لوكالة "أخبار اليوم" الى أن "هذا التفاعل مطلوب بين الطرفَيْن. ولكن أي تدخُّل مُحتمَل بالأمور السياسية الداخلية كالانتخابات البلدية، والنيابية، أو غير ذلك، هو مسألة مرفوضة طبعاً".
وشدّد المصدر على أن "المساعدات التي توفّرها تلك المؤسّسات والهيئات والأجهزة الأممية، والأعمال التي تقوم بها في المجتمعات المحلية، تبقى أهمّ من مخاطر الفساد الذي يمكن أن يطالها. فتأثير بعض العلاقات المحلية على عملها ممكن، ولكن لا يجب أن يؤثّر أي بحث من أجل تصحيح هذا الوضع، على استدامة توفير المساعدة".
وأضاف:"هناك مشكلة نلاحظها ضمن المجتمعات المحلية في دول منطقتنا، وهي أنه مهما استفادت تلك المجتمعات من مؤسّسات وهيئات الأمم المتحدة، على صعيد الإنماء، والمشاريع، والطبابة، والطعام، وغيرها من الأمور، إلا أنها تفرح لأي أزمة أو مشكلة أو حتى مصيبة، تتعرّض لها الأمم المتحدة، أو مؤسّستها التي توفّر الخدمات والمساعدات لهم محليّاً بواسطتها. وهذا يعود الى تربية معيّنة منتشرة في دول العالم الثالث، وهي تقوم على أن كل مشاكلنا آتية من الغرب. فهذه أسهل طريقة للهرب من الإشارة الى الفساد الداخلي".
وأكد المصدر أن "الاعتراضات تكبر في المنطقة على الولايات المتحدة الأميركية، وفرنسا، وكندا، وغيرها من الدول التي أعلنت عن وقف تمويلها لـ "أونروا" في غزة مؤخراً. ورغم أن ما فعلته تلك الدول هو خطأ كبير، إلا أنه يمكن لأي دولة عربية غنيّة أن تعوّض للفلسطينيين ما تقدّمه ("أونروا") بمبالغ مُضاعَفَة، ولا أحد يُشير الى ذلك صراحةً لأسباب سياسية".
وتابع:"الفساد مُتحكِّم بكل دول المنطقة مع الأسف، بموازاة التطرّف الديني، والمذهبي، والقبائلي، والمناطقي، والعائلي. ولا سبيل للخروج من تلك الحالة إلا ببناء أوطان تحكمها مؤسّسات محليّة، فلا نعود بحاجة الى خدمات المؤسّسات الأممية، ولا الى الشروط السياسية التي ترافقها".
وختم:"إذا أخذنا هنا دول المغرب العربي كلّه كمثال، فإننا نجد الكثير من الثروات الطبيعية، من نفط وغاز وزراعة وثروات سمكية، وغيرها من الأمور المهمّة، ولكن بموازاة فقر كبير، وإلقاء اللّوم على الغرب بأسباب هذا الفقر، ومن دون أي إشارة الى الفساد الداخلي، والى عدم الرغبة الداخلية باستثمار تلك الثروات لصالح البلد والشعب".
أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|