الصحافة

أين يقف "حزب الله" من التصعيد والتفاوض لمصلحة لبنان؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لم يعد يخفى أن التصعيد الإسرائيلي المستمر ضد لبنان وتوسيع دائرة عملياته العسكرية إلى مشارف بيروت عبر استهدافات واغتيالات بالطائرات المسيّرة يدل على أن اسرائيل تحضر لحرب واسعة تهدف إلى تغيير المعادلات القائمة في الجنوب ودفع "حزب الله" إلى التراجع شمالاً بغض النظر عما قد تحدثه من ارتدادات وتداعيات على المنطقة.

وتشير المعلومات إلى أن توسيع إسرائيل لبنك أهدافها باستهداف كوادر من المقاومة في مناطق بعيدة عن الحدود وآخرها في منطقة جدرا والنبطية، هو محاولة لاستدراج "حزب الله" إلى تصعيد يبرر توسيع دائرة الحرب حيث كسر الاسرائيلي كل قواعد الاشتباك التي لا يزال "محور المقاومة" يحصرها في الحدود ويستخف بالتهديدات معتبراً أنها تندرج ضمن الضغط السياسي لدفع مقاتلي الحزب الى وقف العمليات والتراجع والتبرير أمام سكان المستوطنات الشمالية بأنه يعمل على عودتهم.

كل الوقائع حول جبهة الجنوب تؤكد حتى الآن انسداد الأفق أمام التسوية أو الحل السياسي، حيث سقطت الاقتراحات الدولية واحدة تلو الأخرى بما فيها ما طرحه الفرنسيون من إمكان توسيع اتفاق نيسان 1996 بالتماهي مع القرار 1701، كمقدمة للتهدئة وصولاً إلى معالجة النقاط المختلف عليها بين لبنان وإسرائيل. وعلى هذا بات واضحاً أن إسرائيل بقدر ما تحاول استدارج "حزب الله" إلى مزيد من التصعيد لتوسيع الحرب، فإنها في الوقت نفسه تستمر بكسر الخطوط الحمر لفرض معادلة جديدة كأمر واقع جنوباً لا يعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل 8 تشرين الأول الماضي.

ترتفع المخاوف من حرب إسرائيلية أيضاً بعد توقف مساعي المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين لتهدئة الوضع على جبهة الجنوب. لم يأت هوكشتاين رغم استمرار الضغوط الأميركية على إسرائيل للوصول إلى وقف إطلاق نار في غزة، فيستغل الإسرائيليون الوقت لتنفيذ المزيد من عملياتهم في لبنان. وعلى هذا يتبين أن المرحلة المقبلة أقله حتى بدء شهر رمضان ستكون خطيرة مع احتمالات التصعيد الواسع كمحاولة إسرائيلية لرفع سقف الشروط قبل أي وقف لإطلاق النار، ولذا توسع اسرائيل عملياتها الأمنية إلى مناطق قريبة من بيروت وكسرت كل الخطوط بما فيها قواعد الاشتباك لجر البلد إلى مواجهة كبيرة وتوسيع نطاق الحرب لفرض واقع أمني جديد جنوباً.

لا تكتفي اسرائيل بتنفيذ عمليات اغتيال تأتي في سياق حربها "المتغيرة" التي تحاول أن تسحب فيها الجميع إلى حفرتها، بل رفعت وتيرة التهديدات التي حمل رسائلها الموفدون الدوليون الذين زاروا لبنان أخيراً، وفيها احتمال كبير بشن إسرائيل هجوماً واسعاً ضد "حزب الله" في الجنوب إن كان بعملية برية أو بقصف تدميري يطال مناطق بعيدة ومواقع عسكرية ومنشآت مدنية. ويفيد مصدر دبلوماسي متابع أن المسؤولين اللبنانيين ومعهم "حزب الله" أبلغوا برسائل تهديد جدية من إمكان توسع الحرب الإسرائيلية، لم يُعلن عنها، وأن الإسرائيليين اتخذوا قراراً بالحرب ينتظر التوقيت وفق التطورات ما بين غزة ولبنان. وينقل المصدر عن أجواء دولية ضرورة عدم الاستخفاف بالتهديدات خصوصاً مع نقل الجيش الإسرائيلي لوحدات هجومية إلى الحدود الشمالية ونقل رئاسة أركانه الفرقة المدرعة 98 من غزة إلى حدود لبنان، وهي محاولة لتغيير المعادلة القائمة في الجنوب وليست مجرد ضغط لتعزيز الموقف الإسرائيلي داخلياً وخارجياً.

وسط هذه الاجواء وعلى وقع التصعيد الإسرائيلي، جاءت زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى لبنان، والتي ركز فيها على التهدئة، بما يعني أن "حزب الله" ليس بوارد تصعيد القتال والحرب رداً على العمليات الأمنية الإسرائيلية. فجنوب لبنان بالنسبة إلى الإيرانيين يبقى جبهة مساندة حتى لو اجتاح الجيش الإسرائيلي منطقة رفح في جنوب غزة. ويعني ذلك وفق المصدر الديبلوماسي أن طهران ليست بصدد التصعيد، حتى لو تلقت ضربات كبيرة في غير منطقة ومنها الخسائر التي يدفعها "حزب الله" بسقوط عدد كبير من مقاتليه وما تتعرض له القرى الجنوبية من تدمير، بل الهدف الإيراني هو تكريس دوره ونفوذه في أي اتفاقات محتملة من غزة إلى المنطقة.

شدد عبد اللهيان في تصريحاته من بيروت على التهدئة والحل، وذلك على الرغم من التصعيد الإسرائيلي وإصرار الأميركيين على استهداف أذرع إيران في سوريا والعراق واليمن، فيما تصعيدهم لم يشمل لبنان بل تصر الإدارة الاميركية على تهدئة جبهته، والتوصل الى تسوية حدودية بين لبنان وإسرائيل بخلاف الساحات الأخرى، وهو ما يزيد من اعتبار "حزب الله" لدى إيران في ساحة تعتبر خطاً أحمر لها، ويدفعه إلى التسلح برهانات تبدأ بعدم قدرة إسرائيل على شن حرب وأيضاً عجز الولايات المتحدة عن تغطيتها.

مؤشرات الحرب الإسرائيلية على لبنان باتت واضحة بشروط مرتفعة السقف، فيما يبقي "حزب الله" رده في دائرة محدودة ضمن قواعد الاشتباك، حتى ولو خسر المزيد من الكوادر وطالت العمليات الإسرائيلية مناطق على تخوم بيروت. الهدف من ذلك ليس لبنانياً محضاً، بل مرتبط وفق المصدر الديبلوماسي بغزة وبالمنطقة ومسارات التفاوض التي تسلكها إيران لتكريس دور لها في الحل والحفاظ على نفوذها. ويشير إلى أن ليس من مصلحة لبنان رفض التفاوض غير المباشر الذي تقوده الولايات المتحدة، أقله لقطع الطريق على محاولات إسرائيل جر البلد إلى حرب واسعة.

لا يعني التفاوض أن واشنطن بصدد منح "حزب الله" انتصاراً في المواجهة مع إسرائيل. لكنه وفق المصدر الديبلوماسي خيار اضطراري لانقاذ لبنان عبر بحث المبادرات المطروحة لحل الوضع على الجبهة الجنوبية في ما يتعلق بتطبيق القرار 1701، أو إحياء اتفاق نيسان 1996 وانتشار الجيش اللبناني وسحب السلاح الثقيل لـ"حزب الله" إلى شمال الليطاني، خصوصاً بعد فشل الطروحات الأولى في إبعاد الحزب وانشاء منطقة عازلة في الجنوب. وإذا كان "حزب الله" ليس بوارد تصعيد الحرب، فما الذي يمنعه من الوقوف خلف الدولة في التفاوض طالما أن مساندة غزة أدت وظيفتها؟.

أيضاً لا تعني مفاوضة القوى الدولية لـ"حزب الله" واهتمامها بفصل جبهة الجنوب عن غزة، انها تشكل انتصاراً للحزب، فهذا وهم وقصر نظر في السياسة، وذلك على الرغم من تسجيل الحزب نقاطاً تحسب له في المواجهة، إلا أنها لم تُصرف في تحقيق انجازات لمصلحة لبنان. وفي المقابل، لم يتمكن الحزب من استثمار مساندته لحماس بأن يكون الطرف الذي يحدد مسار المفاوضات في غزة، وإن كان يحاول أن يثبت أن التهديدات الإسرائيلية ضده هي حبر على ورق، وهو قادر على صد أي هجوم والتحرك وتنفيذ الضربات وتهديد سكان المستوطنات الشمالية، لكنه يدفع كلفة بشرية كبيرة.

المرحلة المقبلة خطيرة على لبنان بكل المقاييس. فإذا لم تنجح الضغوط الأميركية في لجم الاندفاع الإسرائيلي إلى الحرب، واستمرار جبهة الجنوب على حالها، سنكون أمام كارثة قد لا ينجو منها البلد في ساحات التوظيف الإقليمية.

"النهار"- ابراهيم حيدر

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا