إقتصاد

المربّع الأول

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

كتب زياد شبيب في "النهار":

كان من الطبيعي أن تشيد جمعية المصارف بقرار مجلس شورى الدولة الأخير الذي قضى بإبطال قرار مجلس الوزراء (رقم 3 تاريخ 20 / 5 / 2022) المتضمن الموافقة على استراتيجية النهوض بالقطاع المالي في شقها المتعلق بإلغاء جزء كبير من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تجاه المصارف، وذلك لتخفيض العجز في رأسمال مصرف لبنان، وإغلاق صافي مركز النقد الأجنبي المفتوح للمصرف. لأن القرار القضائي يصبّ في إطار تعزيز موقف المصارف الرافض للتوجهات الحكومية للتنصل من المسؤولية عن الأزمة. وهذه الإشادة كان يجب أن تقترن بالإقرار باستحالة التنصّل من الالتزام القانوني الذي تمثله الودائع لكي لا تُعتبر تهرباً من المسؤولية.

إذا صحّ أن القرار القضائي المذكور وضع حائلاً قانونياً يمنع الدولة من التنصل من التزاماتها، فإنّ هذا المنع لا يشكل ضمانة تحول دون استمرار محاولات تصفية الودائع المستمرة منذ اندلاع الأزمة.

كل ما في الأمر أن السلطة التنفيذية عبرت عن توجه لطالما كان واضحاً لديها بالتخلص من المسؤولية عن الأموال التي اقترضتها من المصرف المركزي على مدى السنوات السابقة للأزمة، وقد سبق أن قيل للسلطة بأن هذه التوجه ليس قانونياً. وما حصل اليوم لا يرقى إلى اعتباره خطوة عملية لصالح المودعين، بل يؤدي بطبيعة الحال إلى عودة الأمور إلى المربع الأول في دوامة تقاذف المسؤولية بين أطراف الأزمة وهم الدولة والمصرف المركزي والمصارف، وقد برز هذا التقاذف المتجدد للمسؤولية من خلال تمسك جمعية المصارف ببعض حيثيات القرار القضائي التي اعتُبرت شكلاً من أشكال الربط غير المبرر بين التزام الدولة بديونها والتزام المصارف بالودائع. وهذا الربط بحدّ ذاته لا سند قانوي له لأن العلاقة بين المودع والمصرف مستقلة عن علاقات المصرف بالجهات التي أقدم على إقراضها أو الإيداع لديها ومن بينها المصرف المركزي والدولة، أو بطبيعة الاستثمارات التي أقدم عليها ودرجة مخاطرها.

لا يتسع المجال هنا للتعليق الحقوقي على القرار، وهو من هذه الناحية يستحق النقد العلمي من نواح عديدة لا سيما أنه قد احتوى كثيراً من الحيثيات التي تحتاج إلى تعليق في مرآة قواعد القانون الإداري، لا سيما أن الكثير من تلك الحيثيات من النوع الذي كان بالإمكان الاستغناء عنه، ومن المعلوم في منهجية صياغة الأحكام القضائية أن الإكثار من التعليل ليس دليلاً على قناعة راسخة بما كُتب بل ربما يوحي بعكس ذلك.

ما يمكن التعليق الحقوقي في هذا السياق هو، في المنهجية، المبادئ الكثيرة التي تضمنها القرار فأصبح أقرب إلى الاستشارة القانونية منه إلى الحكم القضائي وهو ما يتعارض مع قاعدة أساسية تمنع القاضي من صياغة أحكامه على شكل الأنظمة، والمبادئ المذكورة فيه تحتاج إلى أن تقاس بمقاييس القواعد التي سبق للاجتهاد أن استقر عليها. هذا بالإضافة إلى مسألة قابلية قرار مجلس الوزراء للطعن، وكان مجلس شورى الدولة قد أعطى لقرار مجلس الوزراء صفة القرار النافذ والقابل للطعن رغم عدم حيازته على تلك الصفات وهذا بخلاف التوجه الذي كان تقرير المستشار المقرر في الدعوى قد اعتمده، ولم تأخذ الهيئة الحاكمة بوجهة نظره.

المهم اليوم، وما يعني عموم الناس، هو استمرار الأزمة من دون حلول عادلة، والمأزق المستمر كان وما يزال يتطلب تدخّل المشترع تدخّلاً سليماً قائماً على قاعدة أساسية لا مفرّ منها هي أن الالتزامات القانونية على جميع مستويات المسؤولية لا يمكن التفلّت منها، وهذا ينطبق على الودائع كما على الديون المترتبة بذمة المصرف المركزي وبذمة الدولة تجاه المصارف.

  •  
  •  
  •  

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا