سوء الحظ يلاحق المتقاعدين حتى الشارع
قضية المتقاعدين كقضية المودعين، هي مسألة حق ضاع في هوّة فساد بعض السلطة وجهل بعضها الآخر. فمن خرجوا إلى التقاعد بعد العام 2019 وبدء انهيار العملة الوطنية، تآكلت تعويضاتهم أو معاشاتهم التقاعدية، فما عادت تساوي فاتورة استشفاء أو لائحة دواء. هذا عدا المصاريف البالغة الارتفاع على العائلات خصوصًا من باتوا في سن لا يسمح للكثر منهم بالعمل والجهد اليومي. وعندما ارتفع الألم رفع هؤلاء الصوت مطالبين بحقوقهم وشكّلوا لجانًا للعمل بمنهجيّة لرفع الظلم. لكن جواب المسؤولين، سواء من أعطوا أملاً وأبدو تجاوبًا للمساعدة بهذه القضية أو من اعتبروا أن ليس باليد حيلة، كل هؤلاء وصفوا هذه الشريحة بـ”السّيئي الحظ” لأن لا المعاش التقاعدي شملهم عندما كانوا في الخدمة ولا التحسينات التي أُدخِلت على قانون الضمان تطالهم اليوم… فما هي الخطوات التي يعملون عليها
بداية لا بد من الإشارة إلى الفروقات بين أوضاع هذه الشريحة التي انضمت إلى شرائح المظلومين وفاقدي الحقوق في هذا البلد. فهناك متقاعدو القطاع الخاص الذين يحصلون على تعويضاتهم من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وهؤلاء ظُلموا مرّتين: عندما تم تسجيلهم في الضمان على أنهم يتقاضون الحد الأدنى فيما كانت أجورهم أعلى بكثير فتقاضوا تعويضًا على ما هو مسجل في الضمان أي أقل بكثير مما يستحقون. ومرة عندما قبضوا هذا التعويض بشيكات مؤخرة فما بقي منه بعد تراجع قيمة الليرة وصولاً إلى ما يوازي 2 في المئة من قيمته.
وهناك متقاعدو القطاع العام من مياومين ومستخدمين وأجراء الخارجون من مختلف إدارات الدولة ومؤسساتها العامة والذين يتشابه وضعهم مع زملائهم المتقاعدين من القطاع الخاص. كما أن هناك المتقاعدين من الموظفين، وهؤلاء يتقاضون معاشًا تقاعديًّا تراجعت قيمته الشرائية مع انهيار الليرة، ثم بات مشمولاً بالقرار الأخير لمجلس الوزراء الذي أقر إضافة ثلاثة أضعاف على هذا الراتب.
وهناك المتقاعدون من متعاقدي القطاع العام ممن تخضع عقودهم لموافقة مجلس الخدمة المدنية وكانوا يستفيدون من تقديمات تعاونية موظفي الدولة أثناء خدمتهم أسوة بالموظفين المثبّتين داخل الملاك العام. وأسطع مثال على حال هؤلاء هم متعاقدو وزارة الإعلام الذين كان بند إدخالهم الملاك أُدرِج على جدول أعمال جلسات سابقة لمجلس النواب، وكان يتم سحبه في كل مرّة تحت حجج مختلفة. وهؤلاء يتقاضون بعد التقاعد تعويضًا من الضمان لا معاشًا تقاعديًّا. ومنذ العام 2020 تتآكل قيمة تعويضاتهم حتى باتت أدنى من أجر شهر واحد مما يتقاضونه لو كانوا حاليًّا يعملون في مؤسسة خاصة.
وأخيرًا هناك فئة العسكريين وأفراد القوى الأمنية كافة، وهؤلاء يتقاضون تعويض نهاية خدمة ومعاشًا تقاعديًّا معًا. ولكنهم دخلوا شريحة المنتفضين والمطالبين برفع قيمة ما يتقاضونه لأنهم كما سائر المتقاعدين ما عادت هذه الأموال تكفي متطلبات عائلاتهم المعيشية والصحية.
تحركات وأكثر من خطة
نتيجة لهذا الواقع، ارتفعت وتيرة التحركات والاعتصامات وحتى اللقاءات البعيدة عن الأضواء مع المسؤولين، للمطالبة بتحسين أوضاعهم وبحثًا عن مخرج يُنصف هذه الشرائح ممن قضوا عمرًا في خدمة وظيفتهم وخرجوا ليجدوا أنفسهم فجأة بمواجهة مصير صعب في فترة من أعمارهم ليست أقل صعوبة، سواء على الصعيد النفسي أو الاجتماعي أو الصحي. قاد العسكريون إحدى أكثر هذه المطالبات صخبًا ما وضعهم وجهًا لوجه في التدافع والتضارب بينهم وبين زملائهم في الخدمة الفعلية. وهذا الموقف بدا الأكثر تعبيرًا عن حال الإثنين معًا، بين من هو مدفوع بعامل الفقر ويطالب بحقه، وبين من هو مأمور بعامل حتمية التنفيذ تجنّبًا للعقوبة!
كما بدأ هؤلاء ينتظمون في تجمّعات واتحادات لحشد القوى وتنظيم الملفات إظهارًا لحقوقهم وإقناعًا لبعض الجهات المعنية بالحلول التي يقترحونها للحصول على هذه الحقوق. فظهر مثلاً إلى التداول تجمّع المتقاعدين في الإدارات العامة وتجمّع متقاعدي وزارة الإعلام وسواهما. وحملت هذه التجمعات أكثر من خارطة طريق تقدّمت بها أو تتحضّر لتقديمها إلى أكثر من جهة حكومية أو نيابية أو قضائية.
فريق وزارة الإعلام يعمل على خطّين رئيسيّين:
أولاً، إعادة إحياء اقتراح قانون استفادتهم من المعاش التقاعدي وتقديمات تعاونية موظفي الدولة كأولوية على المطالبة بتحسين قيمة التعويضات. واقتراح القانون هذا كان تم درسه في اللجان النيابية المختصّة واللجان المشتركة وعُرف بقانون روبير غانم وكان يومها النائب الراحل من المهتمين بهذه القضية. وجولة بعد جولة تم إدخال تعديلات على المشروع الأساسي الذي كان يَشترِط عدم التثبيت، وكذلك حجب مسألة الترفيع بين الفئات، باعتبار أن القانون لا يسمح بمساواة هذه المجموعة مع الموظفين الثابتين لأكثر من سبب، الأمر الذي رفضه المتعاقدون يومها مطالبين بكامل الحقوق. لكن بعد إدخال تعديلات مقبولة على الاقتراح بحيث بات مقبولاً نسبيًا، عاد واصطدم بعوائق سياسية وطائفية كانت تُسقِطُه كل مرّة من جدول أعمال مجلس النواب قبل التصويت عليه مباشرة.
ومسودّة الاقتراح المعدّل الذي يجري العمل عليه حاليًّا تطالِب بشموله جميع المتعاقدين الذين ما زالوا في الخدمة الفعلية، والمتقاعدين الذين خرجوا ابتداءً من 1 كانون الثاني 2020، أي منذ بدء الانهيار الكبير. وطبعًا هناك تفاصيل عملية لمسودة الاقتراح هذه يجري العمل عليها مع عدد من النواب والقانونيين ليكون المشروع جاهزًا لإعادة طرحه على الهيئة العامة لمجلس النواب.
ثانيًا، وكخطّة باء في حال لم يتم السير باقتراح قانون الاستفادة من المعاش التقاعدي وتقديمات تعاونية موظفي الدولة، الضغط باتجاه احتساب التعويضات على معدّل سعر للدولار أعلى من 1500 ليرة. ويطالب المتقاعدون بأن يتم اعتماد سعر السوق مثلما باتت الدولة تستوفي رسومها على هذا السعر. كما أن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بات يستوفي اشتراكاته بسعر السوق ويدفع التعويضات على سعر 1500 ليرة، فكيف للمتقاعد المضمون الذي لا بديل لديه عن البقاء تحت التغطية الصحية إلا تسديد اشتراكاته، أن يسدِّدها وتعويضه كاملاً لا يكفيها لبضع سنوات؟
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|