الصحافة

المرشد والفستان… مهسا أميني تُبعَث من جديد؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

بعد ظهورها سافرة في بلاد الشيطان الأكبر، شغلت حفيدة المرشد الإيراني علي خامنئي مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام في العالم، إثر ظهورها ترتدي فستاناً قصيراً أسود في نيويورك. سيل من التعليقات والانتقادات والتهكّمات انطلق من شتّى أنحاء العالم ليصبّ في بيت المرشد. فماذا وراء الأكمة؟

فستان أسود عاديّ يضع مصداقية نظام عمره نصف قرن تقريباً على المحكّ. ما سبق ليس قصّةً من وحي الخيال، ولا حكاية نرويها للأطفال قبل النوم، وليس تضخيماً لحدث أو نكتةً يتبادلها معارضان ناقمان، أو متحاوران مختلفان. ما سبق خبر عاديّ ضجّت به مواقع التواصل الاجتماعي والعالم. خبر سال تعليقاً عليه حبرٌ كثيرٌ منذ أيام.

فستان يقضّ مضاجع نظام

لا شيء مميّزاً في الفستان السابق الذكر. تصميمه عاديّ. قطعة قماش سوداء مفصّلة تفصيلاً عاديّاً لتكون فستاناً أكثر من عاديّ لفتاة. ليس طويلاً جدّاً لتُطرح حوله علامات استفهام كثيرة، ولا هو قصير ليثير الانتباه. أيضاً ليس من تصميم مصمّم أزياء معروف. شخصياً رأيت الكثير مثله حتى اللحظة. فما الذي يميّزه هكذا ويجعله “اتْرِنْد” على مواقع التواصل، وتثور ثائرة المغرّدين والمعلّقين عليه؟

ببساطة، هي صاحبته التي ترتديه. أيضاً هو المكان الذي ارتدته صاحبته فيه. فأن ترتدي فتاة فستاناً حدثٌ لا يستحقّ أن يصير خبراً. لكن أن ترتدي حفيدة الوليّ الفقيه علي خامنئي مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران، فستاناً وتظهر فيه في نيويورك، خبرٌ أكثر من عاديّ. خبرٌ برتبة زلزال.

إيران بين صورتين

هال المغرّدون والمعلّقون والناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي أن يروا حفيدة خامنئي، مرشد النظام الإيراني، في فستان، وفي بلاد الشيطان الأكبر. قبلها بسنوات، هالهم أن يروا حفيدة الخميني، مؤسّس نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، ترتدي نصف حجاب قياساً إلى معايير نظام جدّها لارتداء الحجاب، في لندن وكندا وأميركا. بين الصورتين، اندلعت ثورة في إيران شعارها “المرأة، الحياة، الحرّية”، سارع نظام الملالي إلى قمعها، ولا يزال إلى اليوم يحاكم ويعاقب المشاركين فيها والمتعاطفين معها.

الآن، وفيما يسعى النظام في إيران إلى إبطال مفاعيل احتجاجات اندلعت في مختلف المدن الإيرانية ردّاً على مقتل الشابّة مهسا أميني إثر اعتقالها بحجّة انتهاك قانون الحجاب الإلزامي في إيران قبل سنتين، تخرج حفيدة رأس هذا النظام ومرشده وصاحب الكلمة الأولى والأخيرة فيه، سافرةً ترتدي فستاناً في نيويورك.

النظام الذي حرم الإيرانيات من ارتداء ما يحلو لهنّ من ثياب وفساتين، وأجبرهنّ على ارتداء الحجاب تحت طائلة الملاحقة القانونية حتى الموت كما حصل مع مهسا أميني، يسمح لبنات مسؤوليه وحفيداتهم، بارتداء ما يحلو لهنّ وفي عقر دار الشيطان الأكبر. مفارقة ما بعدها مفارقة، وتناقض ما بعده تناقض.

النظام الإيراني في هذا لا يختلف عن أقرانه من الأنظمة التوتاليتارية والشمولية والقمعية والدينية في شيء. ذلك أنّ الأنظمة تلك تجرِّم من شعوبها كلّ من يتعامل مع الغرب عموماً ويتبنّى عاداته وتقاليده وأزياءه وأفكاره، وتسمح بذلك لأبناء المسؤولين والقادة فيها. تخوّن من يدرس في جامعات الغرب ويبني علاقات مع مسؤولين فيه، وتسمح لنفسها بمحاورته ومفاوضته للسير في ركبه.

الأمثلة أكثر من أن تُحصى، بدءاً من نظام فيدل كاسترو في كوبا، الذي عاشت شقيقته غالبيّة عمرها في عرين خصمه اللدود أميركا، إلى نظام الملالي الذي تسرح حفيدة مرشده بفستان بعيداً عن إلزامية الحجاب في ربوع بلادها.

أكثر من ذلك، تجاهر حفيدات الخميني ووريثه خامنئي بأفكارهنّ التي لا تلتقي مع سياسات نظام جدّيهما. حفيدة الخميني زهرا إشراقي جاهرت في مقابلة مع جريدة الشرق الأوسط بمعارضتها لشرطة الإرشاد، وانتقدت التشدّد في إيران، وأعلنت انحيازها الكامل إلى التيار الإصلاحي، وأمِلت إلغاء قانون إلزامية الحجاب، وطالبت بأن يكون اختياريّاً. لا بل أبعد من ذلك، فقد طالبت المحجّبات بأن يكون حجابهنّ حديثاً وجذّاباً لا يبعث شحنات سلبية. الأرجح أنّها عارضت في حدود الممكن والمسموح به، ولو تغيّر الظرف فحتماً ستجاهر برأيها كلّه لا بنصف رأي.
خارج العصر والزّمان

إذاً لا تناقض في الأمر. حفيدات الخميني والخامنئي لسن من كوكب آخر. هنّ من إيران نفسها، إيران التي خرجت بقضّها وقضيضها قبل سنتين ضدّ قانون إلزامية الحجاب، وضدّ شرطة الأخلاق والآداب والحجاب. هم من أفراد الشعب الإيراني، ومن أبناء هذا العصر، عصر الانفتاح والتفاعل والتلاقح الثقافي والحضاري.

طبيعي أن يخرجن بأحدث الأزياء، وأن يرفعن شعارات العصر ويتبنّين قضاياه. صحيح أنّهنّ بنات وحفيدات مسؤولين في إيران، ولسن من بنات الشعب العاديّات، لكنّهنّ بنات عصرهنّ وأفكاره ووسائل التواصل والتفاعل فيه. خارج العصر والزمن نظامُ آبائهنّ وأجدادهنّ فحسب. اللاطبيعيون هنا هم قادة النظام في إيران من أعلى الهرم إلى أسفله. يعيشون في عصور مضت وبأفكار عفّى عليها الزمن. من يُكره شعباً كاملاً على ارتداء لباس موحّد كما في أيام المدرسة، في عصرنا الراهن؟ من يجبره على المضيّ قدماً في سياسات لم تجلب إلا الكراهية والعداء لأفراده؟ ومن يحدّد له وجهته في الحياة سفراً وعلماً وأفكاراً وطريقة عيش؟ من يسعى إلى إخراج شعب كامل من عصره؟

قبل فوات الأوان

هي قطعة قماش صغيرة نسبياً، لونها أسود، فُصّلت لتكون فستاناً، فهل تصير ثورةً، أو تكون سبباً في اندلاع ثورة؟ هذا السؤال النظام الإيراني وحده من يجيب عنه. الشعب الإيراني قال كلمته قبل سنتين. لا شكّ أنّه ينتظر الفرصة الملائمة ليعيد تأكيدها. لكن هل يعيد النظام الإيراني مراجعة أفكاره وسياساته، خاصةً تلك التي تتعلّق بالحرّيات الشخصية والفردية، أم يظلّ على صممه وعماه؟

الثورة والاحتجاجات والاعتراض لم تعد في الشارع الإيراني. انتقلت إلى بيوت المسؤولين. صارت في بيت صاحب الكلمة الأولى والأخيرة فيه. الاعتراض وصل إلى بيت الخامنئي نفسه، وإلى ذرّيّته.

الازدواجية التي يعاني منها النظام الإيراني لم تعد تحت السيطرة. لا مجال لإخفاء عوارضها وتبعاتها بعد اليوم. لا يمكن أن يُفرض الحجاب على الإيرانيات بالقوّة وعبر جهاز أمنيّ مخصّص لهذه المسألة، ويُسمح لبنات وحفيدات مسؤوليه بخلعه وإن خارج البلاد.

شيخوخة النّظام الإيرانيّ

لم يعد مبرَّراً أن يقمع الطلاب والطالبات في الجامعات الإيرانية لمنعهم من الاحتجاج ضدّه، ويراهن على طلاب وطالبات يحتجّون في جامعات الشيطان الأكبر لتعديل سياسات خصمه وعدوّه ومفاوضه وشريكه في آن.

ليس منطقياً ولا مقبولاً أن يقتل هذا النظام مهسا أميني إذ تعترض قولاً وفعلاً على إلزامية الحجاب في إيران، وتأييدها ورفع لوائها والإشادة بها وهي تحتجّ في الجامعات الأميركية ضدّ سياسات أميركا في الشرق الأوسط.

مهسا أميني التي هناك، هي هي التي قتلها الملالي هنا. المختلف بين هنا وهناك هو النظام الإيراني نفسه. هو في إيران خارج العصر، وخارجها في صلبه ويراهن على أدواته. شاخ النظام. شاخ كثيراً حتى لم تعد له كلمة على حفيداته. صدق ابن خلدون. حقّاً صدق.

أيمن جزيني - اساس ميديا
 

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا