"أليسار"... 29 عاماً وترتيب منطقة الضاحية الجنوبية لم يُنجز!
"النهار"- منال شعيا
كان هدفها إعادة إعمار الضاحية الجنوبية وترتيب المنطقة، لكنها لم تفعل.
أنشئت عام 1995، وبعد مرور 29 عاماً لم تنجز مشاريعها، أو المشاريع التي أوكلت إليها. هي مؤسسة "أليسار" التي رُصدت لها الأموال عبر الأعوام، من ضمن الموازنات العامة وسلف الخزينة، وخُصّص لها كادر بشري وموظفون، لكن جدوى استمرارها لطالما كانت محط تساؤل مشروع. هذا التساؤل تعزّز اليوم، بعدما قدّم رئيس مجلس إدارتها المدير العام #إيلي شديد استقالته، طالباً قبولها. فأعادت الاستقالة الضوء على مؤسسة منسيّة، لكنها لا تزال مدرجة من ضمن المؤسسات العامة.
يبادر الباحث في "الدولية للمعلومات" #محمد شمس الدين "النهار" بالقول: "هي ينبغي أن تُدرج من ضمن المؤسسات العامة التي يجب أن تُلغى، أو بالأحرى التي لم يبق من مبرّر لاستمرارها".
ويستند شمس الدين الى تقرير أعدته "الدولية للمعلومات" تحت عنوان: "أليسار: مهمة غير منجزة ونفقات مستمرة، الى متى؟"
فأيّ تاريخ لهذه المؤسسة؟ وأي مهمّة أوكلت إليها؟ ولم استمرارها حتى اليوم؟
بين التأسيس.. ومبرّر بقائها
في حزيران 1995، أنشئت المؤسسة العامة لترتيب منطقة الضاحية الجنوبية، بموجب مرسوم، والمعروفة باسم مشروع "أليسار"، تحت حجة أنه لم يكن جائزاً أن تبقى المنطقة الواقعة بين المطار والعاصمة بيروت شاهدة على إفرازات الحرب. آنذاك، أراد الرئيس رفيق الحريري، من ضمن خطة إعادة الإعمار، أن يعيد ترتيب تلك المنطقة.
كانت ثمة حاجة الى ترتيب تلك المنطقة التي تبلغ نحو 5.6 ملايين متر مربع، بعدما أدى غياب التنظيم الى تعديات على الأملاك العامة والخاصة. كانت تشمل الخطة مناطق: الجناح، حي الزهراء، صبرا وشاتيلا، بئر حسن، حرش القتيل، الأوزاعي، الشياح وبرج البراجنة العقارية. كان الحريري ينطلق من رؤية مفادها أن إعادة إعمار وسط العاصمة لا يجوز أن تنجز مع إغفال الضواحي المحيطة.
لكن لأسباب مزدوجة بين السياسة والمال، عُرقل المشروع مراراً. وكان السبب المعلن "عدم لحظ المشروع دفع تعويضات لأهالي المنطقة المقيمين على الأملاك العامة، والذين شيّدوا مساكن ومؤسسات على أملاك خاصة وبطريقة مخالفة للقانون".
من هنا، تلفت "الدولية للمعلومات" في تقريرها الى أن "ما أنجزته أليسار لا يتعدّى بعض الإخلاءات التي كان من الممكن أن يقوم بها صندوق المهجرين. وأما الخرائط التي وُضعت، في حينه، فهي لا شك تحتاج إلى إعادة نظر في ضوء التطورات الحاصلة".
وتشير الى أن "المؤسسة أنفقت أكثر من 184 مليار ليرة وهي لا تزال قائمة لكن لا تقوم بأي عمل سوى إحداث مزيد من النفقات على الرواتب والأجور والأمور الإدارية بانتظار شيء ما أو التزاماً بالمحاصصة القائمة في البلد التي تفرض وجود المؤسسات ليس للعمل بل لإرضاء الطوائف".
هكذا، اصطدم مشروع "أليسار" بأكثر من عقبة عرقلت تنفيذ الخطط.
ووفق الأرقام التي حصلت عليها "النهار"، فقد رُصدت أموال للمؤسّسة في الموازنات العامة تباعاً إذ بعد وصول الرئيس سعد الحريري الى رئاسة الحكومة، أعيد تفعيل هذه المشاريع. وقد ظهرت حصة "أليسار" في موازنة عامي 2017 و2018، حتى وصل المبلغ المرصود في موازنة الـ2019 ما قيمته 50.5 مليار ليرة لسنة 2020، و45 مليار ليرة لسنة 2021، علماً بأن البلاد في هذه الأعوام، كانت قد دخلت في أزمة مالية ونقدية غير مسبوقة.
في مرسوم الإنشاء، تم تعريف مؤسسة "أليسار" على أنها "مؤسسة عامة تحمل اسم مؤسسة ترتيب منطقة الضاحية الجنوبية الغربية لمدينة بيروت-أليسار، وتتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري وتخضع لرقابة ديوان المحاسبة المؤخرة". وتتولى المؤسسة ترتيب وتنظيم منطقة الضاحية الجنوبية الغربية لمدينة بيروت وفقاً لما هو محدد في المرسوم 6913. وترتبط برئيس مجلس الوزراء الذي يمارس سلطة الوصاية الإدارية عليها.
29 عاماً، ولا تزال المؤسسة مدرجة ضمن قائمة المؤسسات العامة، وبلا عمل. ففي نظام هيكليتها، يتولى إدارة المؤسسة مجلس إدارة يتألف من 11 عضواً، يعيّنون بمرسوم لمدة 3 سنوات ويكون رئيس مجلس الإدارة هو المدير العام للمؤسسة. وكالعادة، طبقت المحاصصة الطائفية داخل مجلس الإدارة، تحت عنوان 6 و6 مكرر، إذ إن منصب رئيس مجلس الإدارة المدير العام كان من نصيب الطائفة المارونية فيما توزع أعضاء مجلس الإدارة، كالآتي: 2 شيعة، 1 ماروني، درزي 1، 1 سني، 1 روم أرثوذكس، 1 روم كاثوليك، 1 إنجيلي.
من هنا، حُكي الكثير عن "مؤامرة مقصودة" لإفشال تنفيذ المشاريع، منذ أيام الرئيس الحريري الأب، وصولاً الى الابن.
لا يخفى على أحد، أن مشروع ترتيب منطقة الضاحية الجنوبية بقي حبراً على ورق لاعتبارات سياسية-حزبية نتيجة عدم التوافق على المشروع بين الرئيس رفيق الحريري و"حزب الله" و"حركة أمل".
أيّ استقالة؟
اليوم، بعد 29 عاماً على إنشاء "أليسار"، بدا لافتاً تقديم مديرها العام استقالته، فأيّ مبررات لها؟
من المعروف أن سلطة الوصاية على "أليسار" هي مجلس الوزراء.
وحتى الساعة، تتكتّم أوساط حكومية على مسألة الاستقالة. وتشير الأوساط لـ"النهار" الى أنه "ليس هناك شيء معلن أو مبتوت حتى اللحظة، في شأن الاستقالة أو دوافعها"، رافضة الدخول في إعطاء تفاصيل حول مبرّرات بقاء "أليسار" ولا سيما في الظروف المالية الحسّاسة التي تمر بها البلاد.
أما على خط رئيس مجلس الإدارة إيلي شديد، فعلى رغم المحاولات المتكررة، لم تنجح "النهار" في الاتصال به، للوقوف على خلفيات طلب الاستقالة في هذا الوقت بالذات، وقد سُجّل على شديد ابتعاده عن الإعلام، طوال مدّة تسلّمه منصبه.
في المقابل، أسئلة كثيرة تُطرح حول نفقات "أليسار" مقارنةً بالعمل الذي قامت به.
تبرز "الدولية للمعلومات" هذه النفقات، كالآتي: "منذ إنشائها في عام 1995 حتى عام 2011 ، حصلت أليسار على نحو 184 مليار ليرة سواء من خلال الموازنات العامة أو سلف الخزينة أو عن طريق نقل من احتياطي الموازنة إلى موازنة "أليسار". بعض هذه النفقات خُصّصت لعمليات الإخلاء والكثير منها كانت إخلاءات وهمية خضعت لاعتبارات سياسية، كما أن بعض الشاغلين نالوا تعويضات كبيرة تتجاوز كل ما هو منصوص عليه في الأنظمة والقوانين للشاغلين الشرعيين، وبعضها الآخر خُصّص للنفقات الإدارية، كما حصلت "أليسار" منذ إنشائها على سلفات خزينة، لتسيير أعمالها ولدفع بدلات إخلاء لتنفيذ أشغال توسعة المطار وصلت قيمتها إلى 137 مليار ليرة".
باختصار، لم تنجز مؤسسة "أليسار" مهماتها. هي عاطلة من العمل. لكن الإنفاق على الرواتب والأجور وإيجار المبنى والنفقات الاستهلاكية لا يزال مستمراً ويصل إلى "نحو 3.3 مليارات ليرة سنوياً". وهذه ليست سوى عيّنة عن نحو 15 مؤسسة عامة وصندوقاً توضع في خانة "لزوم ما لا يلزم"، ولا تزال تُدرج في قائمة بلد انهار بالكامل...
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|