حلّ أزمة الودائع من دون شطب أيّ جزء منها...
بقلم العميد المتقاعد دانيال الحداد
بات من المؤكد بأنّ شطب أيّ جزء من الودائع تحت شعار الفوائد الفائضة أو المخاطر المصرفية، دونه اعتراض المودعين من جهة وأغلبية السلطات السياسية من جهة ثانية، فالكلام على الفوائد الفائضة بعد العام ٢٠١٥، لم يعد له أي معنى، إذ تبخّر قسم كبير من أصول الودائع نفسها مع الفوائد بسبب الهيركات الذي وصل الى حدود ٨٣٪ على السحوبات المصرفية، إلى جانب فقدان القيمة الشرائية لهذه الودائع بعد خمس سنوات على احتجازها في المصارف من دون أي فائدة تذكر، وكذلك بسبب حتمية توقّف الفوائد عليها مستقبلاً في أي خطة توضع لمعالجة أوضاع المصارف لمدة قد تستغرق ٢٠ سنة، فكيف يجوز شطب فوائد سابقة من رصيد المودع وفي الوقت نفسه تذويب هذا الرصيد وحرمانه من الفوائد خلال هذه المدّة الطويلة ؟
كما أنّ الكلام على نسبة المخاطر المصرفية التي يتحمّلها المودع غير منطقية، فالأزمة هي أزمة نظامية شاركت فيها الدولة عبر استدانتها المفرطة من مصرف لبنان أي من أموال المصارف لتغطية عجز موازناتها السنوية منذ العام ١٩٩٣، ثم سوء إدارتها الأزمة بعد العام ٢٠١٩، سواء لجهة تشريعها تسديد قروض المصارف المدولرة للقطاع الخاص في مجلس النواب على سعر ١٥٠٠ل للدولار أو لجهة سياسة الدعم الفوضوية، ما أدّى إلى إهدار نحو ٥٠ مليار دولار من أموال المودعين. وهذا لا يعفي بطبيعة الحال المصارف من مسؤوليتها في قبول هذا النهج العشوائي وغير المهني، كذلك الأمر، فإنّ إدخال موضوع تصنيف الأموال المشروعة وغير المشروعة في صلب الخطّة، سيؤدي إلى تعقيدات لا تنتهي، فضلاً عن إحجام المستثمرين مستقبلاً عن استثمار أموالهم في لبنان.
إذاً ما هو الحل ؟
من جملة الخطط المتداولة بين الخبراء، خطة أقرب إلى الواقع، تقضي بالجمع بين تسديد قسم من الودائع نقداً خلال مدّة طويلة وتحويل القسم الآخر بالمناصفة إلى أسهم مصرفية وسندات في صندوق سيادي ينشأ لهذه الغاية، فتتحمّل الدولة والمصرف المركزي والمصارف مسؤولياتها مباشرة وفق نسب معينة في عملية تسديد الودائع، فيما يتحمّل المودعون خسائر غير مباشرة نتيجة تقسيط أجزاء من ودائعهم من دون فوائد، وتدني قيمة الأسهم والسندات التي سيحصلون عليها لأمدٍ طويل، وبالتالي فقدان جزء كبير من القيمة الشرائية لهذه الودائع.
انطلاقاً من أنّ حجم كتلة الودائع المسجّلة في المصارف حالياً تبلغ نحو ٩٠ مليار دولار، موزّعة على ٥٠ مليار دولار مسجلة قبل ١٧ / ١٠ /٢٠١٩ أي تاريخ بدء الأزمة، و٤٠ مليار دولار جرى تحويلها من الليرة إلى الدولار بعد هذا التاريخ،
ترتكز الخطوط العريضة لهذه الخطة على ما يلي:
١ - اعتماد مبدأ العميل الواحد، أي اعتبار مجموع حساباته في مختلف المصارف اللبنانية كرصيد واحد.
٢- اعتبار الجزء الأول من رصيد المودع والمحدّد ب٢٥ الف دولار مبلغاً غير قابل للتحويل إلى أسهم مصرفية أو سندات في الصندوق السيادي أي يجب تسديده نقداً (حماية صغار المودعين)
٣ - تحويل نسبة ٢٠٪ من الرصيد المدولر الذي كان مفتوحاً قبل ١٧/ ١٠ / ٢٠١٩ ، والذي يزيد عن ٢٥ ألف دولار إلى أسهم مصرفية وسندات في الصندوق السيادي بالمناصفة، ثم تحويل كامل المبلغ الفائض عن ٣ ملايين دولار من الرصيد المتبقي إلى أسهم مصرفية وسندات في الصندوق السيادي، بحيث لا يتعدّى المبلغ الأقصى الواجب تسديده نقداً بعد إضافة ال ٢٥ الف دولار المذكورة ال٣ ملايين دولار.
٤ - تحويل نسبة ٤٠٪ من الرصيد الذي تمّت دولرته بعد ١٧/ ١٠ / ٢٠١٩، والذي يزيد عن ٢٥ ألف دولار إلى أسهم مصرفية وسندات في الصندوق السيادي بالمناصفة، ثم تحويل كامل المبلغ الفائض عن ٣ ملايين دولار من الرصيد المتبقي إلى أسهم مصرفية وسندات في الصندوق السيادي، بحيث لا يتعدّى المبلغ الأقصى الواجب تسديده نقداً بعد إضافة ال ٢٥ ألف دولار المذكورة ال٣ ملايين دولار.
٥ - في حال كان للمودع حسابات مفتوحة قبل ١٧ تشرين وبعده، يطبق مضمون البنود أعلاه مع اعتماد قاعدة النسبية بين المصارف.
٦ - حسم جزء من الودائع المتبقية في المصارف للاشخاص الذين استطاعوا تحويل قسم من ودائعهم إلى الخارج بعد ١٧ تشرين تعادل ٥٠ ٪ من الأموال المحوّلة.
٧ - حسم جزء من الودائع المتبقية في المصارف للاشخاص الذين سددوا قروضهم المصرفية المدولرة بالليرة على سعر ١٥٠٠ل للدولار أو أيّ سعر رسمي آخر يعادل ٥٠ ٪ من الأموال المسدّدة، باستثناء قروض التجزئة التي تقل عن ١٠٠ ألف دولار.
٨ - فرض ضريبة معينة على الأشخاص الذين حوّلوا أموالهم إلى الخارج بعد ١٧ تشرين/ ٢٠١٩، وعلى الأشخاص الذين سسددوا قروضهم المدولرة على سعر ١٥٠٠ل للدولار وأي سعر رسمي آخر باستثناء قروض التجزئة التي تقل عن ١٠٠ ألف دولار ، وذلك في حال لم يعد لديهم أي وديعة في المصارف اللبنانية.
٩ - تقدر القيمة الإجمالية للمبالغ المفترض تسديدها نقداً من الودائع بعد تنفيذ البنود أعلاه، بنحو ٤٥ مليار دولار ، مع الإشارة إلى أن جزءاً من هذا المبلغ متوافر الآن، وهو موزع بين ١٠ مليارات دولار في احتياطي مصرف لبنان، و٦،٥ مليار دولار وهي قروض مصرفية للقطاع الخاص، بالإضافة إلى موجودات المصارف، السائلة وغير السائلة.
١٠ - يتولّى المصرف المركزي والدولة والمصارف تسديد نحو ٢ مليار دولار سنوياً من الودائع وفق نسبة مسؤولية كل جهة، وبما يعادل نسبة ٤ أو ٥ ٪ سنوياً من كلّ وديعة، شرط ألاّ يقل المبلغ المسدد شهرياً للمودع عن ٤٠٠ دولار ولا يزيد عن ٢٥٠٠ دولار.
١١ - تعدّل نسبة التسديد السنوية بما يتناسب مع انخفاض حجم كتلة الودائع وتحسن الوضع الاقتصادي في البلاد.
١٢ - يتولّى القضاء المختص الفصل بين الودائع المشروعة وغير المشروعة على أن تبقى هذه المسألة منفصلة عن خطة معالجة أوضاع المصارف وتسديد الودائع.
١٣ - تخضع المصارف غير القابلة للاستمرار الى عملية الدمج أو التصفية مع مراعاة حقوق المودعين.
١٤ - عودة المصارف إلى ممارسة عملها بشكل طبيعي، وتفصل الودائع الجديدة عن الودائع القديمة، مع تعديل قانون النقد والتسليف وقانون الموجبات والعقود وسائر القوانين ذات الصلة، بما يكفل تسديد المقترضين قروضهم من المصارف بالعملة التي استدانوا منها القروض حصراً.
١٥ - إصدار تشريعات معينة تتيح للمودعين تسديد بعض الضرائب من ودائعهم المفترض تسديدها نقداً، وتسمح للمصارف بالاتفاق مع المودعين المحتاجين إلى أموال إضافية بشكل سريع، بتسديد أي جزء من الودائع وفق نسبة معينة يتوافق عليها الطرفان.
في الخلاصة، يراعي هذا الحل جميع فئات المودعين، كما قدرة الدولة والمصرف المركزي والمصارف على التسديد، وقد يكون أفضل الممكن لحلّ هذه الأزمة غير المسبوقة في تاريخ لبنان.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|