من الضاحية.. ياسين أطلق المرحلة الأولى من توزيع المساعدات إلى العائدين والمتضررين
5 حكومات تصريف أعمال: 43.3% من أيّام عهد ميشال عون...
لا شيء يدعو الى العجب في هذا البلد، فكل المعادلات الطبيعية في لعبة الممارسات السياسية سقطت منذ زمن، على حساب الاستثناءات والتمريرات والتسويات. ومع هذا المسار، لا يعد صعباً أن يُعدّل دستور أكثر من مرة، أو حتى أن يُخرق تحت حجة "الضرورات تبيح المحظورات"، أو بكل بساطة أن يكون الدستور نفسه أغفل الكثير من المسائل الحساسة، وعن قصد طبعاً.
وفي آخر الفصول، إن العهد الرئاسي الحالي برئاسة الرئيس ميشال عون شهد أمراً غير مسبوق لم تعرفه كل العهود الرئاسية الــ12 التي عرفها لبنان منذ الاستقلال في عام 1943 حتى اليوم. هذا ما كشفته "الدولية للمعلومات" أخيراً، وشرحت أن "نحو نصف أيام العهد كانت أيام تعطيل في ظل وجود حكومات تصريف الاعمال"، وأبرزت ذلك في جدول مفصلّ (منشور جانباً)، ليتبيّن أنه إذا نظرنا الى أرقام الأيام التي بقيت فيها الحكومات تصرّف الأعمال، نلاحظ أنها ترتفع وكأنها في مسار تصاعدي من 48 يوماً الى 397 يوماً، إذا استثنينا حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الحالية التي لا يُعرف الى متى ستبقى في دائرة تصريف الأعمال بعد انتهاء عهد عون أم لا.
وفق "الدولية للمعلومات"، يكون قد انقضى من عهد الرئيس عون 949 يوماً في ظل 5 حكومات تصريف أعمال أي ما يمثل نسبة 43.3% من أيام العهد التي بلغت 2191 يوماً.
صحيح قد تكون هذه الظاهرة ليست بغريبة لكنها لافتة نسبة الى عدد حكومات تصريف الأعمال وفترة بقائها من عمر عهد بأكمله، فهل هذا الامر صحي، وفي الأساس لم لم ينتبه إليه اتفاق الطائف ويتداركه، ولا سيما أن لا مهلة دستورية في الطائف تلزم رئيس الحكومة المكلف تأليف حكومته، وليس أيضاً هناك أي مهلة تنقضي معها مهلة تصريف الأعمال لأي حكومة، إذا طال عمرها كثيراً، فهل المشكلة تكمن في الدستور أم في الممارسة السياسية؟
لا علّة في النصوص
النائب السابق إدمون رزق يقولها صراحة: "نحن في حالة شغور في مختلف السلطات وعلى مدى أعوام، ومنذ ما بعد الطائف، وذلك لعلة عدم تطبيق الاتفاق والتنكيل المستمر بالدستور، مما أدى الى تمرّس الشغور لأن شاغلي مواقع السلطة لم يملؤوها ولعلّة مزدوجة: عدم المعرفة وعدم القدرة".
رزق وهو من أبرز المشاركين في صوغ اتفاق الطائف لا يرى أن المشكلة في النص بل في الممارسة. يرى أن "القدرة والمعرفة شرطان أساسيان لتولّي أيّ مسؤولية، فمن لا يعرف ولا يقدر ينبغي ألا "يتنطّح" لمسؤولية معروف سلفاً أنه ليس على مستواها".
إذن، لمَ لم يتم تدارك الامر، بحيث ألزم رئيس الحكومة المكلف مهلة محددة لبقاء حكومته في دائرة تصريف الاعمال، بدل هذه الفترة المفتوحة الى أجلّ غير مسّمى؟
يجيب رزق: "لا علة في النصوص أبداً، لا في الدستور ولا في المواثيق، وخصوصاً في اتفاق الطائف، بل في الأشخاص، فبعضهم لا يعرف، والبعض الآخر لا يستطيع، فيما آخرون يعرفون ولا يريدون".
هكذا، لا يرى من شارك في كواليس إقرار الطائف أن العلّة في ما كُتب، فمثلاً عدم إلزام الرئيس مهلة أو عدم "تضييق" حكومة تصريف الأعمال بفترة زمنية محددة، إنما مردّه لا الى نقص في النصوص، بل الى كون هذا الأمر من البديهيات التي لا تجوز أن تمرّس أو تكرّس كقاعدة، فلا الفراغ طبيعي ولا طول أمد أي حكومة هو من الأمور الصحية أيضاً. إنها من المسلّمات التي لا تستوجب إقرار نصوص مكتوبة حولها.
يعلّق رزق: "المطلوب ليس تغييراً في العهود والمواثيق ولا في الدستور والقوانين، بل في الذهنية والعقلية والنوعية عند الأشخاص، لأن الحكم ثقافة وقدرة وإذا حلّ مكانهما الجهالة والعجز، أصبح الأمر بحاجة ماسّة الى تبديل في الأشخاص لا الى تعديل في النصوص".
وبغض النظر عن الإشكالية المطروحة الآن حول مدى إمكان استمرار حكومة تصريف أعمال في مرحلة فراغ رئاسي، ومدى تمتّعها بصلاحيات واسعة أم لا، فإنه بمجرد النظر الى أعلى سلطتين سياسيتين في البلد، أي #رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء مجتمعاً، نرى حجم الفراغ الذي سيحلّ بالبلاد بعد 31 تشرين الأول الجاري، إذا استمر الوضع الراهن على حاله، فلا رئيس في بعبدا، ولا حكومة حصلت على ثقة مجلس النواب تجتمع وتقرّر وتنفذ، وسط أخطر أزمة لم يعرف لبنان، في نوعيتها وتداعياتها، حتى في زمن الحرب. فأيّ نتائج لهذا التوصيف في المستقبل؟
يختصر رزق المعادلة بجزم، قائلاً: "هم "احتلّوا" مقارّ ولم يملؤوها. لبنان يحتاج، فوراً، الى تبديل في الذهنية والممارسة. وعلى من لا يعرف أقلّه أن يستعين بمن يعرف، وعلى من لا يقدر أن يتنحّى".
وبجزم ثانٍ يختم: "ما من نصّ في الطائف كان ينبغي تداركه أو أنه يحتاج الى تغيير أو الى إضافة، وإنما العلّة في الشغور المتمادي الذي أطاح الإصلاحات وأهدر فرصاً على مدى ثلاثة عقود، أي على مدى جيل كامل من عمر الوطن".
ربما حان الوقت كي نعترف بأن شوائب كثيرة يعيشها النظام السياسي اللبناني بسبب ممارسة سياسييه وأدائهم، الذين يفتعلون "ألغاماً" من متن النصوص، فتتضاعف أزمتنا عند كل مفصل أو استحقاق... فليس من الطبيعي أن يخضع دستور بلد، في كل مرّة نواجه فيها استحقاقاً ما، لسيل من الاجتهادات والفتاوى، إن كان بالنسبة الى نصاب جلسات انتخاب الرئيس أو بالنسبة الى الإشكالية بين فراغ رئاسي وحكومة تصريف أعمال ممدّد لها... إنها الإشكالية المستمرة بين أداء السياسيين و"تطويعهم" نصّاً دستورياً وفق مصالحهم!
"النهار"- منال شعيا
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|