إقتصاد

وزير المال : إننا بحاجة إلى المصارف في لبنان.. إفلاسها يعني إفلاس المودِعين

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

أعلن زير المال في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل أنه "بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي جهّزنا كحكومة، رزمة أولى من الإصلاحات البنيوية من بينها السرية المصرفية والـ"كابيتال كونترول" وتوحيد سعر الصرف، وعدم انجاز الموازنة شرّ مطلق". واعتبر أن "كل عاقل يدري أننا بحاجة إلى المصارف في لبنان فإفلاسها يعني إفلاس المودِعين، ويجب تشجيع عملية دمج المصارف على مبدأ الأكثر كفاءة وملاءة".

وعقد الخليل مؤتمراً صحافياً اليوم عرض فيه جردة شاملة عن الخطوات التي اتخذتها الوزارة منذ تسلّمه مهامها، وتطرّق الى موقفه وقناعاته في كلّ خطوة محملاً الطائفية التي تتحكم في البلاد بعرقلة العديد من المشاريع الأساسية.

وهنا نَص المؤتمر الصحافي: "اسمي يوسف الخليل، ولدت في صور، مدينة علّمتني كيف تُبنى روابط اجتماعية تكون متماسكة ومتضامنة.

 والدي أحمد كان مسؤولاً عن الإرشاد الصحي في وزارة الصحةِ العامة، والدتي بشرى كانت ممرضة وعاملة اجتماعية قبل رواج هذه المهنة.

علّمني أهلي معنى وأهمية خدمة المصلحة العامة في المرافق والمؤسسات، علّماني عدم التزلف، علماني احترام محاورك أياً كان، الصغير قبل الكبير، علّماني الصدق والتهذيب دائماً مهما كانت نتائجه عليك.

**********

 أعمل منذ عقود في التعليم الجامعي وفي مصرف لبنان الذي دخلته أيام الحاكم ميشيل الخوري، ثم المرحوم إدمون نعيم. 

أسّست في صور جمعية "إنماءِ القدرات في الريف" وهي تخصصت في القروض الصغيرة لصالح المهمشين الذين لا يستطيعون الوصول إلى التسليف المصرفي.

وأدخلت الجمعية تقنيات الزراعة العضوية والزراعة المتخصّصة التي أمّنت مداخيل إضافية للمزارعين كما واكبت صيادي السمك لتأمين العيش الكريم لهم ولأسرهم، وبنت لهم مجمّعاً سكنياً أداروه بأنفسهم بواسطة تعاونية "البقاء" السكنية التي أَنشأوها هم لهذه الغاية.

 وانطلاقاً من قناعتي بأنَّ السكن اللائق هو حقٌ أساسيٌ للجميع، ساهمت أيضاً في متابعة مشروع قروض الاسكان في مصرف لبنان وقد استفاد منه الآلاف من الشباب والأسر.

**********

جئت إلى وزارة المالية ليس بحثاً عن الشهرة او المنفعة بل بقناعة راسخة ان عمق الأزمة التي يمرُّ بها بلدنا واقتصادنا تحتّم على من يستطيع المساعدة أن يفعل، وعلى من يستطيع تحمّل المسؤولية أن يتقدم دون تلكؤ.

**********

 قد مرّ الآن سنة او أكثر من سنة بقليل على تسلمي مسؤولياتي في وزارة المالية.

لم أستطع الإجابة على تساؤلات النواب بسبب ضيق الوقت.

اليوم وبعد إقرار الموازنة، لدينا الوقت الكافي فدعوني أقدم كشف حساب للشعب اللبناني عما حاولت ان أقوم به خلال هذه السنة.

دعوني أكاشفكم بصراحة عن نجاحاتي وإخفاقاتي عسى أن تكون هذه المصارحة عبرة للمرحلة القادمة. **********

سيداتي، سادتي،

يعيش بلدنا أزمة اقتصادية عميقة، ولهذه الأزمة مستويات متعددة.

تصوروا للحظة مريضاً يحتاج إلى عملية قلب مفتوح، ويعاني أيضا من نزيف ومن سوء تغذية.

بالتأكيد، لا تستطيع أن تعالج كل هذه الأمراض دفعةً واحدة، وفي الوقت ذاته لا يستطيع كل علاج أن يتجاهل الآخر.

إنه مسار طويل وعلاج متماسك.

**********

بداية، اعتنت هذه الحكومة بحاجات حوالي 300 ألف من موظفي القطاع العام والقوى العسكرية والأمنية، وكذلك أساتذة التعليم الرسمي والجامعة اللبنانية. وقد سعت إلى تأمين حاجاتهم في الطبابة والتعليم، ولذلك سمّيت عن قصد ب “حكومة طوارئ" هدفها الأول كان لجم التدهور، لا سيما تدهور الأوضاع المعيشية وخصوصاً في القطاع العام، والثاني وربما الأهم، الحفاظ على كيان دولة قادرة على النهوض بالإصلاح المطلوب، وتأمين الحد الأدنى من الإنتاجية في العمل.

بسبب الانهيار وجانحة كورونا، لم يكن لدينا من خيار آخر.  ونجحنا في ربط دعم القطاع العام بالوجود الحضوري في الوظيفة لمنع، قدر الإمكان، تفتّت ما تبقى من الدولة.

إذا بدايةً، دُعِمَ القطاع العام لئلا تنهار الدولة، وبمعنى ما، هذا ما عبَّرت عنه موازنة عام 2022 ولو بشكلٍ متأخر. 

إسوةً بكل دول العالم، حاولنا أن نمنع بداية انهيار المجتمع والقطاع العام على أن تكون موازنة عام 2023 موازنة البدء بالإصلاح البنيوي بالحد الأدنى المقبول الذي يتطلبه بلدنا واقتصاده.

   بوحيٍّ من خطة التعافي الاقتصادي، وبالتنسيق مع صندوق النقد الدولي، جهزنا كحكومةٍ رزمةً أولى من الإصلاحات البنيوية، ومن بينها مشروع السرية المصرفية والكابيتال كونترول، وموازنة عام 2022 ومن ضمنها التصحيح المالي والدولار الجمركي، وإلى جانب الموازنة، بدأنا عملية توحيد سعر صرف العملة. 

  ما آلت إليه مشاريع السرية المصرفية والكابيتال كونترول يتطلب مني مطوّلات ليس المجال اليوم للغوص فيها.

دعوني فقط أعلّق القليل على موضوع الموازنة والدولار الجمركي وتوحيد سعر صرف الليرة.

**********

بالنسبة لهذا الأخير، أكتفي بالقول إن الدولَ التي فيها أكثر من سعر صرف هي دول مريضة اقتصاديا.

استراتيجيا، يجب أن يتجه سعر صرف الليرة ليتطابق مع سعر الدولار الحقيقي، وهي ربما أبسط وسيلة للجم التهريب والتخلص من المضاربة على حساب قيمة الليرة وبالتالي من اغتناء أقلية من المحتكرين على حساب عامة الناس.

**********

بالنسبة للموازنة، إذا كان صحيحاً أن عدم إنجازها في شهر تشرين الأول من السنة السابقة هو شرٌّ، فعدم إنجازها أبداً هو شرٌّ مطلق.

ومن الأفضل إنجازها متأخرة بدلاً من عدم إنجازها، كما حصل قبل سنوات، وذلك حفاظاً على الحد الأدنى من حسن الأداء المالي ولجم العجز والإنفاق وفق أطرٍ محددة.

هنا لا بدّ من التوضيح للرأي العام أن الموازنة كانت جاهزة منذ شهر نيسان، وإن لم تمثل أمام الهيئة العامة لمجلس النواب إلا في شهر أيلول.  

موازنةُ عام 2022 التي خرجت من الوزارة كانت مقبولة بكل المقاييس المحلية والدولية، ولكن التأخير في إقرارها وتدهور قيمة العملة الوطنية وتقلبات سعر الصرف، كل ذلك، فرض علينا إعادة تصحيحها باستمرار حتى الساعات الاخيرة (كما لاحظتم مثلاً بعد إضافات وزارتي المواصلات والأشغال العامة مشكورتين).

 أياً يكن، بجهود لجنة المال البرلمانية، وصلنا الى مشروع موازنةٍ حظيَ على موافقة أكثرية الكتل البرلمانية لئلا أقول كلها.

كم كانت دهشتي (وربما سذاجتي) كبيرة عندما اكتشفت أن "المقررين" البرلمانيين في لجنِ المال قادرون على الانتفاض في الهيئة العامة على ما اقترحوه هم في اجتماعاتِ اللجنة، وأن يعودوا بالأخير ويصوتوا مع الموازنة!

 الحمد لله أن في كل كتلة نيابية دون استثناء، هناك نواب عقلاء لا يلجأون إلى الشعبوية الرخيصة، وقد عبّروا لي بوسائل مختلفة عن امتنانهم للجهد الذي بذل.

**********

أخيراً، لا بد أن أنتقل إلى موضوع الدولار الجمركي.  

سبق وقلت إن الفارق بين الدولار الجمركي ب 1500 ليرة وقيمة الدولار الحقيقية أي 37 او 39 ألف، هي موارد تحرم منها الدولة، والدولة بأمسّ الحاجة إليها لكلِّ مهامها، من تطبيب الناس وتعليمهم وغيرها.

في المحصِّلة، هي موارد تحرم منها الناس.

**********

 بالتأكيد، كما سبق وقلت أيضاً، بلى، إعتماد سعر صرف 15,000 ل. ل. أحسن من الإبقاء على ال 1,500 ل. ل. ولكن بصراحة ما زال الفارق كبيراً بين القيمة الجديدة للدولار الجمركي وقيمته الحقيقية، وعلينا أن نعمل تدريجاً لتقليصه. 

 التصحيح الجمركي، هذا الذي يُهوَّل بأنه سيخُرِّب البلد، الغاية منه هي رفع إيرادات الدولة، وتخفيض عجز الموازنة، وتقليص نسب الاستدانة، وتحسين الميزان التجاري، وتحفيز الإنتاج المحلي.

 لماذا إذاً كل هذا التهويل؟

لتبرير جشع الذي يُريد أن يستورد ويدفع رسوم على قاعدة 1500 ل.ل.، ثم يريد ان يسعّر ويبيع على قاعدة 40 ألف وربما أكثر.

هذا لا يجوز، هذا لا يُبرّر، هذا حرام.

هذا اسمه – لا أجد كلمة أخرى –  إثراء غير مشروع، وكان من واجبي وضع حد لهذه الفضيحة "الفلتانة" التي كانت تدفع فاتورتها الدولة والناس. 

 كأن الدولاب عاد إلى الوراء بعد نصف قرن، بدلاً من أن نتقدم. كأنَهُ نفس "الكباش" مع الإصلاح، وهو مستمرٌ منذ أيام إميل بيطار والياس سابا.

**********

سيداتي، سادتي، وماذا بعد؟

الأزمةُ التي نعيشُها تُؤثرُ بواقعِ الناس، وترمي فئاتٍ، كل يوم أكبر، في براثن الفقر والعوز، وتؤدي إلى مآسي كالتي عايشناها في بحر طرابلس.  

**********

ولكن هل يستطيع لبنان الخروج من أزمته؟

هذا هو السؤال المركزي: أجيب، ببساطةٍ وبمسؤولية،

بلى يستطيع.

يستطيع شرط ملء عدد من الشروط المترابطة.

فلا معجزة بعد اليوم، بل مسارٌ طويل يتطلب منا ورشةً بنيويةً متعددة الأوجه، عنوانها إعادة تحريك الاقتصاد واستعادة الثقة، وهما أكبُ معضلتين نعاني منهما.

أتفهمُ بصدقٍ نفورَ البعضِ من ايِّ كلامٍ إضافيْ بهذا الشأنْ، إنّما أغتنم هذه الفرصة لتوضيح بعض النقاط التي اعتبرها جوهرية بعيداً عن التهويل والغوغائية. وآمل أن تلقى آذاناً صاغية.

**********

نعاني اليوم من فقدان الثقة في القطاعات والمؤسسات المالية والمصرفية، ما شجّع نمو الاقتصاد الموازي او ما يعرف بالعامية بالسوق السوداء وللحقيقة، فقدت الثقة حتى في المستشفيات والمدارس وغيرها من القطاعات.

على سبيل المثال، دخل على البلد خلال صيف 2022 حوالي 5 مليار دولار لكنها لم تنعكس على موجودات المصارف بسبب إنعدام الثقة. 

إن زيادة موجودات المصارف وإعادة هيكلتِها هو شرط ضروري لتحفيز النمو الاقتصادي، وقد يمكّنها من استقطاب رؤوس الأموال وتمويل الاستثمار.

ولكنه قد يكون شرطاً غير كافٍ إذا لم يدعم بتعزيز الثقة أولاً، الثقة بلبنان واقتصاده ومؤسساته القطاعية.

كيف تُستعاد الثقة؟

هنالك وسائل مختلفة. على سبيل المثال لا الحصر، ترسيم الحدود البحرية قد يشكل عاملاً مساعداً إذا ترافق– وهذا هو الأهم – مع رؤية على الأمدين المتوسط والطويل، ومع خطة تنموية مُقنِعة تتضمن برنامج عمل معلنْ، رزنامته الزمنية شفافة، وتسمح بمتابعة مراحله ومراقبتها.

**********

ولئلا يبقى هذا الكلام مجرد شعارات، أنا مجبرٌ على توجيه عدداً من الرسائل المباشرة:

أولاً – حول صندوق النقد...

 باستثناء بعض المزايدات الكلامية والموسمية، هناك نوع من الإجماع بأننا بحاجة لمساعدته للخروج من محنتنا.

هذه نقطة انطلاق إيجابية ومهمة.

 لكن أرجوكم، لا تخطئوا.

بدون او مع إتفاق مع صندوق النقد، 

علينا ان نرتب اوراقَنا وجهودَنا وافعالنا.

إنْ قِمنا بواجباتِنا كما يجب، ستكون خطتُنا هي مادة التفاوض مع صندوق النقد.

وإلا، أخشى ان تُقْتَصَر مساهمتُنا على مناقشة افكاره وعلى انتظار اهتمامه بنا كلبنانيين.

ثانياً – حول المصارف...

كل عاقل يدري أننا بحاجة لنظام مصرفي في لبنان، وعلينا أن نعي أن الاكتفاء بمجرد إفلاس المصارف لن يعني أكثر من إفلاس المودعين، كبارهم وصغارهم.

لذلك، من واجبنا حصر الإفلاسات بأصغر عدد ممكن، وتشجيع عمليات الدمج شرط عدم التنازل إطلاقاً عن مبدئي الكفاءة والملاءة، وذلك لتوفير بنية تنافسية للقطاع تؤمن أفضل الشروط للمستثمرين والمودعين.

 لا تستطيع الدولة أن تُموّل كلما وكيفما طُلِبَ منها ذلك، واستعادة الودائع لا يجوز أن تكون من جيبها حصراً. 

مسؤولية الدولة تكمن أولاً في تحديد الإطار القانوني، وفي تحديد المؤهلين مالياً للمشاركة به.

وثانياً في تفعيل البيئة الكفيلة للنهوض بالإقتصاد وتفعيل النمو من خلال شراكة العام والخاص PPP، ما سيرتد حتماً بالإيجابية على المستثمرين والمصارف، ويشكّل أيضاً وسيلة لتعويض المودعين.

الآن ومن جهة أخرى، مصارف لبنان يجب أن تخضع لإعادة هيكلة جدية تتسم بالواقعية.

وعليها أن تتحمل، مع الدولة ومصرف لبنان وكبار المودعين، أجزاء عادلة من مسؤولية ما حصل، وذلك لصالح شرائح واسعة من مجتمعنا.

ثالثاً – حول قطاع الكهرباء...

وهذا القطاع هو "بلوة" منذ أكثر من أربعين سنة وقد حان الوقت لوضع حد لها.

حتى أنه صار في الآونة الأخيرة مكسر عصا لكل أنواع الصراعات الإقليمية.

صار هذا القطاع يتطلب مقاربة حقيقٍية تُنفّذ بطريقة شفافة وتساعد على تأمين الطاقة دون إنقطاع، بناء على سعر واقعي وتنافسي للكهرباء، على ان يساهم هذا السعر بدوره:

من جهة، في تخفيض كلفة الإنتاج في لبنان ما يعزز من قدرات القطاعات المنتجة،

ومن جهة أخرى، في تخفيض فواتير الأسر اللبنانية، من كهرباء ومن المياه المرتبطة بها .

   رابعاً – حول الموارد في البحر...

يكثر الكلام عن مواردنا الغازية والنفطية: أول ما يجب أن يقال أنه علينا الحفاظ على الجزء الأساسي من هذه الموارد للأجيال القادمة، وذلك في صندوق مخصص لها، المس به ممنوعٌ خلال فترة زمنية نسبياً طويلة. 

 أما بالنسبة للجزء الثاني المتبقي، حذاراً من تشكيل شركات وهمية لمحاصصة مستقبلية، فعلينا معرفة ماذا نريد القيام بها ووفق اي اولويات. وإلا، هي "الموارد" التي ستتصرف بنا بدلاً من العكس، ما سيؤدي حتماً الى إضاعتها.

لا تخطئوا: لهذا التصرف في علم الاقتصاد اسم هو "المرض الهولندي".

وكم قضى هذا المرض على دول في العالم لأنها لم تعتمد إلا على مواردها الطبيعية والاستهلاك، بدلاً من الاستثمار في المشاريع المجدية.

خامساً – حول الدولة ... 

علينا الدفاع عما تبقى من الدولة ومن كيانها، وهذا ما حَاوَلْتُ القيام به طوال هذه السنة. 

لا يجب أن نبيع أصول الدولة، وكما يقول المثل القطاع العام هو رأسمال من ليس لديه رأسمال.

إنه "وِرْتَة" من ليس لديه "وِرْتَة".

هو ملك عام يعود الى الشعب اللبناني وعلينا ألا نفرط به.  

 ولكن لا شيء يمنع، مثلاً، بأن نستثمر بعض موارد الدولة لفترات محددة وضمن شروط محددة، بالتأكيد بعد ضمان عدم إيقاعه في شرَك الزبائنية والمحاصصة، وذلك لرفع إيرادات الدولة وللمساهمة في تحريك الإقتصاد. 

من جهة أخرى، علينا ان نعي ونعترف بأن دولتنا صارت بحاجة لإصلاح عميق وتقييم عميق وتحديث عميق وتشحيل عميق لكل ما أضيف عليها على مرور السنوات دون وجه حق.

سادساً – رسالتي الاخيرة هي لشعبي.

أعرف تدهور ظروف حياتكم وقساوتها.

ولذلك تحديداً، من واجبي مصارحتكم:

لم يعد ما تبقى من الدولة قادراً على الدفاع عن المجتمع كما يجب.

بصراحة، صرنا بحاجة إلى شعبٍ لاطائفي، شعبٍ يحمي ما تبقى من الدولة، لكي تستعيد أنفاسَها بداية، قبل ان تستعيد دورها كاملاً في حماية شعبها. 

 في هذا الظرف الدقيق، على كل واحد وكل واحدة منا تغليب مصلحة الوطن على مصلحة طائفته. 

 لبنان بحاجة اليوم إلى شعب لاطائفي، شعب مستعد أن يعطيه لحماية ما تبقى من دولته، وليس طوائف مستعدة أن تأخذ منه لنهش ما تبقى من الدولة.

**********

لا يسعني أن أنهي كشف الحساب هذا من دون التطرق إلى ما سمّي بمرسوم اعتمادات تحقيق المرفأ.

وقد لحقني بسببه ما لم يلحق رجل عام في بلدنا، من أكاذيب وافتراءات تحاشيت التعليق عنها حتى اليوم. 

بعكس كثيرين، أنا اجتزت وبكل فخر الحرب الأهلية برأس مرفوع وبقلب مفتوح.

وفجأة بين ليلة وضحاها، صارت أياديي ملطخة بدم ضحايا الانفجار حسب ملصق وزّع على شبكات التواصل.

**********

دعوني بداية اقول أن يوسف الخليل يريد لضحايا المرفأ ولأهلهم العدالة، يريدها الأمس قبل اليوم، واليوم قبل غد.

 كان من السهل عليّ توقيع مشروع المرسوم، وادّعاء بطولة زائفة، ثم نقل القنبلة الموقوتة الى رئيس مجلس الوزراء والى رئيس الجمهورية، فتوقيعُهما مطلوبٌ أيضاً. 

دعوني أقول أيضاً أن هذا المرسوم لا يعني فقط اعتمادات التحقيق حول انفجار المرفأ، بل سلّةً من الاعتمادات القضائية المتنوعة.  

دعوني أقول للأهالي أني عملتُ، منذ اليوم الأول، لرفع العوائق امام توقيع المرسوم، وتابعت القضية بدون كلل، وحصلت على التزام بحلّها أكثر من مرة.

**********

خطئي أني حاولت أن العب دور الوسيط في ساحة العنكبوت الطائفي لكي نأكل كلّنا عنباً دون قتل الناطور. 

  صدقوني: ما عطّل وما زال يعطّل توقيع المرسوم ليس يوسف الخليل. ما يعطّل توقيعه هي الطائفية.

 لمن يريد ان يعرف الحقيقة، ما حال دون توقيع مرسوم اعتمادات القضاة على سبيل المثال هو ما حال دون توقيع مرسوم تعيين كافة الناجحين في مباراة مجلس الخدمة المدنية في شتّى الاختصاصات، ومرسوم اعتمادات حرّاس الأحراج ومرسوم مراقبي أبراج المطار وغيرها العديد.

 ورجاءً لا تفهموني غلط...  

لا يجوز بل إنه حرام مقارنة المحاصصة والتمييز في التوظيف بمعاناة أسَر المرفأ وأحبائهم.

 إلاّ أنه وللأسف هذه هي الحقيقة كما هي،

الطائفية تحاصر كل هذه المراسيم من كل صوب وعلى حد سواء.

وعندما تشحّ الموارد، يبدأ التناتش البغيض.  

للأسف، كأن الحرائق عندما تهبّ، تميّز بين الضِيَع المسيحية والضِيَع المسلمة.

كأن الطائرة عندما تقع تسأل الرُكاب عن طائفتهم قبل أن تنفجر.

كأنه من الطبيعي أن تتأخر العدالة على أهل ضحايا المرفأ بسبب الخلاف على حصة كل طائفة من القضاة او لأي سبب كان.   

**********

سيداتي، سادتي قبل الوزارة كنت امارس رياضة الملاكمة تقريباً كل صباح وانا شغوف للعودة إليها.

نعم رياضة الملاكمة، التي تُنَظِّمها قوانين واخلاقيات بعكس السائد في حياتنا السياسية.

ولكني لن اتحول انا إلى "كيس ملاكمة"، بدون قوانين ولا أخلاقيات.

لقد تبيّن لي بوضوح أني لم أستطع أن أفيد وطني بالمستوى الذي رغبته ووفق قناعاتي من داخل الدولة، في ظل نظام سياسي تكبّله الطائفية وتتحكّمْ بكل قراراته.

 بالرغم من ذلك، انا مقتنعٌ بأني سأسلّم الوزارة بأحسن مما استلمتها، بسبب الإصلاحات التي بدأنا ندخلها على الاقتصاد الكلي.

**********

 أيّاً يكن، أنا مستمر بمهامي بأحسن ما أستطيع حتى تشكيل الحكومة الجديدة،

 أياً يكن، أنا باقٍ في لبنان، باقٍ كالعادة برأس مرفوع وقلب مفتوح، باقٍ ومستعد لأي مساعدة تطلب مني إذا كنت قادراً عليها من داخل الدولة او من خارجها، لا فرق.

فأنا على قناعة راسخة بأنّ الشأن العام لا يُقْتَصَرْ– أيها الأصدقاء – بالمناصب الإدارية والوزارية  ولا حتى الرئاسية.

**********

أجدد بصدق شكري لمن سمّاني وزيراً ولمن لم يعترض عليه.

وامتناني لمن وثق بي دون حساب وما زال، بدءاً بعائلتي التي احب، مروراً بالأصدقاء الأوفياء، وصولاً إلى كل موظفي الوزارة".

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا