المرُّ ما زال مُرأً وما ضَعُفَ...
كانت المدينة هادئة إلى أن جاء من يفسد فيها... ويرشق أشجارها المثمرة بالحجارة.. وفي العادة لا يُرشق بالحجارة الّا الشجر المثمر.
دائماً هي حال كل من يتعاطى الشأن العام بإخلاصٍ وتفانٍ في خدمة الناس.
منذ عشرات السنين وآل المر متجذّرون في ذلك المتن المتين، يشاركون أهله أفراحهم وأتراحهم وكل محطّات حياتهم من "أبوالياس" دولة الرئيس الراحل ميشال المر إلى "أبو ميشال" دولة الرئيس الياس المر وميشال المر النائب، وكل نسمة من هذا البيت السياسي والوطني العريق الذي اعتنق خدمة الناس عموماً والمتنيين خصوصاً سيرة حياة..
دائماً كان الجبل المتين موئل الودّ والوئام والسلام. لكن جاء اليوم مَن يريد إفساد الودّ وتعكير الصفو وتبديد الوئام، في أرضٍ تعوّد أهلها مبادلة الودّ بالودّ والعطاء بالعطاء والوفاء بالوفاء، وما أنكروا جميلاً في أي يوم من الأيام.
لقد وَفَد إلى المدينة قوم ظنّوا أنفسهم شياهين سيسودون فيها بلا منازع ويتسيّدون على البشر متصّرفين على أساس أنّ "جميلهم سابق" فيما هم "في القصر من مبارح العصر"، ولم يدركوا أنّ هناك جميلاً دائماً يقيم في المدينة منذ ما قبل ولادتهم على هذه الأرض التي وَفَدوا إليها واستفاقوا على حبّها متأخّرين طمعاً بتولّي مناصب وزارية ونيابية من دون تخلٍ عن الجنسيات المتعددة التي ما زالوا متعلّقين بها "لأنّها من عدّة الشغل" لاستجلاب الدعم الخارجي، وما أدراكم ما الدعم الخارجي، واستثماره لتحقيق مصالح داخلية سلطوية ومتنوعة، ولو على حساب السيادة الوطنية.
ولكن، من "شدّة حبهم" لجنسيتهم اللبنانية وأرضهم، قرّروا إحداث الفتنة بين أبنائها حتى يسودوا على أساس "فرّق تسد"، وأفضل طريق لديهم إلى ذلك كانت دار البلدية التي تجمع بين الناس، فاخترعوا قصّة الخطف "الجيمسبوندية" لعضو مجلسٍ بلدي، ثَبُت زيفها بالروايات المفبركة والمتناقضة والمكذوبة عن الخطف المفتعل.
ما هكذا تورد الإبل يا دولة الرئيس الياس بوصعب، لا تورد الإبل بافتعال الخلافات والفتن بين الناس، ولا بنكران واقع أنت تعرف ما لغيرك فيه من بصمات جليلة وتاريخية تكاد أن تنطق بها حجارة المتن وترابه لو كانا قادرين على النطق، وهي بصماتٌ موجودةٌ منذ ما قبل ولادتك وهي مستمرة ومستدامة، وأنت تعرف مَن أحبّ الناس وما زالوا يحبّون من أحبّهم بصدق وعمل ولا يزال يعمل بإخلاص، رغم ما يتعرّض له من مكائد وعراقيل.
المسألة عند هؤلاء الوافدين ليست خلافاً بلدياً ولا شخصياً ولا حتى سياسياً، وإنما هي مركب نقص زعاماتي موهوم، يريدون أن ينصّبوا أنفسهم زعامة على الناس عبر التطاول على زعامات أباً عن جدّ إلى ابن، والمسألة ليست مسألة محاربة إقطاع سياسي لأنّ الإقطاع الذي انتهى منذ زمن طويل ونسيه الناس، يريد هؤلاء الوافدون استعادته بلبوس "الوطنية" المنشقة عن أحزاب لم تتحّمل تذبذبهم وتلوّنهم ومصلحيتهم أو براغماتيتهم وتنقّلهم بين شرق وغرب وبين أرثوذكسية شرقية وأنغليكانية غربية..
لذا، هي معركة "زعامة وافدة ومصطنعة " ضدّ زعامة راسخة رسوخ صنين والشخروب وعمق وادي الجماجم قلب المتن الشمالي، يعتقد الوافدون أنّه في إمكانهم إزاحتها عن تجذّرها في المتن وكل لبنان، ولكن ما استطاع أٌحدٌ يوماً محوها سابقاً ولن يقدر أحدٌ على محوها راهناً لأنّها نابضة بقلوب الأوفياء من متنيين وغير متنيين، الذين ما تركتهم أيام الشدّة وفي أحلك الظروف، فالزبد يذهب جُفاء ولكن ما ينفع الناس يمكث في الأرض...
وربما تكون مشكلة بوصعب وجميع الذين يخاصمون ميشال الياس المر او يناصبونه العداء، أنّهم يعتقدون أنّ الرجل والبيت السياسي الذي ينتمي اليه قد ضعُف ووهن بعد رحيل جّده "أبو الياس"، وصار في الإمكان الاستفراد به والانقضاض عليه لإلغائه وشطبه من الحياة السياسية، لكنهم نسوا أنّ الجبل الذي شكّله أبو الياس على مدى حياته السياسية والوطنية ما زال يشمخ مع الخَلَف، فقد سُئل الجبل يوماً: من أين عُلوك؟ فقال: "من الوادي". ولذا فمن سما في العلو من الوادي لن يقوى عليه من لا يزال قابعاً في قعر الوادي يتوهم يداً تمتد إليه كيد من خلال الموج مُدّت لغريق ولكنها لن تأتي وسيبقى في الوادي...
فالمُر كان وما زال مُرّاً وما ضَعُف، والأيام والمتن سيكونان الشاهد والشهيد...
طارق ترشيشي - الجمهورية
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|