المستشفيات تنفّذ خطّة الطوارئ… خليّة أزمة لضمان عـلاج كل المصابين
منذ أسبوع تقريباً، دخلت المستشفيات، خاصة وحكومية، حالة تأهّب قصوى مع تفجيرات الـ«بايجر» وأجهزة الاتصالات التي خلّفت آلاف الجرحى وعشرات الشهداء. ومنذ تلك اللحظة، لم تلتقط معظم تلك المستشفيات والمراكز الصحية أنفاسها مع الوتيرة المتصاعدة من الاعتداءات التي تجرجر الجرحى والشهداء بما يفوق القدرة الاستيعابية لبعضها.أمس، كانت الذروة. مئات الشهداء وأكثر من ألف جريح دلفوا دفعة واحدة إلى المستشفيات، وتحديداً في الجنوب حيث انخرطت حوالي 27 مستشفى في عمليات إنقاذ الجرحى، ما زاد الثقل عليها، ودفع بوزارة الصحة العامة ونقابة أصحاب المستشفيات الخاصة في لبنان في وقت لاحق إلى البدء بعملية إجلاء عدد من الجرحى إلى مستشفيات بيروت وجبل لبنان بشكل خاص، وفق نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة الدكتور سليمان هارون، للتخفيف عن المستشفيات التي وصلت إلى قدرتها الاستيعابية القصوى من جهة، وإفساحاً في المجال أمام استقبال جرحى آخرين.
طوال نهار أمس، كانت «خليّة الأزمة» ما بين غرفة الطوارئ في وزارة الصحة العامة ونقابة أصحاب المستشفيات وهيئات الإسعاف تعمل وفق خريطة قائمة على تحويل المرضى من مستشفى إلى آخر والإشراف على وضع كل مستشفى في ما يتعلّق باحتياجاته الطارئة من مستلزمات طبية وأدوية، وإن كان الواقع حتى اللحظة الراهنة «مضبوطاً وتحت السيطرة، مع توافر الاحتياجات الأساسية». غير أن ما يتخوّف منه هارون هو «استمرار وتيرة القصف بهذا الزخم». وهذا الأمر دونه عقبتان أساسيتان: أولاهما وصول معظم المستشفيات إلى قدرتها الاستيعابية القصوى بما يؤثر في «الفترة التي يمكن أن تخدم فيها المستلزمات والأدوية». وثانيتهما «عدم كفاية الأوكسيجين والفيول لعدة أيام، وخصوصاً أن الحد الأقصى لتخزين الأوكسيجين هو في أقصى الأحوال أسبوع، فيما الفيول لأسبوعين». وبتلك الوتيرة، قد ينفد الأوكسيجين في المستشفيات التي تستقبل العدد الأكبر من الجرحى في بضعة أيام «والكارثة إن لم نستطع إيصال ما تحتاج إليه هذه المستشفيات، وخصوصاً البعيدة منها». ومكمن الخوف هنا من تقطّع الأوصال كما حدث في حرب تموز 2006 «حيث كانت الأزمة الكبرى هي النقص في هاتين المادتين». وكانت وزارة الصحة العامة في فترة سابقة تعمل على محاولة إيجاد حلول لتلك الأزمة، كالاستعانة بخزانات مركزية أو الاستعانة مثلاً بالجيش اللبناني لإيصال الوقود. وفي السياق عينه، يشير هارون إلى أن «اجتماعاً سيعقد اليوم مع وزارة الصحة والمعنيين للبحث في هذا الموضوع».
وعلى مدى الساعات الماضية، كانت المستشفيات اللبنانية تدخل تباعاً المواجهة، فكلما اشتدّ القصف وتمدّد نحو مناطق جديدة، انخرطت مستشفيات المنطقة المستهدفة، حتى كانت معظم المستشفيات قد أشغلت عند ساعات الليل. لا استثناءات هنا، يقول هارون، إذ إن الأمر يفترض اليوم العمل على التشبيك بين الجميع «لكي نضمن أن كل المصابين يعالجون وأن لا يختنق مستشفى دون آخر بالجرحى ويستنزف». ولذلك، كان التوزيع بحسب الحالات وما تحتاج إليه. وقد حملت بيروت الثقل الأكبر ومن ثم جبل لبنان، وكان أول تلك المستشفيات مستشفى بيروت الحكومي الذي بدأ منذ ساعات ما بعد الظهر باستقبال الجرحى الذين جرى نقلهم من منطقة الجنوب، بحسب مدير المستشفى، الدكتور جهاد سعادة. وقد بدأ المستشفى مبكراً التحضير لهذا الاستقبال عبر التوقف عن استقبال الحالات والعمليات الباردة بناءً على طلب وزارة الصحة، فيما فتحت الأقسام الجراحية وقسم الحروق، وكذلك قسم غسل الكلى، وهو ما لجأت إليه كل المستشفيات أيضاً. وفي هذا السياق، يؤكد رئيس لجنة الصحة النيابية، الدكتور بلال عبد الله، أن «العمل الأساسي في هذه اللحظات هو الطلب من المستشفيات مضاعفة الاستنفار لاستقبال الحالات الكثيفة».
وإلى ذلك، عملت الوزارة على «تعزيز قسم الحروق في مستشفى الجعيتاوي والعمل على افتتاح القسم في المستشفى التركي في صيدا وغيره من المستشفيات، مع تعزيز أقسام الجراحة فيه». إلى ذلك، تعمل وزارة الصحة مع وزارة المال على تفعيل آلية الدفع السريع للمستشفيات «كي تتمكن من تعويض النقص في المستلزمات والأدوية، وخصوصاً أن أعداد الجرحى والشهداء تشي بسيناريو صعب»، أضف أن «الوضع اليوم يختلف عن الوضع خلال عام 2006، وأبسط مثال على ذلك وضع سوريا، فهي اليوم التي تحتاج إلى المساعدة». من جهة أخرى، تتابع وزارة الصحة العامة، عبر وزارة الخارجية، الطلب من الدول التي أبدت رغبتها في المساعدة، تأمين دعم في موضوع المستلزمات والأدوية، وخصوصاً أن أرقام الإصابات التي تسجل اليوم «غير مسبوقة، مقارنة مع الأرقام التي سجلت خلال حرب عام 2006، حيث كانت بحدود 10 آلاف، فيما سجل نصف هذا الرقم خلال أسبوع»، بحسب وزير الصحة فراس الأبيض.
وفي إطار مساندة المستشفيات، توافقت وزارتا الصحة والمال على استحداث آلية لدفع المستحقات تتبلغها نقابة المستشفيات اليوم، بحسب هارون. وقد بدأت وزارة المال نهار الجمعة الماضي دفع مستحقات المستشفيات، التي تستقبل الجرحى، والأطباء والممرضين نقداً وليس عبر حوالات مالية، وتمديد المهل لسداد سلف معطاة لوزارة الصحة بما يسمح بزيادة الاعتمادات المرصودة لتغطية جرحى الحرب والنازحين إلى ما يقارب الـ 25 مليون دولار. من جهة أخرى، جرى التوافق على تسريع دفع المبالغ المستحقة لشركات الأدوية عن مناقصات أجرتها وزارة الصحة لزيادة مخزون الأدوية المرصودة لمرضى السرطان، وتسييل القروض والمنح المقدمة من البنك الدولي والمخصصة لدعم القطاع الصحي.
هذا وأحدثت التطوّرات الميدانيّة في الجنوب والبقاع وارتفاع حدّة الاعتداءات الإسرائيليّة على عددٍ من المناطق، قلقاً لدى العديد من المستشفيات في كيفيّة التعاطي مع هذه التطوّرات، وخصوصاً بعدما عجّت غرفها بالعديد من الجرحى جراء استهداف الضاحية بمجزرتَي أجهزة الاتصالات واستهداف مبنيَين في الضاحية الأسبوع الماضي.وعليه، بدأ عدد من المستشفيات في إخراج الجرحى بعدما خضعوا لعمليّات جراحيّة تستدعيها مرحلة علاجهم الأولى، ليكون بإمكانها استقبال جرحى جدد يتمّ نقلهم من المناطق التي استُهدفت أمس.
عمليّات الإخراج بدأت منذ يومين، فيما رأى البعض أن عدداً من المستشفيات تعامل مع الأمر من خلفيّة أمنيّة، وخصوصاً تلك التي تدور في فلك الدول الغربيّة، وتخوّفها من مساءلةٍ تتعرّض لها نتيجة وجود عدد من عناصر المقاومة فيها. وتشير المعطيات إلى أنّ جميع المستشفيات تعاملت مع الجرحى من دون الاستحصال على أسمائهم أو أي معلومات عنهم، وتم إدراجهم على أسماء الأطباء، وجرى إخراج هؤلاء من المستشفيات بالطريقة عينها، وأُحيلت ملفاتهم إلى «مستشفى الحريري الحكومي».
ويؤكّد أكثر من طبيب، تحدّثت معهم «الأخبار»، أنّ المستشفيات نفّذت ما يُمكن فعله طبياً لجرحى أجهزة الاستدعاء والتواصل، ومن غير الممكن بقاؤهم في المستشفيات في ظل ازدياد أعداد الجرحى الذين يتدفقون إليها، لافتين إلى أنّ الجزء الأوّل من العمليّات الجراحيّة انتهى، وانتقل هؤلاء إلى منازلهم، على أن يستكملوا علاجاتهم لاحقاً.
ويفترض، بحسب الأطبّاء، أن يستمر علاج الجرحى على مدى 5 سنوات مقبلة، مع حاجة بعضهم الى الخضوع لنحو 12 عمليّة جراحية وجلسات علاجٍ فيزيائي وطبيعي، مشيرين إلى أن جميع من أُصيبوا، ويبلغ عددهم 3 آلاف، بحاجة إلى علاجٍ موحّد لأنّ الإصابات متطابقة وهي من النوع المركّب: إصابات في اليد والوجه مع شظايا في العيون، في حين أن «لا تجربة مماثلة في التاريخ، إذ إن الإصابات المشابهة التي وقعت سابقاً قليلة ولم تكن في فترة زمنيّة واحدة، ومعظمها في مصانع في الهند وأُخرى في مناجم نتيجة انفجارات».
ويلفت الأطبّاء إلى عدم وجود أي مركز طبي متخصّص في عمليّات الترميم المعقّدة التي تحتاج أيضاً إلى قطاع طبي متخصّص ومُبدع وقادر على مُتابعة هذا العدد الكبير. ولذلك، بدأت المُشاورات بين المعنيين ووزارة الصحّة و«الهيئة الصحيّة» والأطباء، لتأمين أكثر من مركز. وكانت الفكرة الأولى تحويل «المستشفى التركي» في صيدا إلى مركز ترميم متخصّص، فيما أشار أطباء آخرون إلى أنّ المستشفى التركي يقع في منطقة غير آمنة في حال ارتفاع وتيرة الاعتداءات الإسرائيليّة، إضافة إلى عدم قدرته على استيعاب هذا الكمّ من الإصابات، ما يحتّم وجود أكثر من مركز، ليكون بمقدور الجرحى متابعة علاجاتهم.
راجانا حمية ولينا فخر الدين - الاخبار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|