"لعبة سياسية" أم "ضعف"... ما وراء إعلان حزب الله "المفاجئ"؟
بعد عام من تبادل إطلاق النار مع إسرائيل تحت عنوان "إسناد جبهة غزة"، أعلن نائب الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم دعمه لجهود رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، للتوصل إلى وقف لإطلاق النار.
وتجنّب قاسم، خلال خطاب متلفز ألقاه الثلاثاء، الإشارة إلى شرط وقف إطلاق النار في غزة، الذي كان الحزب قد أصر عليه سابقاً كشرط أساسي لوقف القتال في لبنان، مما أثار تساؤلات وتكهنات حول ما إذا كان موقفه يعكس تراجعاً أو ضعفاً لحزب الله، وما إذا كان يمثل تحولاً في استراتيجية الحزب تجاه الصراع في غزة، بما في ذلك احتمال فك الارتباط مع القطاع.
جاء خطاب قاسم في وقت تشهد فيه مناطق واسعة من لبنان غارات إسرائيلية مكثّفة، أسفرت عن مقتل أمين عام حزب الله وعدد من قيادات الحزب المصنف جماعة إرهابية في الولايات المتحدة.
وبدأ الحزب إطلاق الصواريخ على إسرائيل في الثامن من تشرين الأول من العام الماضي، بعد يوم واحد من هجوم حركة حماس، المصنفة جماعة إرهابية، على الأراضي الإسرائيلية.
ومع مرور الوقت، تصاعدت العمليات العسكرية بين الجانبين، لتبدأ إسرائيل في 23 سبتمبر حملة قصف جوي مكثفة استهدفت مواقع تقول إنها ضد أهداف لحزب الله في لبنان. وفي 30 سبتمبر، أعلنت بدء عمليات برية "محدودة ومركزة" عند الحدود.
"موافقة حزب الله على وقف إطلاق النار تعتبر ضعفاً منه"، كما يقول الخبير العسكري العميد المتقاعد ناجي ملاعب.
ولفت، في حديث لـ"الحرة"، إلى أنه "عندما كانت إسرائيل تعدّ قوتها العسكرية وتضع استراتيجيتها للدخول إلى لبنان، معلنة على لسان رئيس وزارئها بنيامين نتانياهو نيتها في تغيير خريطة الشرق الأوسط، كان يتعين على حزب الله والحكومة اللبنانية الإعلان عن التزامهما فعلياً بتطبيق القرار 1701، لتكون ورقة دبلوماسية مهمة يمكنهما استخدامها أمام المجتمع الدولي، لقطع الطريق أمام إسرائيل لتنفيذ عملياتها البرية، لكن هذا لم يحدث".
وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، اعتبر الثلاثاء، أن "دعوة حزب الله لوقف إطلاق النار تظهر أنه أصبح في موقف دفاعي بعد تعرضه لضربات قاسية"، وهو ما دفعه إلى "تغيير موقفه فجأة، حيث كان يرفض على مدى عام دعوة العالم لوقف النار"، وفق ميلر.
كما أشار الخبير في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، مهند الحاج علي، في حديث لوكالة "رويترز" إلى أن "إسرائيل تمكنت من أن تكون صاحبة اليد العليا من خلال تكثيف الضغوط على حزب الله عسكرياً".
ومع ذلك، يرى ملاعب أن "حزب الله لا يزال يربط وقف إطلاق النار في جنوب لبنان بوقف العمليات في غزة، إلا أن استراتيجية إسرائيل ليست متوافقة مع هذا الطرح، في ظل الدعم الأميركي الكبير لها، الذي تعزز بزيارة الرئيس جو بايدن في 18 تشرين الأول من العام الماضي، وتصريحه بأن إسرائيل لن تبقى تحت التهديد".
وفي ذات السياق، قال القيادي في حماس، سامي أبو زهري، لـ"رويترز" إن أعضاء الحركة لا يزالون "واثقين من موقف حزب الله من ربط أي اتفاق بوقف الحرب في غزة"، مستشهداً ببيانات سابقة لحزب الله.
لكن ملاعب يشدد على أن "الجيش الإسرائيلي سيستمر بمعركته ضده حزب الله سواء ربط جبهة جنوب لبنان بغزة أو فكّ هذا الارتباط، كونه يعتبره التهديد الأكبر له في لبنان".
يرى الكاتب الباحث السياسي، مكرم رباح، أن إعلان نعيم قاسم موافقته على وقف إطلاق النار "يفتقر إلى الصدق"، مستشهداً بتهديداته التي قال فيها "إذا استمر الجيش الإسرائيلي في حربه ضد حزب الله، فالميدان هو الذي يحسم الأمور، ونحن أهل الميدان ولن نستجدي حلاً".
ويعتبر رباح، في حديث لموقع "الحرة"، أن خطاب قاسم ليس فقط دليلاً على الضعف، بل هو بمثابة "انتحار" يخدم مصالح إيران، التي تلقي بلبنان والفلسطينيين في "أتون النار".
لكن رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة، العميد الركن المتقاعد هشام جابر، يرى أن حزب الله "لن يعارض تنفيذ القرارات الدولية إذا وافقت عليها إسرائيل، دون أن يعلن صراحة فصل جبهة لبنان عن جبهة غزة"، مضيفا أن الحزب "لن يكون عقبة أمام وقف الدمار، حيث ستقع عليه مسؤولية كبيرة حينها".
ويوضح جابر، في حديث لموقع "الحرة"، أن "حرب الاستنزاف في غزة قد تستمر لفترة طويلة، ربما تمتد لعام إضافي، وهو ما لا يمكن للبنان تحمّله".
وفي إطار جهود احتواء التصعيد، أطلق بري، مبادرته التي تهدف إلى كسر الجمود السياسي الداخلي كخطوة أولى ضمن خطة شاملة تسعى إلى إنقاذ البلاد من الوقوع في هاوية الفوضى والانهيار، وسط حالة من الترقب والقلق حول مستقبل الأوضاع في لبنان.
وتقوم المبادرة على 3 نقاط رئيسية: أولاً، الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار، مع التأكيد على استعداد السلطات اللبنانية لتطبيق القرار الدولي 1701، بما في ذلك إرسال الجيش اللبناني إلى الجنوب بالتنسيق مع قوات الأمم المتحدة.
"محاولة ربط وقف إطلاق النار في لبنان من دون تعهد حزب الله بتطبيق القرار 1701 لن تحظى بمصداقية على الساحة الدولية" كما يقول ملاعب، مشدداً على أن "مبادرة بري تظل غير مكتملة في ظل غياب التزام واضح من حزب الله بتنفيذ هذا القرار".
وأشار إلى أنه "كان من الضروري أن تعلن الحكومة اللبنانية بوضوح أن الحزب الله ملتزم بذلك لكي تكتسب المبادرة المصداقية المطلوبة".
كذلك يرى رباح أنه "في ظل الظروف الحالية التي تحيط بلبنان، لا يبدو أن إسرائيل مستعدة للحديث عن أي وقف لإطلاق النار دون الحصول على ضمانات بأن المنطقة المحاذية لها ستكون منزوعة السلاح بشكل حقيقي وقابل للتحقق منه".
وفي ذات السياق، قال دبلوماسيون لوكالة "رويترز"، إن "حزب الله قد تأخر كثيراً في خلق زخم دبلوماسي في ظل التطورات الأخيرة".
وأوضح أحد الدبلوماسيين المعنيين بالشأن اللبناني أن "المنطق الحاكم الذي تتبناه إسرائيل حالياً أصبح عسكرياً بدلاً من دبلوماسياً".
وأكد دبلوماسي غربي كبير لـ"رويترز" أنه "لا توجد مؤشرات على وقف إطلاق النار تلوح في الأفق"، مضيفاً أن "الموقف الذي يعبر عنه المسؤولون اللبنانيون يمثل تطوراً عن موقفهم السابق الذي كان يركّز بشكل صارم على وقف إطلاق النار في غزة، وذلك في وقت كانت فيه القنابل تتساقط على بيروت".
أما الحاج علي فيرى أن "حزب الله يمارس لعبة سياسية، لكن هذا ليس كافياً بالنسبة للإسرائيليين. الأمور لا تسير على هذا النحو".
من جانبه، يرى جابر أن "قبول إسرائيل لهدنة لمدة ثلاثة أسابيع سيُعتبر فرصة لحزب الله لإعادة تنظيم صفوفه، حيث سيعدّها استراحة محارب، وهذا ما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إلى رفض هذا السيناريو".
ويشير جابر إلى أن "مشروع وقف إطلاق النار الذي تقوده فرنسا وأميركا لا يزال مطروحاً، لكن مجلس الأمن لم يعقد جلسة بعد لمناقشته".
وأياً يكن، لا يوجد تقدم إيجابي بشأن وقف "الحرب الإسرائيلية على لبنان"، كما أشار رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، موضحاً في حديث صحفي أن تفويض حزب الله له بالمفاوضات السياسية "ليس جديداً، وإن كان تم تجديد تأكيده".
ودعا سياسيون لبنانيون، في الأيام الماضية، إلى إصدار قرار لوقف إطلاق النار، مشددين على ضرورة عدم ربط مستقبل لبنان بحرب غزة.
وفي هذا السياق، صرّح عضو كتلة الكتائب اللبنانية، النائب نديم الجميّل، أن حزب الله "يحصد ما زرعه منذ عشرين عاماً".
وأشار، في حديث ضمن برنامج "حوار المرحلة" عبر قناة "LBCI أمس الأربعاء، إلى أن الحزب "هددنا ودمّرنا وقتّلنا، ولم يسمح لأحد التعبير بحرية وطوّق الناس في الجبل ولم يترك المجال للدولة كي تتصرّف".
وتساءل الجميّل، عن جدوى سلاح حزب الله في مواجهة موجة النزوح الحالية، قائلاً " كيف حمى هذا السلاح بيئته وقياداته التي اغتيلت، وصولاً إلى الأمين العام نفسه؟"
وأشار إلى أن الحزب الذي دعم غزة بات اليوم يدعم وقف إطلاق النار، داعياً قيادة الحزب إلى الانفصال عن إيران وتسليم سلاحها للجيش اللبناني، مؤكداً أن وقف إطلاق النار لن يتحقق قبل تسليم السلاح، ومشدداً على أن "سلاح حزب الله دمّر لبنان، فكيف سيخرج منتصراً؟".
كما اعتبر أن القرار 1701 "استُشهد في 8 تشرين الأول"، وبعد اغتيال نصرالله أصبحت هناك "معادلة جديدة".
من جانبه، قال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق، الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، بعد اجتماع للهيئة العامة للمجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز في السابع من تشرين الأول، "لن نربط مصيرنا بمصير غزة"
وذكرت وكالة "رويترز" أن رئيس "تيار المردة"، سليمان فرنجية، الحليف المقرب لحزب الله، قال لصحفيين، الاثنين الماضي، إن "الأولوية" هي "وقف الهجوم الإسرائيلي".
ورداً على سؤال حول ما إذا كانت المعركة الحالية بين حزب الله وإسرائيل "معركة كسر عظم"، يجيب ملاعب "حزب الله ليس وحده في هذه المعركة، فهو جزء من محور إقليمي تدعمه إيران لتعزيز نفوذها وأهدافها في المنطقة"، لافتاً إلى أن "زيارة وزير الخارجية الإيراني للبنان جاءت لتقديم دروس للبنانيين في المقاومة".
أما رباح فيرى أنه "لا يمكن لحزب الله أن يستمر في المرحلة المقبلة بالشكل الذي هو عليه الآن"، مؤكداً أن "الحزب بحاجة إلى الاعتراف بأن صيغته الحالية وسلاحه لم يعودا قادرين على حماية لبنان أو الطائفة الشيعية، ولا حتى على تحقيق أهدافه سواء في مواجهة إسرائيل أو القتال لصالح إيران".
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|