أيهما قد يُنهي الحرب: هاريس أم ترامب؟
على عكس ما يتردد بكثرة اليوم حول أنها المرة الأولى التي تتمكن الولايات المتحدة الأميركية من فرض شروطها على رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ما تمظهر في محدودية الضربة لإيران، إلّا أن واقع الحال يشير إلى ان واشنطن تمكّنت في مرات عديدة من كبح جماح نتنياهو وعتاة المتطرفين في حكومته ولعلّ الحد من نطاق وطبيعة عدوانه على لبنان يشكّل مثالا حيّا على ذلك.
إذ ان ما يحصل اليوم ليس تدميرا شاملا على نمط العام 2006، فإسرائيل تدير المعركة بأساليب قاتلة أكثر فعالية ولا تريد تدمير البنية التحتية للبنان كما المطار والمرفأ والجسور والكهرباء والمرافق الحيوية، ويعود ذلك في جزء منه، وليس كله، إلى الضغط الأميركي الذي لا يقارب لبنان كما غزة على الاطلاق. كما ان واشنطن منعت إسرائيل من استهداف بيروت، أو لنقل حدّت من هذا الاستهداف. ثم ان الإدارة الأميركية، وهذا مهم جدا، لأسبابها الذاتية ولرؤيتها لواقع لبنان والمنطقة، منعت أي نوع من الحصار على البلد الذي استمرت مؤسساته في العمل بل ان بعضها يعوّل عليه في المرحلة المقبلة مثل الجيش اللبناني.
الأمر يشابه نوعا ما طبيعة الرد الإسرائيلي الأخير على إيران مع فارق ان الأميركيين كانوا رأس الحربة في هندسته بما لا يشمل القواعد النووية والنفطية والحيوية الإيرانية ويشمل قدرات عسكرية وصاروخية (ليس على سبيل الصدفة أن الدعاية الإعلامية لم تظهّرها بوضوح).
بالطبع هي ليست مسرحية بين إيران وإسرائيل، لكن ثمة من يشير إلى تفاهم غير معلن كان بعض حلفاء واشنطن الأوروبيين في أجوائه مثل فرنسا، ما تمظهر في قواعد اشتباك مضبوطة بدقّة فتحت معبرا جويا فوق سوريا والعراق، بعلم روسي، لتوجيه الضربات إلى إيران من دون الاقتراب من الأجواء الإيرانية.
من ناحيته اضطر نتنياهو إلى القبول بهذا الواقع وهو الذي لم يكن يهدف طويلا إلى إيلام طهران فقط أو شلّ قدراتها إذا استطاع، بل ان هدفه الأساس، وهو الذي يعمل على إطالة ولاياته على رأس الحكومات الإسرائيلية الى أمد غير منظور، كان إسقاط النظام الإيراني في أصله على أن يكون الهدف الآني منع طهران من امتلاك السلاح النووي.
لكن الإدارة الأميركية الديموقراطية الحالية التي يشكّل الرئيس الأميركي الأسبق والديموقراطي باراك أوباما، مهندسها ولولبها، لا تذهب إلى هذا الحد وترفض اللعب بأمر خطير كهذا، وتريد إنهاء الأمر سريعا وليس أدلّ على ذلك من تصريح الرئيس الأميركي جو بايدن نفسه عندما علّق على الضربات الإسرائيلية فأمل أن تشكّل تلك الضربات «النهاية»، مشيرا إلى انها رمت فقط أهدافا عسكرية.
والحال ان عدم الحماسة لإسقاط النظام في طهران يشترك الجمهوريون وحتى الرئيس السابق دونالد ترامب نفسه مع الديموقراطيين فيها، رغم كل تطرفه وتضييقه على طهران وما لجأ إليه في ضربه العسكري للإيرانيين وخروجه من الاتفاق النووي ووضعه الحرس الثوري على لائحة العقوبات وغيرها..
الأكيد هو ان المؤسسة الأميركية العميقة تبقى هي التي تفرض توصياتها على الإسرائيليين بما يعبّر عن المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة.
من هنا ثمة مصلحة إيرانية وأميركية مشتركة في تجديد الديموقراطيين لولاية جديدة وهناك رهان إيراني على تسريع المرشحة كامالا هاريس من اجراءات تعيين طاقمها وعدم تضييع وقت حتى تسلّمها رسميا في العشرين من كانون الثاني المقبل، واغتنام فرصة الشهرين ونصف منذ فوزها للتسريع في اتخاذ القرارات في ملفات الخارج، علما ان الأولوية ستكون داخلية وستتجه أنظار هاريس ومن معها نحو الحكم الداخلي.
على ان الإدارة الحالية تسعى اليوم في هذه المرحلة الحسّاسة في الشرق الأوسط إلى إدارة الأزمة في حال تعذّر الحلول. وستزيد من ضغوطها على نتنياهو وخاصة ان هاريس أكثر تقدّما من الرئيس الحالي جو بايدن في انتقاد نتنياهو (على قدر استطاعتها)، ثم محاولة وضع حد لجنونه والبناء على هذا اللجم لاجتراح حل تسوية.
هذا ما تسعى إليه الإدارة الديموقراطية اليوم، قبيل الانتخابات وبعدها، وما قبل التسلّم في كانون الثاني وما بعده.
أما ترامب، فهو سيغرق في انشغالاته الداخلية في عامه الأول، وقد لا يكون على غرار ترامب الأول حين بالغ في تطرفه ضد إيران وجموحه نحو الدولة العبرية وصولا الى نقل السفارة الإسرائيلية الى القدس وضغطه في سبيل صفقة القرن.
المشترك بين هاريس وترامب سيكون وضع حد لأي توسّع في الاشتباك الحاصل في لبنان وفلسطين ثم وقف النار تليه محاولة الدفع في ما تبقّى من عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين على اساس حل الدولتين، ما سيؤسس للحلم الأميركي بسلام وتطبيع بين إسرائيل والعرب.. لكن هذا شرطه وجود شريك إسرائيلي يقبل بدولة فلسطينية أو أقلّه بمبدأ الحقوق الفلسطينية على طريق تلك الدولة ما سيمهّد الطريق لهذا السلام.
سيكون كبح جماح نتنياهو سمة المرحلة، وخاصة ان التعايش معه سيكون طويلا وربما حتى الانتخابات الداخلية المقبلة بعد عامين. لكن الإلتزام بأمن إسرائيل سيبقى غير قابل للنقاش أميركيا، وسيكون الفارق بين اتخاذه شكلا هجوميا ربما في ظل ترامب، أو دفاعيا كما حصل سابقا مع الديموقراطيين.
وبالنسبة إلى الأخيرين فسيجهدون للتقارب مع طهران التي تجهد هي الأخرى لذلك ما يشكّل مصلحة مشتركة قد تترجم بـ«نيو» إتفاق نووي ربما معدّلا عن الذي ألغاه ترامب من جانب واحد ولم يتمكن الديموقراطيون أو هم لم يرغبوا، بالعودة إليه في شكله السابق.
هذا مع العلم بأن المفاوضات غير المباشرة بين الجانبين لم تنقطع كما أعلن وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقجي الذي كان بكلامه يتوجه إلى الصقور في الداخل الإيراني، ولا مصلحة إيرانية في فك التنصل من الاتفاق النووي والمطالبات بالأموال الإيرانية (وفوائدها)، أو التوجه شرقا والرهان بالكامل على روسيا والصين وإعادة حالة العداء الشديد مع الأميركيين مع كل ما ينتج عنها.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|