في الرابية عهد جديد
عوّدنا الرئيس ميشال عون، منذ البدايات، على المفاجآت، وعلى الخطوات الصارخة، وغير المحسوبة النتائج أحياناً. وقد بعث إليّ برسالة قبل يومين عبر أحد الزملاء لئلّا أُحاسِب على النيّات واستباق الأحداث. ولكن لو توافر في لبنان نظام عمل مؤسساتي، ونظام محاسبة، لفَرض الوضوح في الخيارات والمواقف، وجنّب الوقوع في الأخطاء وتكرارها، والقيام بدعسات ناقصة. أمّا عدم وجود أيّ محاسبة، إلّا عبر الإعلام، فيفترض البحث في ما بين السطور، وتوقّع المفاجآت، وربط الماضي بالحاضر والمستقبل، وهو ما يصير استباقاً للأحداث، ومن دونه تصير الرؤية قاصرة، لأنّ كل بحث يفترض وجود فرضيّات واحتمالات لملاقاته واستيعاب تردّداته إن امكن ذلك.
بالأمس، خرج الرئيس ميشال عون من قصر الرئاسة في بعبدا مُعارضاً ومُعترضاً، وهو سيعمل في الفترة المقبلة على تعويض ما فات، والتحوّل إلى حالة اعتراضيّة مُتعاظمة، وفق التقديرات. فقد فشل في تحقيق معظم ما وعد به في خطاب القسَم. وهذا ليس أمراً مُستغرباً أو مُفاجئاً متى صار إكثار في الوعود، والآمال، و"تكبير الحجر" في بلد مُعقّد التركيبة، ومُتداخل الصلاحيّات، والرئاسة فيه ثمرة تسويات، وضعف صلاحيّات.
يطمح الرئيس ميشال عون، "جنرال الرابية" من جديد، إلى طمس المرحلة الرئاسيّة، واستعادة البريق، وهذا أمر سهل في بلد تكثر ويلاته ومصائبه، فتطغى الواحدة على الاخرى، ولا ذاكرة عنده، ولا حقائق متفقا عليها ولا تفسيرات ولا اجتهادات متقاربة على مستوى الوطن ككل، وبين مكوناته المتفقة على ألا تتفق، لتترك البلد فريسة التدخلات الخارجية، وتجعل ابناءه وقودا لكل حروب الاقليم والعالم.
ويطمح الوريث الشرعي النائب جبران باسيل، الى استعادة زمن جنرال الرابية والمنفى الباريسي وقصر الشعب قبل ذلك، ولو من صفٍّ خلفيّ، مرحليّاً، لأنّه أدرك، ولو مُتأخّراً، أن ما يمكن لـ"الجنرال" فعله، يقتصر على الأخير، ولا تنفع معه وراثة. لذا، فإنّه في المرحلة المقبلة، سيفيد من طاقة عون المُتجدّدة حتى الرّمق الأخير لفرض تسويات أو أوضاع مستجدة ما بعد الرئاسة. وهذا حق له في بلد التقاسم والحصص الطائفية والمذهبية، فلا تطغى واحدة على الاخرى.
لقد حرص باسيل على عدم إعلان ترشُّحه إلى الرئاسة، مادام الرئيس عون يتربع في بعبدا، لان في ذلك استعجالا لرحيله، وتوجيه الاهانة الشخصية له. لكنّ الوضع تبدّل حاليّاً، فالقصر شاغر من رئيس، وباسيل ربّما يُقدم على خطوة الترشح قريباً، أملاً في احتلال المقعد الرئاسي، رغم العقبات والعراقيل، ورغم التجربة السيئة التي اختبرها خلال ولاية الرئيس عون. لكنْ لباسيل ربما اهدافٌ رئاسية غير الكرسي الرئاسي، فهو يسعى الى إقفال الطريق على خصوم ومُريدين للرئاسة، اعتبروا انه صار ينازع مع انتهاء العهد، وان مدة صلاحيته في القرار قد انتهت. وربما يسعى الى وضع شروط صارمة في مقابل انسحابه أو تنازله أو قبوله بمرشح آخر، تحفظ له دوره الأساس في اللعبة السياسيّة، فلا يتمكّن خصومه من القضاء عليه مع خروج عون من بعبدا، ومحاولة إضعاف "التيّار الوطني الحر" وإقصاء رئيسه عن القرارات الكبيرة.
مع التطورات المرتقبة، يدخل البلد مرحلة احتدام سياسي، يقودها عون وباسيل، وستؤدّي إلى "كباش" لن تنفع معه إلّا "تسوية"، وهي الكلمة المُخفّفة لـ"صفقة"، يُمكن أن تُقلِّص من الفراغَيْن، وتُعيد انتظام الأمور. وبخلاف ذلك، إضاعة للوقت من دون جدوى في انتظار تطوّر ما يبقى مجهولاً حتّى ساعته، ومزيد من الانهيار.
"النهار"- غسان حجار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|