السنّة وتحدّي الدولة
يواجه السنّة منذ الانتخابات النيابية حالة غير مسبوقة من انعدام الوزن السياسي وانحسار التأثير في عملية صناعة القرار الوطني، لم تبددها التحولات الكبرى التي أفرزها "طوفان الأقصى"، أكان من ناحية السيناريوات التي كانت مرسومة من قبل "محور الممانعة" تحت شعار "وحدة الساحات"، أو من ناحية التحديات التي فرضتها الحرب الإسرائيلية المدمرة في غزة، والتي توسعت لتطول لبنان. أول هذه التحديات وأهمها يتمثل في الخروج من "الدويلة" والعودة إلى الدولة فكراً ونهجاً وثقافة.
فرغم محورية فكرة الدولة في الإرث التاريخي الذي يعتز به السنّة، إلا أن ذلك لم يفضِ إلى حصول نقاش جدي حول مستقبل السنّة وماهية دورهم في عملية تكوين السلطة الجديدة، أو مأسسة جبهة ضغط سني يمكن الارتكاز عليها لإعادة القرار إلى مكانه الطبيعي، ما خلا محاولات يغلب عليها الطابع الفردي. ذلك أن مناخاً من "عدم اليقين" إزاء المستقبل يسيطر على النخب السنية، ويجعلهم في حالة ترقب تضعف من فعاليتهم.
بيد أن التدقيق أكثر يبيّن أن السنّة ما زالوا واقعين تحت تأثير معادلات ما قبل 7 أكتوبر / تشرين الأول 2023، محلياً وخارجياً، حيث تظهر المشهدية العامة لنخبهم السياسية أن الغالبية أقرب إلى "الدويلة". الأمر الذي يمكن اعتباره نتيجة طبيعية لما تعرضوا له من استنزاف سياسي ومعنوي من قبل "حزب الله". ناهيكم عن سمة تاريخية لا تحضر كثيراً في النقاشات، وهي الاتكال المفرط على القوى السنية الفاعلة في المنطقة، الموروث منذ زمن العثمانيين.
وهذا ما تمخض عنه تفشي العتب المكتوم تجاه الأشقاء العرب والمسلمين في الأوساط الشعبية والنخبوية، فيما الأصل هو الافتقار إلى المبادرة التي تخرج عن إطار الفردية، ولا سيما في هذا التوقيت الحساس الذي تبرز فيه الحاجة إلى دور سني موزون، في ظل الخشية من طروحات راديكالية تتوسم استغلال الانكفاء الحاصل لجذب الجمهور المحبط.
أول تحديات الدولة الماثلة أمام السنّة هو التصدي لمحاولة إعادة إنتاج الهياكل الموازية للدولة بنسخ مُحْدَثَة، وذلك عبر حملة الضغط التي يمارسها "الثنائي الشيعي" لانتزاع قرار المساعدات من "هيئة إدارة الكوارث" الحكومية، ومنحه لـ"مجلس الجنوب"، لضمان إفادة محازبيهما على حساب آلاف النازحين. والأهم التمهيد لمرحلة إعادة الإعمار التي يريدان احتكارها بكل منافعها السياسية. تلك الحملة راحت تستثمر الترهل الذي تعاني منه مؤسسات الدولة، ووصمة الزبائنية، لوضع الوزير ناصر ياسين، ومن خلفه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، تحت ضغط شديد.
وهذا ما أفضى إلى نشوء حالة هجينة تبدت من خلال اجتماع نواب "بعلبك – الهرمل"، واتخاذ قرار بضم المحافظة إلى "مجلس الجنوب"، بحضور السنيين المنتمين الى كتلة "الحزب"، واستبعاد النائب القواتي أنطوان حبشي، لضمان عدم اعتراض أحد على هذا الطرح غير القانوني، والذي يجعل مناطق نفوذ الثنائي تبدو أقرب إلى "غيتو" فيدرالي. إلى جانب المقترح الذي تحدث عنه الرئيس نبيه بري حول إنشاء صندوق مالي لإدارة مرحلة إعادة الإعمار سيرأسه بنفسه.
غداة حرب تموز 2006، قاوم رئيس الحكومة فؤاد السنيورة كل محاولات الثنائي انتزاع أموال المساعدات وقرارها من الحكومة، مما عرضه إلى حملة تخوين قاسية. فيما تشير المعطيات إلى أن الرئيس نجيب ميقاتي ليس في وارد الوقوف في وجه ضغوط الثنائي، ولا سيما الرئيس بري، وسيمنحهما ما يريدان. العلاقة الضرورية التي يتمسك بها السنّة مع نبيه بري كرئيس للبرلمان لا تعني إغفال أنه زعيم سياسي يريد حماية زعامته من خلال طروحات ترمي إلى سلب الدولة قرارها.
سامر زريق-نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|