سيادة بسمنة وسيادة بزيت!
درج فريق الممانعة، على تنوّع الأوصاف والتسميات التي أطلقها على نفسه، منذ زمن الوصاية السورية، على ترسيخ ازدواجية فاقعة لمفهوم "السيادة" كانت تُستخدم لفرض تشريع الوصاية الأسدية البعثية على لبنان. كان هذا الفريق يزعم تشدداً في السيادة لجهة الصراع مع إسرائيل و"يعمل" أداة سلسة مطواعة عند الوصاية السورية. تدور دوائر الزمن وتعود اللازمة نفسها اليوم في تعامل الفريق نفسه مع "سيادتين" بوجهين ازدواجيين فإذا بـ"المفاوض" اللبناني مع الوسيط الأميركي حول مشروع وقف الحرب مع إسرائيل، "يتشدد" (وهو أمر جيد)، حيال الشروط الماسة بالسيادة اللبنانية فيما يسلس القياد تماماً للنفوذ الإيراني الفاقع في الهيمنة على هذا الفريق. وليت الكثيرين لم "يهيّصوا" لجهاز أمن المطار حين مارس واجبه البديهي أساساً في إخضاع الفريق الأمني المرافق لكبير مستشاري المرشد الإيراني علي لاريجاني للتفتيش، لأن هذا التهييص سرعان ما تبدّد في مقارّ الممانعين والسفارة الإيرانية لدى انكشاف فضيحة لم يرفّ لها جفن سلطة لبنانية "سيادية" ولا طبعاً بخل بها أيّ من "السياديين" الممانعين، ذلك أن السيد لاريجاني، بوجه ضاحك باسم كما لو أنه يمضي ترف إجازة في بيروت وضاحيتها التي سحقها طيران بنيامين نتيناهو بأبشع ما تكون همجية الحروب، طلع علينا متباهياً بأنه اطلع على مسوّدة الاتفاق المطروح على لبنان لوقف إطلاق النار. "اطلع" لاريجاني عينك عينك على الاقتراح فيما اقتصرت سرّية المداولات لبنانياً على رئيسي مجلس النواب والحكومة وحتماً على حلقة ضيقة من قيادة "حزب الله"، ولا معرفة للوزراء والنواب والقادة العسكريين والأمنيين ولا للرأي العام اللبناني برمته، بالمضمون الحرفي الدقيق للاقتراح الذي سيؤسّس لحقبة طويلة جداً بعد أشرس حرب تسحق لبنان منذ حروبه في السبعينيات...
لاريجاني يعرف ولبنان كله لا يُفترض أن يعرف إلا ما يتسرب من هنا وهناك. هكذا بدأ دمار لبنان في أواخر ستينيات القرن الماضي مع أخطر تطوّر حصل آنذاك بإبرام سري لاتفاق القاهرة وحجبه عن مجلس النواب وهو الاتفاق الذي أسّس لتفجير لبنان في 1975، فإذا بفريق لبناني "ممانع" اليوم، "استطاب" حقبة الوصاية السورية ومن ثم عصر الهيمنة الفارسية الإيرانية عليه وعلى السلطة الرسمية الراهنة من خلاله، وراح يسوّغ لكل منهما المسوغات والتشريع والترسيخ، لا يتهيب حتى الحرب الإسرائيلية الأشد شراسة التي استدرجها بنفسه ويمضي قدماً في رفع راية التبعية لإيران بعد كل هذا الخراب.
تشكل هذه العينة الشديدة الخطورة نموذجاً متقدماً للغاية عن نماذج تفجيرية تترصد لبنان في زمن آتٍ بعد الحرب. لم تعد ظاهرة التخوين والتخوين المضاد داخلياً، وعبر الإعلام المفتوح والمنابر المفتوحة والساحات الطائفية والحزبية والسياسية وحتى الدينية، مجرد فولكلور عصبي وتعبوي يجتاح لبنان تحت جنح الدمار والمجازر والتهجير والنزوح وكل كوارث الحرب. هذه الظاهرة، تغذيها بقوة ساحقة "ثقافة" هجينة غريبة لا مثيل لها في كل دول العالم الثالث نفسه، بتصنيف مزدوج لسيادة بسمنة وسيادة بزيت، استقوى في ظلها فريق ممانع لا ندري بعد كيف يوفق بين ممانعته لإسرائيل ومطواعيته العمياء لإيران. وتالياً ترانا محقين سلفاً إن تخوّفنا خوفاً يوازي ذاك الذي يسود اللبنانيين جميعاً الآن من الحرب وتداعياتها وما بعدها، وإن تساءلنا عن أيّ لبنان سيبقى وسيكون غداً بعد جلاء الغبار وفتح ملفات المساءلة عن مشهد "الفناء" والإبادة والدمار الذي خلفته الحرب؟
نبيل بو منصف-النهار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|