الخاسرون والأقل خسارة... من يصنع المستقبل بعد الحرب؟
استهلكت مسألة الإنتصار ما يكفي من التعليقات والردود والتكرار. النصر الزائف الذي يُصر "حزب الله" على تأكيده، للتسويق المحلي، ومعه ادعاء البعض مكاسب غير محقَّقة، أو محاولة البعض الآخر التفتيش بين الركام عن ربحٍ يعوّضه ما مُنِيَ به من خسائر، لم تكن في حساباته من قبل. وسط كل ذلك، يجدر التوقّف بموضوعية أمام ميزان الربح والخسارة الحقيقي، بعد حرب قلبت كلَّ الموازين في لبنان والمنطقة.
لتحديد النتائج ولو بشكل مبدئي، لا بد من المقارنة بين الوضع المستجد بعد الحرب، والوضع الذي كان سائدًا قبلها. ميدانيًا كان "حزب الله" القوّة المسيطرة وله نفوذ داخل القوى الأمنية والقضاء وغيرها من المواقع المفترض أن تكون مستقلة. وسياسيًّا كانت له سطوة على القوى والشخصيات السياسية ما خوّله التحكّم بقراراتها. كان "الحزب" الناخب الأول في مسألة رئاسة الجمهورية، وإذا لم يستطع ذلك، فهو حتمًا المعطِّل الأول لقدرة أي طرف ومنعه من ذلك.
معنويًّا، كان يتمتّع "الحزب"، ومن خلاله حلفاؤه، بهالة استقطبت العديد من الشخصيات والقوى والكثير من الرأي العام، إما قناعةً به، وإمّا خوفًا منه، أو تملّقًا له. وكان إداريًّا متحكمًا بمفاصل الدولة العميقة وبمرافقها كافّة. ومتغلغلاً أمنيًّا في كل المواقع وعلى كل المستويات. وكل هذا النفوذ والتوغّل والسطوة، أعطاه سلطةً كانت كافية للقبض على رقاب البلاد والعباد وفرض أجندته على الآخرين في الداخل، واستدراج المفاوضين إلى ملعبه، في الخارج.
حصلت الحرب. ونتج عنها ما نتج، وبتنا في فترةٍ قصيرة أمام واقعٍ جديد، يُمهّد بدوره لمسارات جديدة في شِعاب المستقبل، لم تكن ربما مطروحة أو محسوبة من قبل. في هذا الواقع وهذه المسارات المستَجِدّة، تكمن القراءة الشافية والكافية للحديث عن أرباح وخسائر، ومَن أضاع الفرص ومَن حقَّق المكاسب.
ففي صف الخاسرين، يتقدّم "حزب الله" طبعًا، بعدما فقد مصداقيته كمقاومة منذ خوض حرب إسناد لا طائل للبنان بها، واستدراج الإحتلال إلى أرض لبنانية لم تكن محتلّة، وضياع سطوته وقدرته على الحركة السابقة، ميدانيّا وسياسيًّا وأمنيًّا وإداريّا. وذلك، علاوة على فقدان قيادات الصف الأول والثاني والثالث ونخبةِ مقاتليه ومسؤوليه، وتفجّرِ هيكليّته قبل تفجير مقرّاته.
الخاسر الثاني، هو التيار الوطني الحر الذي وإن حاول بعد انخراط حليفه في حرب الإسناد، التظاهر بالابتعاد عنه، إلا أن ولاءه السابق وتنسيقه وتعاونه بل تعامله مع "ألحزب"، جعله حكمًا واحدًا من الحجارة الصغيرة التي تتدحرج عن سفح الجبل عندما تهوي صخرة كبيرة. فالتيار بعد خسارة ظاهرة في أوساط الرأي العام، خسر السند المتين الداعم له في الأزمات السياسية مع الخصوم، وفي الإنتخابات، وصولاً إلى تشكيل الحكومات والتعيينات.
الخاسر الثالث، كل الذين جعلوا أنفسهم نيازك صغيرة تدور في فلك الحزب، متخلّين عن المبادئ وسلوك الطريق القويم. وهؤلاء موزعون بين أحزاب وشخصيات سياسية وجمعيات وموظفّين وأسرابٍ من المتنفّعين والسّاعين إلى الفُتات ولو من تحت الطاولات.
أمّا في صف الرابحين، أو فلْنَقُل الأقل خسارة. باعتبار أن حربًا عبثيّة هوجاء كالتي شنّها "حزب الله"، لا مجال معها للحديث عن ربح، فوق أشلاء شعبٍ تعيس وأنقاض بلدٍ مدمّر، وملامح مستقبلٍ مجهول. في هذا الصف، تتقدّم "القوات اللبنانية". أولاً لأن ما حذّرت منه منذ أكثر من عقدين حصل، وما نادت به طيلة تلك الحقبة أثبتت الحرب أنه كان الباب والصواب، فنالت المزيد من التأييد في أوساط الرأي العام. وأظهرت القوات حقيقةً أنها بين قلّة عملوا بثبات لاستعادة الدولة وتطبيق الدستور واحترام القوانين، فيما كان المكابرون يتهمونها بالخيانة والعمالة. وهي لذلك لم تخسر شعبيّا ولا سياسيّا بل تحوّلت من قوّة معطِّلة بوجه مشروع خارجي، إلى قوّة مقرِّرة في الداخل، خصوصًا أنها باتت الناخب الداخلي الأقوى في مسألة الرئاسة الأولى. وزاد على ذلك تعاملها الراقي مع النازحين بغض النظر عن الخصومة السياسية. وطبعًا مثلها ومن حولها كل القوى المعارِضة.
الرابح الثاني، هو الرئيس نبيه بري، كرئيس لحركة أمل وزعيم شيعي. فهو كان المفاوض الأوحد في هذه الحرب، وبيضة القبّان، وزرَّ اتصال العالم الخارجي بلبنان (الرسمي والشيعي). نجح الرئيس بري في إرساء تمايز لحركته عن الحزب أثناء الحرب، سواء في الممارسة الميدانية أو الخطاب السياسي، وإبقاء شعرة التواصل قائمة حتى مع أبعد الأطراف وأشد الخصوم. وهو اليوم على النقطة الوسط التي تخوّله التحوّل ذات اليمين أو ذات اليسار بحسب مقتضيات المرحلة.
الرابح الثالث، الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي نجح في تجنيب طائفته شظايا الحرب أثناء طوفان رحاها، وإخراجها منها متماسكة مدركة طريقها، على الرغم من كل المطبّات والإهتزازات والإعتبارات.
في المحصّلة يبقى لبنان الوطن والدولة الرابح الأكبر ببزوغ بصيص نور عودة الشرعية ونهوض الدولة من سباتها العميق، والخاسر الأكبر بأن هناك من هو مستعد دومًا وكل دورةٍ من الزمن لتصديع أساساته، وضرب وحدته، ونحره جهارًا على قارعة الطرقات من غزّة والقدس إلى الشام وحلب. وثمّة رابحون وخاسرون كُثُر، في مقدّمهم رئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي الذي كانت له فرصة اقتناص اللحظة، وإثبات الدولة، وترك بصمة ما... فلم يفعل!
سيمون سمعان- رئيس تحرير موقع أخبار البلد
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|