الأمور تبدلت 360 درجة.. "شعب وجيش ومقاومة" في قلب البيان الوزاري!؟
سوريا الجديدة وإسرائيل: صكّ على بياض أم محاولة لتمرير المرحلة؟
قد تكون أسهل طريقة لتفسير التصريحات غير المسبوقة في تاريخ السياسة السورية لأكثر من مسؤول في الإدارة الجديدة عن واقع العلاقة مع إسرائيل ومستقبلها، وصفها بأنها محاولة لإرضاء إسرائيل عبر تقديم صك على بياض لكسب ودها أو تفادي شرها.
غير أن ثمة تعقيدات كثيرة وغموضا كبيرا تلفّ الحالة السورية غير المستقرة، وسط تغيرات جذرية طرأت على موازين القوى، وانقلاب في المعادلة الإقليمية، وهو ما يمثله في الدرجة الأولى انتقال سوريا من محور المقاومة بقيادة إيران إلى الدوران في فلك السياسة التركية كما توحي المؤشرات. وقي ضوء ذلك، يبدو موقف الحكام الجدد في سوريا من إسرائيل موضع تأويلات تفرضها البراغماتية الناعمة، ولكن الغامضة التي ينتهجها أحمد الشرع في مواقفه المعلنة.
ولا يمكن التغافل عما تحمله تصريحات الحكام الجدد من تناقض ظاهر مع سياسة أنقرة التي تشهد علاقتها مع تل أبيب تدهوراً منذ سنوات. حتى إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جعل التصدي للمشروع الإسرائيلي من الأسباب التي شجعته على التقارب مع النظام السوري السابق. كما أن تركيا تطرح نفسها داعمة لحركة "حماس"، وهي لا تزال تؤوي كثيرين من قادتها.
والأهم أن ثمة من يتحدث عن كباش غير معلن بين إسرائيل وتركيا في شأن سوريا، وهو ما يدل عليه التزامن بين سقوط النظام وصعود أحمد الشرع، ومسارعة إسرائيل إلى رفع وتيرة اعتداءاتها على سوريا، سواء من خلال تنفيذ أكبر حملة جوية لتدمير العتاد الإستراتيجي للجيش السوري، أو عبر التوغل في الأراضي السورية وصولاً إلى احتلال قمة جبل الشيخ ورفع علمها فوق مبنى المحافظة في القنيطرة (مدينة البعث).
ومهما تكن الأسباب التي تستند إليها إسرائيل لتبرير اعتداءاتها، وبغض النظر عن أهدافها الإستراتيجية المتعلقة بأمنها القومي أو بموارد المياه أو حتى تغيير وجه الشرق الأوسط، فإن انتشارها القريب عملياً من مدينة دمشق حيث لا تبعد سوى 25 كيلومتراً، بات يشكل ضغطاً كبيراً على الحكام الجدد إن لم نقل مثار خشية حقيقية، بصرف النظر عن اعترافهم بذلك أو لا.
وفي مقارنة رمزية، يمكن القول إن التموضع الإسرائيلي على قمة جبل الشيخ يكاد يعادل - إن لم يكن يفوق- اعتلاء وزير الخارجية التركي هاكان فيدان قمة جبل قاسيون، بما يؤكد وجود كباش بين الجانبين الإسرائيلي والتركي. والحال أن بعض وسائل الإعلام المحسوبة على المحور القطري - التركي روجت لنظرية أن ما حدث في سوريا هو إنقاذ تركي للبلاد من مشروع كان تعده إسرائيل لتقسيم الأراضي السورية.
ومع ذلك، باتت تركيا تدرك بعد التوغلات الإسرائيلية الأخيرة أنها لا تستطيع تجاوز تل أبيب في رسم المشهد السوري الجديد وامتداداته الإقليمية بعد إطاحة نظام بشار الأسد، وتشعر بالضغط جراء ذلك، وهو ما يدل عليه عرضها نشر منظومات دفاع جوي في وسط سوريا. وبما أنها لا تريد أن تصرف من رصيدها لضمان موافقة إسرائيل على هندستها لسوريا، كانت الطريقة الأسهل السحب من الرصيد السوري.
ولا غرابة في أن تتشدد تل أبيب في الموقف من حكام سوريا الجدد وصولاً إلى وصفهم بأنهم "عصابة إرهابية"، وفق تصريح وزير خارجيتها جدعون ساعر، لأن تل أبيب تدرك أبعاد المشروع التركي وما يشتمل عليه من إعادة رسم الحدود البحرية مع سوريا تنفيذاً لإستراتيجية الوطن الأزرق، وكذلك إعادة إحياء مشروع الإسلام السياسي في المنطقة.
والواقع أن ظهور عبد الرحمن نجل الشيخ يوسف القرضاوي العراب الديني لهذا المشروع في ساحة الجامع الأموي، وتبشيره بالنصر القريب في مصر وتونس، قد تردد صداه في أكثر من عاصمة عربية وخليجية وكذلك في تل أبيب، لأنه سواء كان متعمداً أو غير متعمد، فقد أرسل إشارة خاطئة بوجود نية تركية للعبث في الدول التي شملها الربيع العربي عام 2011.
ونتيجة غموض المشهد السوري، لا يمكن تقييم كل ما يجري في الوقت الراهن، لأن بعض التفاصيل تحتاج إلى تظهير خلفياتها وأسبابها وأهدافها، وهو غير متاح حالياً. وقد يكون من المبكر الحديث عن تباين بين الشرع وتركيا نتيجة اختلاف وجهات النظر حول العديد من القضايا، وربما كان من بينها قضية الموقف من إسرائيل، غير أن هذا الاحتمال يظل مطروحاً بسبب المطبات الكثيرة التي شهدتها العلاقة بينهما.
وفي تصريحات غير مسبوقة، أكد محافظ دمشق ماهر مروان، وهو من المقربين من أحمد الشرع لكونه عديله، أن "ليس هناك أي خوف حيال إسرائيل. مشكلتنا ليست معها، ولا نريد أن نعبث بما يهدد أمنها أو أمن أي دولة". وتأتي هذه التصريحات في سياق توجه الشرع الذي قال في وقت سابق إنه "لا يريد صراعاً مع إسرائيل". وأضاف مروان في حديث إلى الإذاعة الوطنية الأميركية: "نحن لسنا نداً لها ولا نستطيع أن نكون نداً لأحد". ودعا الولايات المتحدة إلى "تسهيل تحسين العلاقات مع إسرائيل"، مؤكداً أن "هناك من يريدون التعايش والسلام، ولا يريدون النزاعات".
ووصف المسؤول السوري توغل القوات الإسرائيلية بأنها "تقدمت قليلاً"، وهو ما أثار حملة انتقاد واسعة شهدتها مواقع التواصل الاجتماعي على هذا العرض المجاني للسلام، والاستخفاف بخطورة التحركات الإسرائيلية.
النهار - عبدالله سليمان علي
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|