ماذا تريد السّعوديّة من لبنان؟
يردّد الناشر نهاد المشنوق دائماً على مسامعنا في اجتماعاتنا التحريريّة والسياسية، أنّ “هناك دول قرار وهناك دول أدوار”. يحذّرنا من الخلط في كتاباتنا بين مواقف الدول وتصنيفاتها.
أزمة اللبنانيين من أهل السياسة أنّهم يخلطون عن سابق إصرار وتصميم، والبعض عن جهالة، في التعاطي مع الدول الصديقة والشقيقة بين دول القرار ودول الأدوار في مباشرة التفاصيل السياسية اليومية والاستراتيجية. وهو خلط ينتهي إلى نتائج كارثية على الصعيدين الوطني والشخصي.
تقارب المملكة العربية السعودية الملفّ اللبناني من زاوية الحرص عبر زاويتين:
– الأولى: عاطفية، وهي مصطلح لا تعترف به العلوم والمعاهد السياسية، لكنّها تعبّر عن واقع لا تتردّد في مقاربته المملكة التي ترى لبنان وطناً وأمانة عند الشعب السعودي، الذي كان وما يزال يراه وطناً ثانياً له فيه أحبّة وأصدقاء ومنازل وذكريات لا تمحى من الذاكرة.
– الثانية: الحرص على الاستقرار الأمنيّ والسياسي والاقتصادي في المنطقة.
المملكة وغُربة لبنان
تؤمن قيادة المملكة أنّ أمن المنطقة والعرب هو أمن واحد لا يتجزّأ، والاستقرار هو قطعة “بازل” لا يمكن الاستغناء عن إحدى قطعها لضمان تماسك المجموعة بأكملها. فكيف إن كان لبنان الدرّة الوسطى في سبحة العرب والشرق الأوسط؟!
عندما اغترب لبنان بعيداً في المحاور والمغامرات العسكرية والإيديولوجيّة، ظَنّ الجميع في لبنان أنّ السعودية ابتعدت عن لبنان فيما الواقع الذي لا لبس فيه أنّ لبنان هو من ابتعد عن نفسه وهويّته، وبالتالي ابتعد عن السعودية والهويّة العربية الأصلية.
بعد كلّ التطوّرات والزلازل السياسية والعسكرية، من 7 أكتوبر 2023 وصولاً إلى الزلزال السوري وما سبقه من زلزال لبناني، وجدت السعودية وتلمّست فرصة ذهبية لعودة لبنان من غربته السياسية والخلاص من مآسيه الاقتصادية والاجتماعية. من منطلق الحرص عليه لم تكتفِ بانتظار عودته، بل مدّت له اليد مبادرة ومساعدة على عودة سريعة، بخاصة أنّ ترف الوقت غير متوافر والفرص الذهبية تمرّ بسرعة ولا تنتظر أحداً.
فقد الساسة اللبنانيون منذ عام 2019، عندما نزل الناس إلى الساحات والشوارع صارخين معترضين، القدرة على المبادرة والخروج من الشخصانية إلى رحاب مصلحة الوطن والمواطن. جلسوا من جوعهم السياسي يأكلون أصنامهم التي صنعوها بأيديهم صنماً تلو صنم. تجاهلوا غضب الناس وأوجاعهم بسلسلة من الحكومات التي لا تحكم. تحوّلوا جميعاً من منطق إدارة الأزمة إلى منطق التعايش معها، بل إلى أكثر من ذلك، إلى منطق تكريس وتعميق الأزمات على أنّها قدر محتوم وصولاً إلى الفراغ في كلّ شيء، في الرئاستين الأولى والثالثة والمؤسّسات الأمنيّة والعسكرية.
افتقد لبنان رجال المبادرات كتقيّ الدين الصلح ورفيق الحريري وفؤاد بطرس وجان عبيد، فتقدّم رجال الأزمات الذين احترفوا المراوحة والكتابة على الجدران تاركين منطق الوثيقة والكتابة في التاريخ ولأجل المستقبل.
بين الرّؤية والمتراس
ترى السعودية أنّ السياسة رؤية للمستقبل، ويرى الساسة في لبنان أنّ السياسة متاريس قتالية للدفاع عن مواقع ومكتسبات شخصية أو طائفية. امتهنوا إضاعة الفرص الصغيرة منها والكبيرة. العالم لم يتغيّر من حولهم، وهم لا يتغيّرون ولا يحاولون سلوك طريق التغيير.
أصاب الزميل وليد شقير في مقالته الأخيرة في موقع “أساس” عندما قال: “سوريا سبقت لبنان إلى الحضن العربي”. رأينا كيف خرج السوريون من معتقلاتهم وخنادقهم وأيديولوجيّتهم المتطرّفة إلى رحاب الفضاء العربي المفيد وعمق الهويّة العربية الرؤيويّة. باتوا يتحدّثون عن رؤى حديثة للحكم والوطن والمواطن، فيما نقبع نحن اللبنانيين في خنادقنا ومعتقلاتنا، بل نحفر خندقاً أمام الخندق القديم بانتظار مغامرة جديدة وحروب متجدّدة وتوسّع خارطة الدمار.
السعودية ومعها العالم والعرب ممثّلين باللجنة الخماسية ليسوا ضمن منطق الربح والخسارة ولا مطامع لهم في لبنان. بل هم في موقع المبادرة لمساعدة لبنان على الربح وتجنّب الخسارة. القرار هو للّبنانيين وحدهم دون غيرهم. هم الرابحون إن بادروا، وهم الخاسرون إن استمرّوا في المراوحة بخنادقهم. وقيل في الحديث الشريف: “الدّين نصيحة”.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|