"الذهب الأخضر" سلاح ذو حدين ولبنان الثالث عالمياً
"هذا عهدي، لا تجارة مخدرات بعد اليوم"... و"ليسمع العالم كله، مرحلة جديدة من تاريخ لبنان" . بهذه الكلمات خاطب رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون اللبنانيين أولا، والعالم كله ثانيا، في خطاب القسم الذي حمل الكثير من المضامين اللافتة، مبشرا اللبنانيين بمرحلة جديدة من تاريخهم، زارعا الأمل في نفوس شعب أنهكته الأزمات والمناكفات السياسية. نعم نريد بلادنا بلا مخدرات التي تهدد بدمار الشباب اللبناني اليائس ودمار بلد الارز.
فالدول لم تد تحتاج إلى الأسلحة من أجل تدمير بلد آخر، فكل ما عليها فعله هو إغراق ذلك البلد المستهدف بالمواد المخدرة وتسهيل الوصول إليها، خصوصا في أوساط الشباب التي يتوقف عليها تطور المجتمع وتقدمه، حيث تشهد العديد من الدول العربية انتشارا كبيرا للمخدرات في أوساط الشباب، حيث تشير الإحصاءات والدراسات المختصة، حسب تقرير الأمم المتحدة، إلى أن ما يقارب 60 في المئة من المتعاطين ينتمون إلى الفئة العمرية من 16 الى 35 عاماً.
علينا دق جرس الإنذار
وفي المجتمع اللبناني تعتبر مشكلة تعاطي المخدرات من أخطر المشاكل التي يواجهها اليوم، حيث تنتشر هذه المشكلة بين الشباب، وهذا مؤشر خطر جدا لفقدان المجتمع اللبناني للطاقات الشابة لتطوير وتقدم المجتمع، وتشير نتائج بعض الدراسات الوطنية في لبنان، إلى انخفاض أعمار المتعاطين إلى ما دون 15 عاما، و تزايد أعداد متعاطي المواد المخدرة وبخاصة النساء التي بلغت 20 %، بعد أن كانت لا تتعدى 4 % . وهنا علينا دق جرس الإنذار خصوصاً أن المرأة هي أساس المجتمع ومربية الأجيال والعنصر الأساسي في العائلة.
ووفقا للأمم المتحدة، صنف لبنان ثالث منتِج للحشيشة في العالم، بعد أفغانستان والمغرب. وتعتبر نبتة الحشيش اللبنانية التي يعود تاريخها في لبنان إلى نحو مائة عام، وتحديدا في منطقة البقاع (بعلبك - الهرمل) من النوعية عالية الجودة، وتدل تسمية "الذهب الأخضر" لوصف نبتة الحشيشة على أهمية هذه الزراعة، وما قد تدره على الاقتصاد اللبناني من مردود يقدر بأكثر من مليار دولار أميركي، في حال تم تحويل زراعتها المحرمة قانونا، إلى زراعة شرعية تضبطها القوانين، وتراقبها الدولة للاستعمال الطبي والعلمي على غرار كثير من الدول.
وهنا، تجدر الإشارة إلى أنه تم تشريع زراعة القنب الهندي "الحشيشة" في نيسان 2020 للاستخدام الطبي والصناعي، ليصبح لبنان أول دولة عربية تشرع "الحشيش"، لكن السؤال هل هذا التشريع طبق؟ وهل أدرّ على الدولة المديونة المنهوبة اي فلس؟ لنضع هذا السؤال برسم الحكومة المقبلة.
زيادة في الوفيات الناجمة
عن الجرعات الزائدة
الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والنفسية التي تؤدي بالمراهقين والشباب إلى الإدمان على المخدرات، تتلخص بحسب رئيسة قسم الخدمات النفسية والاجتماعية في المركز التربوي للبحوث والإنماء في لبنان، ومنسقة مشروع التوعية على ادمان المخدرات الاستاذة سيدة فرنسيس "بالجهل بأخطارِ استعمال المخدر، وضعف الوازِع الديني والتنشئة الاجتماعية غير السليمة، والتفكك الأسري والفقر و الجهل والأمية، والثراء الفاحش والتبذير دون حساب، وإنشغال الوالدين عن الأبناء وعدم وجود الرقابة والتوجه، وعدم وجود حوار بين أفراد العائلة ومجالسة رفاق السوء أو مصاحبتهم والبطالة والفراغ".
منظمة الصحة العالمية تعرف الإدمان أنه "حالة تسمم متقطع أو مزمن، تحدث نتيجة استهلاك أو تناول متكرر لمخدر ما، سواء أكان طبيعيا أم اصطناعيا".
أما عن العلامات التي تدل على أن هذا الشخص يتعاطى المخدر بحسب فرنسيس، فهو"التغيير المفاجئ في نمط الحياة، كالغياب المتكرر والانقطاع عن العمل أو الدراسة، وتدني المستوى الدراسي أو أداء العمل و الخروج من البيت لأوقات طويلة، والتأخر خارج البيت ليلا، وتقلب المزاج، والمشاكل الأسرية والخلافات الزوجية بسب التغيرات السلوكية، وعدم الاهتمام بالمظهر، والغضب لاتفه الأسباب، والتهرب من تحمل المسؤولية وعدم المبالاة، والإسراف وزيادة الطلب على النقود، والميل إلى الانطواء والوحدة، وفقدان الوزن الملحوظ، نتيجة فقدان الشهية وضعف الذاكرة، وصعوبة التركيز والتناسق الحركي، واحمرار العينين وزيادة الدم، ودرجة الحرارة ومعدل ضربات القلب، وتباطؤ في التنفس والاكتئاب والأرق والنعاس والدوار وفقدان الوعي والغيبوبة والموت المفاجئ و الانتحار.
وأظهر تقرير المخدرات العالمي لعام 2024 أن هناك زيادة في الوفيات الناجمة عن الجرعات الزائدة في أعقاب ظهور مادة النيتازينات - وهي مجموعة من المواد الأفيونية الاصطناعية التي قد تكون أكثر خطورة من الفنتانيل - في العديد من البلدان ذات الدخل المرتفع.
وتحدثت فرنسيس عن طرق العلاج التي يجب أن يخضع لها المدمنون لإنتشالهم من مستنقع المخدرات القاتل، ويمكن أختصارها كالتالي:
- خفض جرعة المخدرات تدريجيا واستبدالها بمواد أخرى مؤقتا، يكون لها جانبية أقل حدة .
- تقويم حالة المريض وتشخيص نوع المخدر، والتعرف إلى درجة الإدمان التي وصل إليها المريض، من خلال عمل فحوص طبية شاملة.
- إزالة المخدر من الجسم بطرق طبية فعالة من دون ألم، وذلك باستخدام أحدث الوسائل الطبية العلاجية، وإعطاء المريض الدواء المناسب لتخطي هذه الخطوة بنجاح.
- إعادة التأهل النفسي والسلوكي ،وتعد هذه المرحلة من أهم مراحل التعافي من الإدمان، إذ يتم وضع البرنامج المناسب للمريض ، وفيها يتم قياس مدى استجابة المريض للعلاج.
- متابعة الشخص المتعافى بعد العلاج، لتقديم الدعم الكافي والعمل على مساعدته للتأقلم مع الحياة بصورة طبيعية.
وكل ما سبق يحتاج إلى مراكز لاحتضان المدمنين وإخضاعهم لبرنامج علاج، لكن الدولة غائبة عن هذه المشكلة، فلا وجود لمراكز التأهيل ولا خطة شاملة مع الوزارات المعنية كوزارة الداخلية والصحة والشؤون الاجتماعية، بينما تكتفي السلطات بمحاكمة هؤلاء الشبان والمروج الصغير، في وقت عليها أن تعمل أكثر مع وزارة التربية والتعليم للوقاية ومكافحة آفة الإدمان، وبالتالي الحد من أعداد الشباب المتعاطي المتزايد.
حملات توعية
تجدر الإشارة ، إلى أنه تم إنشاء مراكز خاصة ومستقلة في لبنان (حوالي 8 مراكز مسجلة في الدولة)، تعتمد على دعم الجمعيات، البعثات الأجنبية وعلى الدعم الفردي من خلال الخيرين، وهذا بسبب تقصير وزارة الشؤون الإجتماعيّة بتقديم الدعم الكافي لها.
لا تقل المخدرات خطراً عن أي عمل إرهابي يهدد مجتمعنا، وعلينا جميعا حكومة ومجتمع مدني، العمل معا من أجل التخلص من هذه الآفة المدمرة، وتكثيف حملات التوعية للكشف عن مخاطرها وتداعياتها الصحية والنفسية منذ الصغر، وإن انزلق الشخص في عالم المخدرات، علينا دعمه للخروج من هذه الدوامة المميتة، ونضمن عدم سقوطه فيها مرة أخرى. فالمدمنون على المخدرات ضحايا وليسوا مجرمين ، وعلى الجميع مسؤولية احتضانهم لا نبذهم من المجتمع.
ويصادف 26 حزيران طبقاً لقرار الأمم المتحدة الصادر عام 1989 اليوم العالمي لمكافحة إساءة إستخدام المخدرات والإتجار غير المشروع بها.
ربى ابو فاضل - "الديار"
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|