ميقاتي من الأسد إلى الشرع
عاد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي السبت الماضي إلى بيروت آتيا من دمشق بعد زيارة استمرت لساعات. وأبدى ارتياحاً، إذ في أغلب الظن، إنها المرة الأولى منذ زمن طويل حين لم يحتج ميقاتي لتعداد أصابع يده كي يتأكد أنه لم يفقد إحداها. ويعلم كثيرون أنّ تعبير “عدّ الأصابع” المجازي هو لتوصيف من جرت مصافحته والذي اعتاد على الاستيلاء على مقتنيات الطرف الآخر في المصافحة.
اعتاد لبنان لأكثر من نصف قرن على تصرف حكام دمشق من أعلى الهرم إلى أدناه على أساس أنّ هذا البلد “الشقيق” مكان للكسب السهل. وامتاز النظام الأسدي من حافظ إلى بشار بأنه يتطلع إلى كل زائر من لبنان على أساس أنه من سلالة بابا نويل. ولا يعقل أن يكون هذا الزائر وصل إلى عرين هذا النظام من غير هدايا. وتتراوح هذه الهدايا بدءاً من جديدة يابوس الشرقية (اول نقطة الحدود الشرقية بين لبنان وسوريا) بربطة خبز يتسابق رجال الامن الى الحصول عليها ، وبين سيارة فاخرة من آخر موديلات سيارات العرض في معارض بيروت، يجري قيادتها عن طريق “الخط العسكري” الحدودي بين البلديّن.
سيطول المجال لراوية زمان النظام الراحل ، كما ستطول حكايات هذا النظام مع لبنان. وسيكون من المفيد الان سماع حكاية زيارة ميقاتي لدمشق التي قيل انها الأولى منذ أعوام طويلة.
أطل ميقاتي في المؤتمر الصحافي المشترك مع قائد الإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع، قال:” عبرنا للسيد الشرع عن تمنياتنا لسوريا وشعبها بالسلام والاستقرار بعد سنوات شهدت حروبا طويلة”.
ونسأل:هل كانت مشكلة سوريا “حروب طويلة”، كما صرّح ميقاتي؟ ما نعلمه ان آخر حروب سوريا التي بنى حافظ الأسد بفضلها حكمه هي حرب عام 1973 والتي كوفئ بفضل احترام الأخير لما انتهت اليه من اتفاق لوقف النار حتى فرار ابنه بشار الشهر الماضي من سوريا.
كانت هناك فقط حرب واحدة قبل 52 عاما .فكوفئ بفضلها الأسد الاب ومن بعد الابن ، نتيجة اخلاصهم للاتفاق مع إسرائيل التي مضت قدما في ضم الجولان السوري المحتل الى الدولة العبرية.
وتمضي الحكاية التي غيّر ميقاتي مسارها. فعبّرت إسرائيل عما كانت تكنه من ود لنظام الأسد. فسارعت في اليوم نفسه الذي فرّ فيها بشار من سوريا الى نزع العوائق الحدودية ثم التمدد في القنيطرة مع تدمير ما استطاعت اليه سبيلا من مخازن أسلحة النظام السابق. وكأنها تقول:” كنا نثق بنظام الأسد وما راكمه من سلاح الذي كان من اجل اخضاع سوريا لحكمه وليس للتقدم شبرا نحو الجولان المحتل. والشهادة لله، ان الأسد كان في منتهى الأمانة لتثبيت الهدوء على الحدود الجديدة التي افضت اليها حرب 1973 بأن اصبح الجولان ضمن أراضينا”.
بدا واضحا ان ميقاتي غير قادر على الاطلاق ان يستبدل كلمة “حروب” بكلمة “استقرار” فرضه نظام الأسد على سوريا ، فتحوّل الأخير الى شن حرب على لبنان بدءا من العام 1976 بتفويض أميركي إسرائيلي كي “يضبط” امبراطورية السلاح الفلسطيني التي تزعمها ياسر عرفات (أبو عمار). وتناسلت هذه الحرب حروبا على لبنان من كل حدب وصوب، وكان الأسد خلالها يتمتع بنهش لبنان بكل ما اوتي من قوة.
كان صعبا ولا يزال على ميقاتي، ان يروي على مسامع الشرع حكاية آل ميقاتي مع حافظ الأسد ولاحقا مع بشار. ويعرف القاصي والداني ان هذه الحكاية أوصلت ميقاتي الى ما وصل اليه ، أي الى اعلى هرم الموقع السني في النظام اللبناني . وتمتع ميقاتي في الوقت بفطنة مشهودة كي يقفز من سفينة الأسد عندما كانت الأخيرة على وشك الغرق منذ اكثر من عقد.
ستكون الحكاية ممتعة جدا لو كان ميقاتي من نوع المسؤولين الذين يدونون مذكراتهم كي نطلع على ما يرد حول العلاقات بين الأسد والدا وولدا وبين جميع من نعموا بالسلطان في لبنان.
نأمل ان نقرأ في يوم من الأيام ما سيكتبه ميقاتي او سواه من اقرانه المستور من حكاية نظام الأسد في لبنان.
في المقابل، بدا ان الشرع الذي يقود تغيير سوريا اليوم على دراية بعناوين رئيسية في هذه الحكاية عبّر عنها في مؤتمره الصحافي المشترك مع ميقاتي. ووردت على لسان الشرع عبارة افصحت عن اطلاعه على ما تيسر من حكاية نظام الأسد مع ساسة لبنان . وجاء في هذا العبارة التي كانت في مستهل المؤتمر الصحافي المشترك : “نرجو من الشعب اللبناني ان يصرف عن نفسه ذهنية العلاقة السورية السابقة في لبنان”. وحملت هذه العبارة معنى واضحا ان حاكم سوريا الجديد على دراية ما كانت عليه علاقات حكام لبنان الذين تسابقوا على نيل ود حاكم سوريا السابق.
مارس الشرع حسن الضيافة خلال زيارة ميقاتي. واحتاط في الوقت نفسه ، لحقل الألغام اللبناني الذي ما زال محشوا بعبوات النظام الاسدي. وخاطب ميقاتي بتهذيب فائق قائلا:” ستقف سوريا على مسافة واحدة من الجميع في لبنان…اننا نتطلع الى وجود حالة مستقرة في لبنان بوجود فخامة الرئيس جوزاف عون او دولة الرئيس في حال اعيد تكليفه مجددا”.
المح الشرع الى ان مستقبل العلاقات مع لبنان على مستوى الحكم ستكون مع الرئيس جوزاف عون والرئيس الجديد للحكومة . وكأن الشرع بقوله ان ميقاتي “في حال اعيد تكليفه مجددا” ، مارس تقاليد الضيافة التي تشير من دون تصريح الى كلمة “وداعا” او “اللقاء مجددا”.
نرجو من ميقاتي ان يسمعنا ما لم نسمع بعد من حكايته مع الأسد.
أحمد عياش -”هنا لبنان”
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|