العبرة لمن يعتبر
كثيرون يتوهمون أنهم كانوا وراء الإنقلاب الكبير في المشهد السياسي اللبناني، كثيرون يعتقدون أنهم من بادروا لإحداث هذا التغيير، لكن ما فات هؤلاء أنهم لم يعيدوا قراءة التقلبات والتغييرات الجذرية التي حصلت في لبنان وقد إنقضى نصف قرن على بداية الحرب المشؤومة في تاريخ لبنان.
مر لبنان بحقبات مختلفة ومتنوعة وإنقلبت المقاييس رأسا على عقب، وبرم دولاب السلطة والنفوذ على العديد من الجهات والأطراف السياسية منها أو المذهبية، والنتيجة واحدة، دولاب يدور وتختلف المواقع من الأعلى الى الأسفل، ومن الأسفل الى الأعلى، ونتيجة لهذا الأسلوب في القبض على السلطة، من الطبيعي أن يكون الجميع خاسرين وأولهم لبنان كدولة ومؤسسات.
الموضوعية والواقعية تحتم علينا قراءة المشهد السياسي بتجرد كامل، صحيح ولأول مرة تنعكس الإرادة الشعبية بغالبيتها الساحقة عبر مجلس النواب بإنتخاب رئيس الجمهورية وإختيار رئيس الحكومة وكلاهما أتيا من خلفية أكاديمية وغير حزبية، ومن دون إرث جماهيري، فرئيس الجمهورية العماد جوزاف عون أتى من الأكاديمية العسكرية، ورئيس الوزراء المكلف القاضي نواف سلام أتى من الأكاديمية الدبلوماسية والقضائية.
ما جمع بينهما هو نظافة الكف والإستقامة وهذا هو منطلق التأييد الشعبي لهما، حتى أن هنالك رأي عام محزب في لبنان أيدهما بالرغم من أنهما من خارج الأندية الحزبية وهذه ظاهرة يجب التوقف عندها. ولهذا فإن البعض يرى أنه في هذا الإختيار هو محاولة لإنقاذ لبنان، وهذا يؤكد على أن من تولى السلطة ومن شارك في السلطة لم يقدم النموذج الأفضل في ممارساته على أرض المواقع من خلال المهام الموكلة إليه بها، وهذا بالظبط ما لمسناه في الإنتخابات النيابية الأخيرة إذ أن جزء من المواطنين والذين صوتوا لمرشحي المجتمع المدني ليس إقتناعا بهم بل كرها بالأحزاب التي لم تقدم أفضل ما لديها في تولي السلطة.
دور الأحزاب هو ضرورة حتمية في الحياة السياسية لتطوير البلاد وتقدمها، ولكن هذا لا يتم من خلال إختيار بعض الذين تحوم حولهم شبهات فضائح وفساد، أو عدم كفاءة مهنية، فكل حزب لديه كوادر وطاقات وعلى مستوى راق جدا وأصحاب كفاءة، من هنا يجب إختيارهم في التمثيل الحكومي ليكونوا نخبا تتلاقى مع المستوى المتقدم الذي وصل إليه لبنان في التمثيل السليم لرئاستي الجمهورية والحكومة والذي يلاقي قبولا وإرتياحا خارجيا سنلمسه قريبا في تقديم المساعدات للبنان للخروج من أزمته الإقتصادية وإعادة بناء ما تهدم جراء العدوان الإسرائيلي.
أما فيما خص حزب الله، فالكلام الذي صدر على لسان النائب محمد رعد لا يصب في مكانة ومصلحة حزب الله تحديدا، فالمطلوب هو إستيعاب المتغيرات التي حصلت والقبول بنتائجها من حيث القبول بأن حزب الله أصبح شريكا في الوطن مثله مثل كافة الأحزاب في لبنان، ولم يعد ممسكا بكافة الملفات الكبيرة والصغيرة منها، وأنه لم يعد ممسكا بأدوات الحل والربط، وعليه إستيعاب الأصوات التي بدأت تجاهر علنا من ضمن بيئته على أن القدس ليست من مسؤوليتهم وحدهم، وكفاهم قتل وتدمير وإعادة بناء في قراهم وبلداتهم.
ما حصل من تغيير لا يمس الشيعة بصلة، فالطائفة الشيعية لها كل التقدير والإحترام، والخيارات السياسية التي إعتمدها حزب الله منذ تأسيسه لا تمثل كافة الشيعة، من هنا عودة حزب الله إلى كنف لبنان والإبتعاد عن مصالح إيران هو المطلوب والمرتجى لإستكمال قيام الدولة.
لدى كافة الأطراف السياسية في لبنان مهلة سنة ونصف للتمعن جيدا بكافة التغييرات التي حصلت، فالإنتخابات النيابية القادمة لا مجال فيها لشد العصب إستنادا لذكريات الماضي، فالجيل الحالي والأجيال القادمة تتطلع إلى الأمام وتشاهد ما يحدث في العالم المتطور والمتقدم وما نعيشه في بلادنا، وبالتالي لا مفر من ممارسة الديمقراطية السليمة، ولا مهرب من إظهار أصحاب الكفاءة العالية والإستقامة والكف النظيف، ويجب ممارسة النقد البناء لكل المواقف التي اتخذت والأدوار التي لعبت، التاريخ لن يرحم وتبقى العبرة لمن يعتبر.
وسام القاضي
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|