الصحافة

الغضب الساطع آتٍ

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

يتسلّم الرئيس الأميركي المُنتخب دونالد ترامب مفاتيح البيت الأبيض اليوم، بعد قسمه اليمين داخل قاعة "الروتوندا" المستديرة في مبنى الكابيتول وسط الصقيع القارس. بيد أن يومه الأوّل داخل المكتب البيضوي سيكون حامياً للغاية بكلّ المقاييس السياسية بعكس الأجواء الباردة، إذ ينوي ترامب التوقيع على عدد قياسي من "الأوامر التنفيذية"، تبدأ بمكافحة الهجرة غير الشرعية ولا تنتهي بإعادة تصويب مسار "الحرب الثقافية" لمصلحة المحافظين. كما أن أجندة ترامب الحافلة وسياساته، ستعيد تشكيل علاقات واشنطن مع الدول الحليفة والعدوّة على السواء، وستفرز موازين قوى جديدة في النظام الدولي.

تجسّد الصورة الرسمية لترامب التي تُظهر ملامح الحزم والبأس على وجهه، "صورة مصغّرة" لما ستكون عليه ولايته الثانية، التي "تعصف" برياح التغيير قبل انطلاقها. الرئيس المقبل سجّل أبهى "عودة سياسية" في التاريخ الحديث، ويحمل معه "غضباً ساطعاً" على "أعداء الداخل"، كما يحلو له توصيفهم، وعلى كلّ من سيتجرّأ على تحدّي برنامجه والوقوف في وجه رؤيته، داخلياً وخارجياً. يُريد الرجل الاستثنائي الذي نجا من محاولتي اغتيال، استكمال تحقيق ما عجز عن اتمامه في ولايته الأولى وإنجاز "طموحاته المُحدّثة" الكفيلة، إن أبصرت النور، بإدخاله التاريخ كأحد أعظم قادة "العالم الحرّ" والوريث السياسي الأصيل للآباء الأميركيين المؤسّسين.

سيُسارع ترامب إلى وضع وعوده الانتخابية موضع التنفيذ، وهو المعروف برجل "الوعود الصادقة" أمام مؤيّديه، وحتى خصومه الذين يتوجّسون من "ولاية ترامبية" أشدّ يمينيّة من الأولى. أحاط الرئيس الـ47 القادم نفسه بـ "صقور" حركة "ماغا" الموالين له ولنهجه، ليضمن ولاءهم وليُعطي دفعاً هائلاً لعهده، خصوصاً خلال أوّل 100 يوم من رئاسته. عيون المراقبين شاخصة نحو "قيصر الحدود" توم هومان، "سيف" ترامب المصلت فوق رؤوس المهاجرين غير الشرعيين، الذي من المرتقب أن يؤدّي دوراً محورياً في الإشراف على أكبر حملة ترحيل جماعي في تاريخ البلاد. وهذه العملية ستنطلق في العديد من المدن بمجرّد أن تطأ قدما ترامب عتبة البيت الأبيض.

يعتزم ترامب إعلان حال الطوارئ الوطنية، ما يُسخّر له موارد البنتاغون لتسهيل تحقيق مبتغاه بحملة ترحيل واسعة. لكن تعهّده بإلغاء حق المواطنة بالولادة، يبقى صعب المنال بحكم أنه "محصّن" بموجب الدستور الأميركي. سيعفو ترامب عن مناصريه الذين هاجموا مبنى الكابيتول وسيشنّ حرباً لا هوادة فيها على جنون "التحوّل الجنسي" بكلّ مظاهره، وستعترف إدارته بجنسَين فقط، الذكر والأنثى، فيما "سيُجهض" كلّ ما له علاقة بإيديولوجية "الووك" الهدّامة، وسيمنح شركات التكنولوجيا العملاقة "خطاً مباشراً" مع البيت الأبيض. كما سيُلغي سياسات سلفه المناخية وسيُطلق يدي كبرى الشركات لاستخراج النفط والغاز، تحت شعار "أحفر يا عزيزي أحفر"!

الاقتصاد كان عاملاً حاسماً في فوز ترامب على منافسته كامالا هاريس وما تمثله كونها نائبة للرئيس جو بايدن، إذ لم تستطع إدارة بايدن - هاريس كبح جماح التضخّم، الذي "كسر ظهر" الطبقة الوسطى، ولم تعالج ارتفاع أسعار المنازل، الذي أنهك العائلات وحطّم أحلام الشباب. لذا، ينتظر الأميركيون من ترامب تحسين قدرتهم الشرائية من جديد، إلّا أن بعض الخبراء يتخوّفون من أن تنعكس "الحروب التجارية"، التي قد تندلع إذا ما رفع ترامب الرسوم الجمركية على شركاء بلاده وخصومها كما توعّد مراراً، سلباً على الحياة اليومية لدافعي الضرائب الأميركيين، بينما يُراهن خبراء آخرون على حنكة ترامب التفاوضية للحصول على تنازلات سريعة تلبي شروط "العم سام" ومصالحه.

سينتهج ترامب مقاربة دولية ترتكز على مبدأ "السلام من خلال القوّة". يعرف "رجل الصفقات" يقيناً أن القوّة هي "حجر الزاوية" في تحديد التوازنات الاستراتيجية بين مختلف القوى على المسرح العالمي. القوّة تحسم الحرب، وحتى تمنع اندلاعها، فضلاً عن أنها تبرم "الصفقات الرابحة" لصاحبها. حرّك ترامب "المياه الراكدة" في أكثر من ملف خارجي، من التزامه بوضع حدّ للغزو الروسي لأوكرانيا، وتحفيزه دول "الناتو" على زيادة انفاقها الدفاعي، مروراً بمساهمته بنجاح وقف النار في غزة وتهدئة التوترات الشرق أوسطية، وصولاً إلى تهديده باستعادة سيطرة بلاده على قناة بنما، وتجديد رغبته بشراء غرينلاند، إضافة إلى تكرار حديثه عن ضمّ كندا وتغيير اسم "خليج المكسيك" إلى "خليج أميركا".

سيُحاول الرئيس الجمهوري القادم إعادة ترتيب العلاقات مع الصين، العدوّ الجيوسياسي رقم واحد لأميركا، على أسس تراعي اعتبارات الأمن القومي الأميركي. ويبدو أنه يُخطّط لزيارة "بلاد التنين الأصفر" في بداية عهده، لـ "دوزنة" المنافسة بينهما باكراً، من ملفات "الفنتانيل" و"تيك توك" إلى التجارة وتايوان، حرصاً على السلام والأمن الدوليَين واستقرار الاقتصاد العالمي. لكن المصيبة تكمن في حال فشل مسعى ترامب لتحقيق "السلام من خلال القوّة". صحيح أن الرئيس المُنتخب فرض على إسرائيل و"حماس" القبول باتفاق لوقف النار قبل تسلّمه مقاليد السلطة، بيد أنه قد يواجه أحداثاً وقضايا بالغة الخطورة خلال ولايته، ستحتم عليه اتخاذ قرارات صعبة لا يُحبّذها وتهدّد باندلاع حروب جديدة.

على الرغم من أن تركيز واشنطن ينصبّ على منطقة المحيطَين الهندي والهادئ، إلّا أن ترامب سيُعطي الشرق الأوسط اهتماماً كبيراً، بغية توسيع نطاق "اتفاقات أبراهام" لتضمّ أكبر عدد ممكن من الدول، مع نضوج ظروف مؤاتية توفرت بفِعل تقطّع أوصال "الأخطبوط الإيراني" وانهيار "إمبراطورية فيلق القدس". سيضع ترامب ثقله وسيستخدم كلّ ما لديه في "جعبته" من أدوات كرئيس للولايات المتحدة، لإنجاح التطبيع بين السعودية وإسرائيل، الأمر الذي سيجعله المرشّح الأوّل لنيل جائزة "نوبل للسلام"، العزيزة جدّاً على قلبه. يطمح ترامب إلى ترك رئاسته بعد أربع سنوات أفضل مِمَّا استلمها على الصعيدَين الداخلي والخارجي، فهل ينجح في رهانه؟ وهل يفلح بقيادة السفينة الأميركية بلا حروب كما فعل في ولايته الأولى، وسط الأمواج العاتية لتضارب مصالح "الكبار"؟ الأكيد أن المعمورة دخلت في "عصر ترامب"، الذي سيترك بصماته لأجيال قادمة.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا