عربي ودولي

المفقودون في سوريا: شبح المقابر الجماعية وارتباك الحكم الجديد

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

صبيحة سقوط نظام الأسد، وانتصار ثورة الشعب السّوريّ في الثامن من كانون الأوّل الفائت، وقف السّوريّون أمام اليوم المُنتظر -الذي أتى بسرعةٍ فاقت كل التّوقعات- وطرحوا سؤالًا جوهريًّا: ماذا نفعل بعد التحرير؟ وإن كان يبدو السّؤال بديهيًّا في الظاهر ويرتبط مباشرةً بالشأن السّوريّ، إلّا أنّه يتدرّج ضمن مشروعٍ أوسع من الحدود السّوريّة، مطلب "العدالة الإنتقاليّة" للسّوريين وكل المتضرّرين من النظام السّوريّ في سوريا وخارجها، والذي حملت الحكومة الإنتقاليّة السّوريّة مسؤوليته إبان تسلّمها السّلطة. اليوم، يعود هذا المطلب إلى الواجهة، على إيقاع المطالبات السّوريّة واللّبنانيّة وغيرها بإيجاد حلٍّ للوضع المُعقّد الذي يعيشه أهالي المفقودين والمخفيين قسرًا.

في فيديو مصوّر نُشر منذ اليومين على منصات التّواصل الاجتماعيّ، طرحت الناشطة الحقوقيّة وفا مصطفى جملةً من الأسئلة الّتي أشعلت أوار الحديث مُجدّدًا حول قضية المخفيين قسرًا والمفقودين في سوريا، شبه المنسيّين. في الفيديو، انتقدت مصطفى غياب الجهود الحكوميّة في سوريا لمعالجة قضية المفقودين، وتحديدًا غياب أي لقاءاتٍ مع عائلات المعتقلين، في الوقت الذي شهدنا فيه لقاءً بين قائد إدارة العمليات أحمد الشرع ووالدة الصحفيّ الأميركيّ أوستن تايس المعتقل في سوريا. ليُظهّر الفيديو المفارقة المُحزّنة، الّتي تتطغى على المشهديّة العامّة للقضيّة، وخصوصًا بشعور غالبية الأهالي السّوريين ومن مختلف الجنسيات العربيّة بالخذلان والإقصاء، مضافًا إلى شعورهم بفقدانٍ، لا حلَّ ولا ختام ناجزَين له، ما دام أهالي المفقودين لم يحصلوا على إجاباتٍ شافية حتّى اللحظة، وما داموا لم يروا مفقوديهم وقد عادوا أحياءً، وما داموا لم يتسلموا رُفاتهم أمواتًا. لتُضطّر هذه العائلات وحتّى بعد التحرير الكبير، إلى معايشة اللايقين حول مصير ذويها ومعايشة الحلقة المُفرغة من المطالبة. في وقتٍ تسعى فيه الحكومات الأجنبيّة لمعرفة مصير مواطنيها، بل ويُتاح لها الاجتماع بالسّلطات السّوريّة.

أزمةٌ إنسانيّة متناسلة
تُعد الإحصائيات الرسميّة الخاصّة بعدد المفقودين في سوريا واحدةً من أكبر التحديات في هذه القضية. حتّى اللحظة لا توجد أرقام رسمية دقيقة توضح العدد الفعليّ للأشخاص الذين تمّ إخفاؤهم قسرًا منذ العام 2011. وتشير المنظمات الحقوقيّة المحليّة والدوليّة إلى أرقامٍ تتراوح بين 112 ألفًا و152 ألفًا من المفقودين. وتُقدر هذه المنظمات أن أكثر من 90 بالمئة من هؤلاء الأشخاص هم ضحايا سياسة الإخفاء القسريّ الّتي اعتمدها نظام الأسد المخلوع. كما وأن هناك جزءًا واسعًا من هؤلاء المفقودين وقعوا ضحية لاختطافهم من قبل قوى أخرى، مثل تنظيم "داعش"، و"قسد"، و"هيئة تحرير الشام"، وغيرها من الفصائل المسلّحة الّتي كانت تحارب في سوريا. وبالرغم من هذه الأرقام، فإن الفجوة الكبيرة بين الواقع والإحصائيات تجعل من الصعب الوصول إلى إجابةٍ دقيقة حول العدد الحقيقيّ للمفقودين.

في مقابل ذلك، يُشير مدير مركز "سيدار" للدراسات القانونيّة والمحامي محمد صبلوح، أنّه وبحسب بعض الإحصائيات، يقال إن عدد المفقودين من اللبنانيين منذ عام 1982 يصل إلى أكثر من سبعة عشر ألف شخص. لكن، البيانات الّتي تمّت معالجتها لدى الهيئة الوطنيّة للمفقودين تشير إلى 622 شخصًا فقط. وهذا يعني أن هناك حاجة ملحة لمعالجة هذه الملفات بشكلٍ جديّ وتحديث قاعدة البيانات، خصوصًا بالنسبة للمفقودين في السجون أو في أماكن أخرى.

وتعتبر المقابر الجماعيّة أحد الأدّلة الرئيسيّة على الانتهاكات الّتي تعرض لها المعتقلون والمفقودون في سوريا. هذه المقابر الّتي بدأت في الظهور منذ عام 2012، لا تزال تشكل جزءًا من الإبهام المستمر الذي يلف مصير عشرات الآلاف. وبعد إسقاط نظام الأسد، تمّ اكتشاف العشرات من المقابر الجماعيّة في مختلف المناطق السّوريّة، ولا تزال عملية الحفر واكتشاف المزيد مستمرة.

دور الحكومة الانتقاليّة
في حديثها إلى "المدن"، تتطرق الناشطة الحقوقيّة السّوريّة سيلين قاسم، إلى موضوع المفقودين وملف العدالة الانتقاليّة في سوريا، حيث أكدّت أن من أبرز التّحديات الّتي واجهتها هي وفريقها بعد سقوط النظام في دمشق كانت تتعلق بتوثيق المقابر الجماعيّة والمعتقلين. في الأسبوع الثاني من سقوط النظام، وبينما كان الوضع لا يزال غير مستقر، كان لديها العديد من الأسئلة والتخوفات حول مصير الوثائق المتعلقة بالمفقودين. تقول قاسم: "سألنا المكتب السّياسيّ لدى لقائنا به، وبشكلٍ مباشر: ماذا ستفعلون بشأن هذه الوثائق؟ ماذا ستفعلون بشأن المفقودين؟". الإجابة كانت أن "هذه القضايا بحاجةٍ إلى اهتمام خاص، والحكومة الجديدة كانت تواجه تحديات أكبر تتعلق بالاستقرار والأمن في البلاد".

وتضيف قاسم: "شرحنا لهم أننا نحتاج إلى تسريع العمل على العدالة الانتقاليّة، لأنّه إذا لم تُتخذ خطوات ملموسة، فإن الأمور قد تنفجر. كان هناك قلقٌ حقيقيٌّ من أنّ يخرج أهالي المعتقلين والمفقودين إلى الشوارع للانتقام بأنفسهم إذا لم يحصلوا على إجابات."

وهذا ما يتفق عليه المحامي صبلوح، الذي أكدّ أنّه، وفي زياراته إلى دمشق بعد التحرير، كان يتلقى العديد من الاستفسارات من أهالي المفقودين وتحديدًا اللّبنانيين الذين كانوا يبحثون عن إجاباتٍ بشأن مصير أبنائهم. قائلًا: "كان واضحًا أن كل من لم يُعثر عليه يُعتبر في حكم الميت أو الشهيد". وبدوره، كان صبلوح يفكر في كيفية جمع البيانات والتواصل مع الجهات المعنية في سوريا لتحديد مصير كل شخص مفقود. لكن الأمر لم يكن بهذه السهولة، حيث واجه صبلوح صعوبةً كبيرة في الحصول على المعلومات بسبب فقدان عددٍ كبير من الملفات في خضّم فوضى التحرير، ممّا عطل جهود التوثيق.

العمل على العدالة والضغط على الحكومة
تُضيف قاسم أن أحد الحلول المقترحة كان فتح بنوك الـDNA لجمع عينات من جميع العائلات التي لديها مفقودين، وهو ما يتطلب تنسيقًا مع الجهات المعنية. تؤكد قاسم أن هذا العمل سيأخذ وقتًا طويلاً لكنه ضروري لتحديد هوية الضحايا في المقابر الجماعية. في المقابل، يرى صبلوح أن هذه الخطوات تحتاج إلى تعاونٍ حكومي جاد، حيث أن الحكومة السّوريّة كانت مشغولة بأمور أخرى تتعلق بالاستقرار الداخليّ، مما جعل قضية المفقودين ليست من أولوياتها.

"في البداية، كانوا يخشون تحميلهم المسؤولية المباشرة في هذا الملف"، تضيف قاسم، مشيرةً إلى أنّ الحكومة كانت حذرة من فتح هذا الملف خوفًا من ردود فعل عنيفة من قبل العائلات. قائلةً: "إذا كنا نتحدث بواقعية، فالحقيقة أن غالبية المخفيين قد ماتوا. لكن، أعتقد، في البداية، لم تكن الحكومة السّوريّة الانتقاليّة تُريد أن تقول ذلك حتى لا يجنّ جنون الناس. لكن في المقابل لا يمكنك أن تتوقع من العائلات أن تقبل بهذا، لأنهم بحاجة إلى الإجابة، إلى الحقيقة، نوع من العمل الذي يتمّ حتى يشعروا أن: "حسنًا، هذه هي الحقيقة، وعليّ أن أتقبلها". ويمكن أن يبدأ ذلك بإعطائهم إشارات للعدالة، مثل فتح بنوك الـDNA، والقول إن لديهم هذه الخطة، والقول صراحةً أننا نريد العمل مع المؤسسات، وسنبدأ جمع كل هذه البيانات حتى عندما نفتح المقابر الجماعيةّ، سنكون قادرين على القول، على سبيل المثال، أن ابنك استشهد في هذه المقبرة الجماعيّة .لكن هذا سيستغرق وقتًا طويلاً، وسيستغرق الكثير من العمل".

وهذا ما يتفق عليه صبلوح، الذي يرى أن الحكومة اللبنانية يجب أن تتحرك فورًا للتنسيق مع الجانب السّوريّ لإيجاد حلول واضحة للمفقودين، لاسيما وأن عدد المفقودين اللبنانيين المسجلين لدى اللجنة الوطنية للمفقودين في سوريا بلغ 622، لكن الأرقام قد تكون أعلى بكثير.

دور المجتمع الدولي وأهمية التعاون
من جانبها، تؤكد قاسم على أهمية العمل المشترك بين المنظمات الدولية والمحلية مثل منظمة العفو الدولية، رابطة صيدنايا، والدفاع المدني، من المهم أن تعمل هذه المنظمات معًا لإنشاء نوع من التحالف أو الائتلاف الذي يضم جميع الأطراف المتضررة، بما في ذلك المنظمات اللبنانية والفلسطينيّة وغيرها، لخلق ضغطٍ جماعيّ على الحكومة للبدء في اتخاذ خطوات جديّة تجاه العدالة الانتقاليّة. يجب أن يتحمل الجميع المسؤولية في هذا الملف، لأن المفقودين في سوريا ليسوا فقط قضية سوريّة فقط، بل قضية إنسانيّة يجب على المجتمع الدولي التعامل معها بشكلٍ جاد"، تقول قاسم.

تُضيف: "يجب أن ندرك أن قضية المفقودين في سوريا هي قضية ضخمة ومعقدة، والأرقام تتحدث عن نفسها. الحديث عن 100,000 مفقود هو الحد الأدنى فقط. قد تكون الأرقام الحقيقية أعلى بكثير مما كنا نعتقد. شخصيًا، رأيت بأم عيني المقابر الجماعية التي لا تزال تُحفر حتى اليوم. وكلما حاولنا التفكير في العدد الفعلي، كان من الواضح لنا أن ما نراه هو فقط رأس الجليد".

اللقاء المرتقب مع ذوي المفقودين
إلى ذلك، علمت "المدن" من مصادرها في إدارة العمليات العسكريّة أن لقاءً قريبًا سيجمع الإدارة بذوي المفقودين. هذا اللقاء كان قد تأخر بسبب فوضى التحرير وحاجة الإدارة لتنظيم أعمالها. رغم ذلك، يعتبر هذا اللقاء خطوة إيجابية نحو تحريك هذا الملف، وهو ما يمكن أن يساعد في فتح قنوات للتعاون بين مختلف الأطراف المعنية. وفي سؤالها عن قضية اللّبنانيين والفلسطينين المخفيين أكدّت المصادر، أن قضية المفقودين هي واحدة وجامعة وسيتمّ معالجتها في سياقها هذا.

بتول يزبك - المدن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا