الاقتصاد السوري من القيود الصارمة الى الانفتاح
بعيد سقوط الرئيس السوري بشار الأسد، أخرج يوسف رجب البضائع الأجنبية المخبأة وعرضها في واجهة متجره بدمشق، في مشهد غير مألوف يعكس انتهاء قيود صارمة فرضت لعقود.
وفي العديد من ساحات العاصمة السورية وشوارعها، انتشر صرّافون وباعة عبوات الوقود والمازوت، مستفيدين مما يعتبره خبراء “فوضى” في الدورة الاقتصادية خلال المرحلة الانتقالية التي تقودها الادارة الجديدة.
وكانت السلطات في عهد الأسد تحتكر مصادر المواد الاستهلاكية والمحروقات والأجهزة الكهربائية، وتحصرها برجال أعمال مقرّبين منه. كذلك، كانت تفرض إجراءات عقابية في حق كل من يتعاون مع مصادر أخرى أو يحاول استيراد بضائع أجنبية أو يتعامل بغير الليرة السورية.
وبدّل التجار من عاداتهم بين ليلة وضحاها عقب سقوط الأسد في الثامن من كانون الأول الماضي إثر هجوم لفصائل معارضة تقودها “هيئة تحرير الشام”.
وبعدما اعتاد رجب أن يخبئ البضائع الأجنبية في سلال المهملات أو أماكن مخفية في متجره الاستهلاكي بوسط دمشق، بات يعرضها بكل راحة.
ويقول التاجر البالغ 23 عاماً لوكالة “فرانس برس”: “بعد يوم واحد من سقوط النظام، أخرجت كل البضاعة الأجنبية المخبأة ووضعتها على الواجهة من دون خوف”.
ويضيف: “لم يكن الشعور مألوفاً، لكن كنت سعيداً للغاية”، وهو يعرض في متجره للمرة الأولى منتجات مثل ألواح بسكويت أجنبية ودخان مستورد وعبوات شامبو.
بين العقوبات التي فرضتها دول غربية على دمشق بعد اندلاع النزاع عام 2011، وقيود السلطات داخلياً، عانى السوريون على مدى العقد المنصرم من أزمات معيشية مزمنة وفقر مدقع طال كثيرين.
وخلال النزاع، لجأ التجار الى طرق مختلفة لإدخال البضائع، إما بتهريبها عبر الحدود مع لبنان، أو تخليصها جمركياً عبر وسطاء مقرّبين من عائلة الأسد، في مقابل دفع مبالغ باهظة.
ومع أن التجار باتوا قادرين على بيع ما يحلو لهم متى توافر، الا أن بعضهم يشكو غياب الانضباط في الأسواق.
ويوضح رجب “صحيح أن هناك حرية تجارية كبيرة الآن لكن أيضاً هناك فوضى”.
وكان وزير الاقتصاد في الحكومة الانتقالية باسل عبد الحنان قال في تصريحات صحافية سابقة إن “الاقتصاد في سوريا القادمة سيكون حراً تنافسياً مع تطبيق سياسات حماية المنتج المحلي، للتركيز على القطاع الصناعي ودعمه بشكل كبير لتحفيزه، بالاضافة الى دعم القطاع الزراعي وحمايته”.
ولم تحدد السلطات بعد إجراءاتها الاقتصادية، باستثناء خطوات محدودة منها فرض رسوم جمركية على السيارات.
“نعناع… بقدونس… دولار”
ويقول الباحث والأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق عدنان سليمان لـ”فرانس برس” إن “النموذج الاقتصادي الذي كان قائماً قبل سقوط النظام… كان اقتصاد سوق حر إلا أنه لا يشتغل وفق آليات اقتصاد السوق الحر”، موضحاً أن “الآليات كانت مشوّهة، فبدل المنافسة، كان سائداً الاحتكار”.
ويشير الى أن النموذج الجديد الذي لم يتبلور بعد فيه “استمرار من النموذج القديم”، أضيفت إليه “حالة من اقتصاد السوق الحر المفتوح… بمعنى أنه لا وجود لضوابط”، متحدثاً عن “مزيج من حالة الفوضى الاقتصادية”.
يلمس السوريون بعض مظاهر هذه “الفوضى” في الشوارع الرئيسية.
فقد بات مألوفاً رؤية الكثير من الأشخاص في الشوارع والساحات ومعهم رزمات من الليرة والدولار الأميركي وهم ينادون بصوت مرتفع “صرّاف… صرّاف”.
وكانت مزاولة الصرافة بصورة علنية محظورة خلال حكم الأسد، ويمكن أن تؤدي الى السجن سبع سنوات وغرامات باهظة.
ويوضح الصرّاف أمير حليمة “هذه المهنة لم تكن موجودة، وكان يعمل بها البعض بالخفاء، لذا كنّا نرمّز للدولار بتسميات وهمية مثل النعناع أو البقدونس أو أي نبات أخضر”.
ويُضيف الشاب البالغ 25 عاماً وهو جالس خلف طاولة صغيرة في الشارع وضعت عليها لافتة “صرّاف” وآلة لعدّ النقود: “انفتح سوق الدولار بشكل كامل… تحرّر سعر الصرف وتحرّر الصرّافون”.
ويراوح سعر الصرف راهنا بين 11 ألفاً و12 ألف ليرة في مقابل الدولار، علماً أنه وصل الى ثلاثين ألفاً عشية إسقاط الأسد. وقبل النزاع، كان الدولار يساوي حوالى خمسين ليرة، الا أن العملة تهاوت بشكل تدريجي وفقدت أكثر من تسعين في المئة من قيمتها.
وقال وزير الخارجية السوري أسعد الشبياني في كلمة خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس الأربعاء: “ورثنا دولة منهارة من نظام الأسد، لا نظام اقتصادياً فيها”، معرباً عن أمله في أن يكون “اقتصاد المستقبل (في سوريا) مفتوحاً”.
حاجة الى “ضوابط”
وتغيّر الوضع على صعيد بيع المحروقات كذلك. وبعدما كان ذلك حكراً على السلطات، يتوزع بائعو عبوات البنزين والمازوت على أنحاء العاصمة حيث بدأت تنتشر السيارات الحديثة التي كان استيرادها مقيّداً في العهد الماضي.
وطالب مسؤولو الادارة الجديدة برفع العقوبات بعد سقوط الأسد، لكن القوى الغربية ربطت تخفيف العقوبات بالنهج الذي ستعتمده السلطات الجديدة.
وفي السادس من كانون الثاني، أصدرت الخزانة الأميركية ترخيصاً جديداً لتوسيع الأنشطة والمعاملات المسموح بها مع سوريا خلال الأشهر الستة المقبلة، “للمساعدة في ضمان عدم عرقلة العقوبات للخدمات الأساسية واستمرارية وظائف الحكم في كل أنحاء سوريا”.
وتعاني البلاد من نقص في المحروقات وانقطاعات طويلة في التيار الكهربائي قد تصل الى 20 ساعة يومياً.
ويرى سليمان أن النموذج القائم لا يمكن أن يستمر على المدى الطويل، مشيراً الى أن تعهد الحكومة اعتماد نموذج اقتصادي حر “يحتاج الى ضوابط”. ويوضح أن “النظام السابق ترك إرثاً ثقيلاً، وأكبر تحدّ ستواجهه الحكومات القادمة… هو تحدي تمويل التنمية وإعادة الاعمار”.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|