سوريا.. فتيل التوتر ينذر بإشعال قنبلة "سجناء داعش"
تشهد الساحة السورية تصاعدًا حادًا في التوترات السياسية والعسكرية بين الإدارة السورية الجديدة وقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، مما يثير مخاوف من اندلاع مواجهات عسكرية قد تترك تداعيات خطيرة على الأمن والاستقرار في المنطقة.
وتطالب الإدارة السورية الجديدة قوات سوريا الديمقراطية بتسليم أسلحتها والانضواء تحت سلطتها، الأمر الذي ترفضه "قسد"، التي تسيطر على مساحات واسعة في شمال شرق سوريا، في خلاف يعكس تعقيدات المشهد السياسي والعسكري في البلاد.
وأكد قائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، لقناة "العربية" الأسبوع الماضي، أن قواته لم تقرر تسليم السلاح ولا حل نفسها، ولكنها تريد الانخراط في جيش سوريا المستقبل، محذرا من أن أي طريق غير التفاوض في مسألة دمج القوات سيؤدي إلى حدوث مشاكل كبيرة.
في المقابل، قال وزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصرة، في حديثه للصحفيين مطلع الأسبوع الماضي، إن السلطات الجديدة التي تعهدت حل الفصائل المسلحة ودمجها في إطار جيش موحد، تفاوض القوات الكردية، لكنها مستعدة للجوء إلى "القوة" إذا لزم الأمر.
والسجون التي تحتجز فيها "قسد" آلاف المعتقلين من عناصر تنظيم الدولة "داعش" تُعد من الملفات الشائكة، ويثير اندلاع مواجهات عسكرية مخاوف بشأن مصير هؤلاء المعتقلين.
وفي حال حدوث فوضى أو انسحاب غير منظم لقسد، يُخشى أن يفر المعتقلون، مما يشكل تهديدًا أمنيًا كبيرًا ليس لسوريا فحسب، بل لدول الجوار.
وتُثار المخاوف من أن يتمكن تنظيم الدولة من استغلال الفوضى وإعادة تنظيم صفوفه وشن هجمات جديدة، كما حدث في سيناريوهات مشابهة في سوريا والعراق سابقًا، عندما حاول تنظيم الدولة "داعش" عام 2022 تحرير سجنائه من سجن غويران في الحسكة.
وتدير قوات سوريا الديمقراطية "قسد" في مناطق سيطرتها 26 سجنا شرق نهر الفرات تضم 12 ألف سجين، أبرز هذه السجون سجن غويران في الحسكة وفيه 5000 سجين، بالإضافة لسجون ديريك في المالكية والشدادي في الحسكة وجركين في القامشلي.
كما تحتجز قوات قسد الآلاف من عائلات تنظيم الدولة "داعش" في مخيمات احتجاز أبرزها مخيم الهول في ريف الحسكة ومخيم الباغوز في البوكمال.
خطة نقل سجن غويران
وفي محاولة لتقليل المخاطر الأمنية المحتملة في حال اندلاع مواجهات في مناطق سيطرة قسد، برزت تصريحات تشير إلى وجود خطة لنقل معتقلي سجن غويران في الحسكة، الذي يضم الآلاف من معتقلي داعش، إلى العراق.
وتهدف الخطة إلى نقل السجناء العراقيين وغيرهم من حملة الجنسيات المختلفة لمحاكمتهم وفقًا للقانون العراقي، كما تتضمن الخطة نقل سجناء آخرين إلى دولهم الأصلية عبر مراحل متعددة.
ويعتبر العراق سجن غويران والسجون الأخرى الواقعة تحت سيطرة قسد، إلى جانب مخيم الهول، تهديدًا حقيقيًا لاستقراره.
ويخشى العراق من أن تؤدي الهجمات التي تشنها الفصائل السورية على مناطق سيطرة قسد إلى انهيار هذه السجون والمخيم، وعودة تنظيم داعش مجددًا بقوة وزحفه باتجاه العراق.
وحذر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في تصريح لقناة العربية الشهر الماضي، من مخاطر الصراع الدائر شمالي سوريا، وقال إن هذا الصراع يفتح الباب لإحداث خلل في سجون داعش والدخول في مواجهة مع الإرهاب مجددا.
واعتبر السوداني أن الاحتكاك المسلح مع قوات قسد له انعكاسات على مستوى ضبط السجون والمخيمات التي تحتضن الآلاف من الإرهابيين، وأن أي حدث سيحصل في هذه السجون سيجعل الجميع داخل سوريا وخارجها بمواجهة مباشرة مع الإرهابيين.
وأكد عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية العراقية، النائب ياسر إسكندر، وجود خطة يجري بحثها الآن مع عدد من الدول، على رأسها سوريا وتركيا، لإنهاء ملف سجن غويران ومخيم الهول بشكل نهائي.
وقال إسكندر، في حديث سابق لموقع "الحرة"، إن الخطة تتركز على نقل نزلاء سجن غويران العراقيين إلى العراق، ونقل كافة النزلاء الآخرين المتورطين بالقتال إلى داخل البلاد، حتى لو لم يكونوا عراقيين، تمهيدًا لمحاكمتهم وفق القانون العراقي.
ولفت إسكندر إلى أن العراق سيحصل على دعم دولي لبناء سجن ومنشآت كافية لاستيعاب السجناء المنقولين من سوريا.
وأكد الخبير في الحركات الجهادية، حسن أبو هنية، لموقع "الحرة"، أن قضية نقل سجن غويران ليست مؤكدة حتى الآن، لكنها مقترح قديم طُرح من قبل عدة دول ومن الأمم المتحدة، التي تعمل على نقل السجون الموجودة لدى قوات سوريا الديمقراطية إلى العراق، مع إقامة محاكم خاصة للسجناء.
وأوضح أبو هنية أن سجن غويران هو واحد من 26 سجنًا يحتجز فيها سجناء تنظيم داعش، إذ يضم وحده خمسة آلاف سجين، بينما يُحتجز سبعة آلاف آخرون في باقي السجون، بالإضافة إلى ما يُعرف بـ "عوائل داعش"، الذين يقيمون في مخيم الهول، ومعظمهم من النساء والأطفال والأشبال.
وأشار أبو هنية إلى أن هناك مخاوف حقيقية إذا استمرت الاشتباكات بين الجيش الوطني المدعوم من تركيا وقوات قسد غرب الفرات، مشيرًا إلى أن هذه المواجهات قد تتوسع، مما سيؤدي إلى تفاقم مشكلة معتقلي داعش.
وأضاف أن التنظيم يشهد انتعاشًا ملحوظًا بعد سقوط نظام الأسد، مما يزيد من القلق في العراق والدول المجاورة، كالأردن وسوريا.
وشدد الخبير أبو هنية على أن معتقلي داعش، بمن فيهم الأشبال، يمثلون قوة احتياطية للتنظيم.
وأوضح أن العدد الإجمالي يُشكل ما يشبه جيشًا كاملاً، مضيفًا: "قوات هيئة تحرير الشام، التي سيطرت على سوريا، لا تتجاوز العشرين ألف مقاتل، أما بالنسبة لتنظيم الدولة، فهناك 12 ألف سجين، بالإضافة إلى القوات الأخرى المنتشرة في سوريا، وهذا سيشكل بالتأكيد خطرًا كبيرًا".
وأكد أن تنظيم الدولة يمكن أن يعود للسيطرة المكانية في ظل ضعف الإدارة السورية الجديدة، خاصة مع وجود أزمات داخل قوات الحشد الشعبي في العراق والخلافات مع إيران وحلفائها.
التحديات الإقليمية والدولية
لا يقتصر التوتر بين الإدارة السورية الجديدة وقسد على الساحة الداخلية السورية وحدودها مع العراق، بل يمتد ليشمل تفاعلًا إقليميًا ودوليًا.
فتركيا، على سبيل المثال، تراقب الوضع عن كثب نظرًا لعلاقاتها المتوترة مع قسد، التي تعتبرها امتدادًا لحزب العمال الكردستاني المصنف جماعة إرهابية.
في المقابل، تسعى الولايات المتحدة ودول غربية أخرى إلى منع تصاعد التوترات خوفًا من انزلاق سوريا مرة أخرى إلى دوامة الحرب الأهلية، بحسب ما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز.
وفي ذات السياق، أكد خبير الجماعات الجهادية أبو هنية أن حل قضية سجناء داعش وعوائلهم لا يمكن أن يتحقق إلا بحل أزمة شمال شرق سوريا.
وأشار إلى أن هذه القضية تتطلب توافقًا سياسيًا شاملاً يرتبط بتطورات المحادثات الجارية بين الولايات المتحدة، وقوات سوريا الديمقراطية، والإدارة السورية الجديدة، وتركيا، مؤكدًا أن نتائج هذه المفاوضات ستحدد مستقبل شمال شرق سوريا وعلاقاتها الإقليمية.
وأضاف أبو هنية أن ملف سجناء داعش "خطير للغاية، إذ سيؤدي إلى حالة جديدة من عدم الاستقرار في المنطقة. ومع مرور سنوات دون نجاح أي دولة في إنهاء هذا الملف، يبدو أن الأشهر القادمة ستشهد تطورات مرتبطة بتبلور استراتيجية واضحة للولايات المتحدة في سوريا".
محمد الناموس - الحرة
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|