الصحافة

محاضر الطّائف: هل يحتفظ خالد قبّاني بالتسجيلات؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

نقولا ناصيف - اساس ميديا
لا يزال من واضعي اتّفاق الطائف من نوّاب برلمان 1972 عشرة على قيد الحياة. اثنان منهم فقط كتبا عنه، كلٌّ على نحو مغاير. ألبير منصور راوياً مداولاته وشارحاً ما اتّفق عليه وما انتهِك فيه لاحقاً، وحسن الرفاعي متحدّثاً عن موقفه من الاتّفاق ودوافع امتناعه عن الموافقة على ما تضمّنه ما خلا وقف الحرب. إليهما الراحل جورج سعادة كتب بإسهاب عن المناقشات. هناك رابع يستعدّ لنشر مذكّراته في أيّار المقبل، وهو بطرس حرب. يقول عنها إنّها “ليست مذكّرات ولا تأريخاً بل وجهة نظر حيال وقائع رافقتُها وشاركت فيها على مدى نصف قرن في الحياة السياسية اللبنانية. أضف ما عاينته في مداولات اتّفاق الطائف، وما اتّفق عليه وما لم يحظَ باتّفاق. المذكّرات في الغالب غير موضوعية، إلّا أنّني حاولت أن أكون موضوعيّاً بالقدر الممكن”.

النوّاب العشرة الباقون في برلمان 1972 هم آخر الشهود على مرحلة إقرار وثيقة الوفاق الوطني في السعودية. من 73 نائباً بقوا إثر الوفاة أو الاغتيال أو الانتخاب رئيساً، ذهب إلى الطائف 62 نائباً وتغيّب 11 نائباً. انتهى المطاف بإقرار الوثيقة هناك بغالبية 58 نائباً من الـ62 الحاضرين، قبل أن يُصار إلى التصويت لاحقاً عليها في لبنان في 5 تشرين الثاني 1989 بغالبية 57 نائباً. صارت هذه التفاصيل الآن برسم التاريخ ليس إلّا. أمّا ما لم يُدخل بابه بعد وهو الآن، أكثر من أيّ وقت مضى دونما أن يُهمل مرّة، فهو مصير المحاضر الأصلية لاتّفاق الطائف.

المعروف أنّ الرئيس الراحل للبرلمان حسين الحسيني وحده دون سواه احتفظ بها ورفض الكشف عنها أو إطلاع أحد عليها. لم تُتَح فيما بعد لأيّ من النواب المشاركين في المداولات العودة إليها. بعد وفاته عام 2023 قرّر أبناؤه نشر المحاضر ثمّ أحجموا لأنّ الوقائع حصلت على أرض المملكة العربية السعودية، ومن الطبيعي تصوُّر امتلاكها نسخة عن تسجيلاتها نظراً إلى أهمّية الحدث أوّلاً، والدور الوسيط والواسع التأثير لها عليه لبلوغ الاتّفاق خواتيمه ثانياً، وأن تمتنع عن الإفصاح عن احتفاظها بها أم لا؟ من الطبيعي أيضاً تصوُّر امتلاك سوريا نسخة عن التسجيلات لدورها المماثل وشراكتها الفعليّة في وضع مسوّدة الاتّفاق، علاوة على إملائها على لبنان آنذاك بند العلاقات السورية ـ اللبنانية المميّزة دونما إخضاعها لأيّ تعديل. أمّا المبرّر المعلوم لاحتفاظ النظام السوري السابق بتسجيلات كهذه و سواها فهو تعلّقه المألوف بالوثائق والأدلّة الحسيّة وما يمكّنه من امتلاك تاريخ الآخرين والمساومة عليه وحتى الترهيب به.

ليست المحاضر الخطّية وحدها الوثيقة المتوافرة. بل والتسجيلات الصوتية أيضاً. هي الأصل الذي اُسْتُخرجت منه المحاضر الخطّية. شاهدها الرئيسي خالد قبّاني المُختار من الحسيني حينذاك، وكان قاضياً في مجلس شورى الدولة، فضمّه إلى فريقه بصفة أمين سرّ جلسات المناقشات في الطائف، فحضرها كلّها بلا انقطاع. بينما التسجيل الصوتي يدور بعلم النوّاب أو من دون علمهم، تولّى قباني تدوين المداولات بنفسه بالاستماع. لاحقاً تولّى تفريغ التسجيلات حرفيّاً في محاضر خطّية هي التي يحتفظ بها في الوقت الحاضر أبناء الحسيني. من الفطنة أن يكون قبّاني احتفظ بدوره بنسخة عن التسجيلات ما دام وحده أصغى إليها وكانت بين يديه.

بنودٌ معلّقة

في الآونة الأخيرة كثُرت الأسئلة عن الوصول إلى محاضر اتّفاق الطائف. في العقود الثلاثة المنصرمة، منذ أن أُدْمجت الإصلاحات في متن الدستور، وكلّما التبست مادّة فيه ودارت خلافات حول تفسيرها اتّخذت أحياناً طابعاً مذهبياً لارتباط هذه الصلاحية أو تلك بهذا المذهب أو ذاك، طُرحت تساؤلات عن روح المشرِّع. أُعيد طرح الأمر مراراً في مرحلة ما قبل الحرب واُستعين بالمحاضر التأسيسية لوضع دستور 1926.

استدرجت حقيبة المال الحاجة إلى السؤال عن محاضر الاتّفاق. كلّ الطوائف أدلت بدلوها أخيراً حيال وضعها في الطائفة الشيعية كما لو أنّه حتمي، ولا مناصّ منه لتأليف الحكومة وفرضها على رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف. بعد الأحزاب المسيحية الرافضة، التحق بالسجال الرئيس السابق للحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط متبنّياً الرفض نفسه، بالقول إنّ اتّفاق الطائف في جوهر مناقشاته لم يلحظ تخصيص حقيبة لطائفة، ومن بعده النواب السنّة. وهو ما أحال الثنائي الشيعي وحيداً في الدفاع عمّا يُعدّه حقّ طائفته في الحقيبة، متمسّكاً بما أنكره الآخرون عليها، لا سيما منهم النواب الباقون ممّن شاركوا في وضع الاتّفاق الذين يشدّدون على أنّه لم يُعطِ أيّ طائفة أيّ حقيبة ولم يوصدها أمام غيرها.

المتّفق عليه بإجماع المشاركين الأحياء، وتحدّث عنه الحسيني أكثر من مرّة، أنّ ثمّة بنوداً نوقشت في مداولات الطائف، أبرزها خمسة ظلّت معلّقة:

1 ـ رئاسة درزي مجلس الشيوخ، وكان مطلب توفيق عساف النائب الدرزي الوحيد المشارك آنذاك بعد وفاة النوّاب السبعة الآخرين. الواقع أنّ الزعماء الدروز يتحدّثون بدورهم وباستمرار عن رئاسة مجلس الشيوخ كما لو أنّها محسومة للطائفة دونما أن تكون كذلك، وهي معضلة تنتظر أوانها عندما يحين. وقتذاك للسبب هذا عارض عساف وزاهر الخطيب الوثيقة وصوّتا ضدّها. عندما أُثير موضوع مجلس الشيوخ مجدّداً في السنوات الأخيرة طالب به الكاثوليك المتساوون مع الدروز في عدد المقاعد في مجلسَيْ النواب والوزراء.

2 ـ إعطاء وزارة المال للطائفة الشيعية تحقيقاً للمشاركة في توقيع المراسيم مع التوقيعيْن الماروني والسنّي.

3 ـ صلاحيات نائب رئيس مجلس الوزراء في غياب رئيس مجلس الوزراء.

4 ـ كلّ حكومة تتألّف يقتضي أن لا يقلّ عدد وزرائها عن 14 وزيراً بغية ضمان مشاركة الأرمن فيها.

5 ـ المهلة المعطاة للرئيس المكلّف تأليف حكومة للاتّفاق مع رئيس الجمهورية على إصدار مراسيمها.

بلا قيمة دستوريّة

نوقشت البنود الخمسة هذه باستفاضة دونما أن تحظى بموافقة الحاضرين أو رفضهم. بقيت معلّقة ففقدت أيّ قيمة أو طبيعة دستورية أو صفة إلزامية لعدم ورودها في متن الدستور. لم تتعدَّ كونها أفكاراً واقتراحات طُرحت للمناقشة دونما بتّ وطُويت حينذاك، مع أنّ تداعياتها لا تزال مستمرّة إلى الآن بتفاوت. في كلّ تأليف حكومة في السنوات الأخيرة تتحوّل حقيبة المال عقبة كأداء. تنشأ معضلة مماثلة قبل الوصول إلى التأليف، وليست أقلّ تأثيراً وتسبّباً بانقسام داخلي ومذهبي، وهي المهلة المعطاة للرئيس المكلّف للتأليف. ولأنّها غير مُقيِّدة في الدستور وتُركت على إطلاقها، أعطى كلّ رئيس مكلّف لنفسه حقّ التمسّك بتكليفه إلى ما لا نهاية إلّا إذا قرّر من تلقائه الاعتذار. لا رئيس الجمهورية قادر على انتزاع التكليف منه، ولا مجلس النواب، صاحب الصلاحيّة الأصلية في التسمية، يمكنه تجريده من التكليف.

يتناول بطرس حرب في مذكّراته هذا الشقّ بتحدّثه حينذاك، دونما أن تُبتّ المعضلة، أنّ آخر اقتراحات تقييد التكليف بمهلة قضى بمنح الرئيس المكلّف 45 يوماً للتأليف تُمدّد مرّة واحدة 45 يوماً إضافياً، ثمّ إذا أخفق يحتكم إلى مجلس النواب في الخلاف بينه وبين رئيس الجمهورية. الدافع المباشر آنذاك لصرف النظر عن المهلة المقيِّدة، هو اجتماع دعا إليه الرئيس صائب سلام في جناحه في الطائف حضره النواب السنّة، انتهى إلى تمسّكهم بعدم إلزام الرئيس المكلّف بمهلة محدّدة، على أن يُترك له تقدير الاعتذار أو تأليف الحكومة من ضمن توقيت معقول.

من البنود غير المتوافق عليها في مداولات الطائف يتناول حرب أيضاً في مذكّراته صلاحيّات نائب رئيس مجلس الوزراء. يتحدّث عن حوار بينه وبين الرئيس الراحل رفيق الحريري عام 1993 عن جواز تفويض نائب رئيس مجلس الوزراء، وهو منصب غير منصوص عليه في الدستور، صلاحيّات رئيسه في فترة غيابه في مرحلة كثرة أسفار الحريري. لم يمانع، إلا أنّه اشترط أن يتولّى بنفسه ووحده، كي يوافق على تفويض صلاحياته إليه، تسمية نائب رئيس الحكومة في مرسوم التأليف كي يطمئنّ إلى عدم تجاوزه إيّاه، وتقيّده بالنطاق المحدود للصلاحيّات المفوّضة إليه فلا تشمل تلك اللصيقة برئيس الحكومة كاستقالة الحكومة. المسموح به وقتذاك ولا يزال سارياً حتّى اليوم أن يحضر نائب رئيس الحكومة جلسات مثولها أمام البرلمان في غياب رئيسها. ليست له دعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد ولا وضع جدول الأعمال بالاتّفاق مع رئيس الجمهورية.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا