الدولة تدين نفسها: "المركزي" سبب الانهيار
باتريسيا جلاد - "نداء الوطن"
اعترفت الدولة اللبنانية أخيراً، ومن خلال دعوى قضائية تقدّمت بها ضد مصرف لبنان، أن سبب الانهيار الذي يعاني منه البلد منذ العام 2019، تسبّبت به مؤسسة تابعة لها، ولو أنها "مستقلّة" وفق مندرجات قانون النقد والتسليف. ماذا يعني هذا الاعتراف، وكيف ينبغي أن يتمّ تفسيره؟ وما هي تداعياته؟
لم يتفاعل خبر تقدُّم الدولة اللبنانية (ممثلة بشخص رئيس هيئة القضايا في وزارة العدل هيلانة إسكندر) بدعوى ضد "إدارة" مصرف لبنان أمام المحكمة المالية كما ينبغي. ربما، لأن البعض اعتبر أن الأمر مجرّد ذرّ للرماد في العيون، وأنه عندما نتّهم بضعة أشخاص (أعضاء المجلس المركزي) بأنهم مسؤولون عن هدر حوالى 140 مليار دولار، فهذا يعني أننا لن نصل إلى حلّ للأزمة الكارثية التي حلّت بالبلد، وجرفت معها حقوق المودعين، وتسبّبت بانهيار اقتصادي، واستمرار الانكماش.
ماذا يقول القانون؟
في هذا السياق، يرى مصدر قانوني أنّ تقديم الدولة اللبنانية الدّعوى ضدّ المجلس المركزي في مصرف لبنان، واتّهامه بالتسبّب في الانهيار، يعكس الحقائق التالية:
أولاً- أول اعتراف علني من قبل الدولة اللبنانية بمسؤولية مصرفها المركزي عن الانهيار.
ثانياً- لا يمكن حصر مفاعيل الاتهام بأشخاص يديرون مصرف لبنان، لأنّ الدولة اللبنانية هي الراعية لهذه المؤسسة، وهي تشارك في إدارتها من خلال مفوّض الحكومة في المجلس المركزي، ومن خلال عضوية المديرين العامين في وزارتي المالية والاقتصاد.
ثالثاً- سوف تفتح الدعوى الباب أمام نقاش أو منازلة قانونية بين الدولة ومصرفها المركزي. إذ، لا شيء يمنع في المقابل من أن ترفع إدارة مصرف لبنان دعوى على الدولة اللبنانية لتحصيل حقوقها المالية (ديون المصرف على الدولة).
رابعاً- قد تلجأ إدارة مصرف لبنان إلى دعوى مضادة تتهم فيها الدولة بهدر الأموال وتعميق الأزمة من خلال أوامر الدعم منذ نهاية العام 2019، والذي كلّف بين 10 و15 مليار دولار صُرفت من أموال المودعين.
خامساً- إن التوصيف الذي ورد في متن الدعوى، والذي اعتبر أن الأزمة ليست نظامية فيه تناقض لا يحتاج إلى جهد لإثبات انحرافه عن الواقع. إذ بمجرّد أن تقول المدّعية (الدولة) أن إدارة مصرف لبنان مسؤولة عن ضياع 140 مليار دولار، فهذا في حد ذاته تأكيد لا يقبل الجدل بأن الأزمة نظامية، وهي لم تصب مصرفاً محدداً، بل شملت كل القطاع دفعة واحدة، وهذا هو مفهوم الأزمة النظامية.
لا خواتيم عمليّة
يضيف المصدر القانوني لـ "نداء الوطن": صحيح أن الدعوى قد لا تصل إلى خواتيم عملية، وأن هدفها قد يكون بمثابة رفع المسؤولية للقول إن ممثلة الدولة قامت بواجبها القانوني، لكن الصحيح أيضاً أن هذه الدعوى فتحت الباب أمام المصارف والمودعين لكي يحمّلوا الدولة مسؤولية ما حصل. إذ عندما تقول الدولة إن بضعة أشخاص هم المسؤولون عن الأزمة، وكأنها بذلك تريد التملّص من مسؤوليتها تجاه المودع. وهذه المحاولة قد تفشل، كما فشلت قبلها محاولات شطب الودائع من خلال خطط التعافي التي تقدمت بها الدولة، والتي تمّ إسقاطها.
خوري: مقاربة خاطئة
من جهته اعتبر الوزير السابق والمصرفي رائد خوري "أن تلك الدعوى تغرّد خارج السرب، والمقاربة التي ارتكزت عليها خطأ وينطبق على تلك الدعوى مقولة "الفاجر يأكل مال التاجر"، للأسباب التالية:
أولاً- تمّ في الدعوى اعتبار الأزمة غير نظامية، الأمر المخالف للوقائع. هي أزمة نظامية بكل ما للكلمة من معنى، ذ لا تنحصر التدابير التي تتخذها المصارف مع المودعين بمصرف واحد أو 5 فهي تطاول 45 مصرفاً.
ثانياً- الأزمة النظامية سبّبتها الدولة اللبنانية الراعية للبنك المركزي.
ثالثاً- على الدولة بما أنها المسببة للأزمة أن تسدّد خسارة مصرف لبنان بالكامل وذلك استناداً إلى المادة 113 من قانون النقد والتسليف التي ورد فيها "إذا كانت نتيجة سنة من السنين عجزاً، تغطى الخسارة من الاحتياط العام وعند عدم وجود هذا الاحتياطي أو عدم كفايته تُغطّى الخسارة بدفعة موازية من الخزينة".
رابعاً- الدعوى طاولت أشخاصاً محدّدين في مصرف لبنان نواب الحاكم والحاكم ما يجعل من تلك المقاربة خاطئة، فالدولة اللبنانية هي الراعية لتلك المؤسسة وتشارك في إدارتها.
عيّاش: مبادرة شجاعة
وفي السياق علّق نائب حاكم مصرف لبنان السابق غسان عيّاش على رفع الدولة دعوى على مصرف لبنان فقال: "عوّدتنا القاضية هيلانة إسكندر على مبادرات شجاعة تهدف إلى كسر المحرّمات في سبيل حفظ حقوق الدولة والمواطن. مبادرتها الجديدة وإن كانت تحتاج إلى تحديد أدقّ لتوزيع المسؤوليات فإنها تؤكد بصورة واضحة على مسؤولية السلطات العامّة عن الكارثة المصرفية التي تحمّل المودعين وزرها بصورة خاصة والاقتصاد اللبناني بشكل عام"، معتبراً أن "هناك مسألة إيجابية في ادّعاء الرئيسة إسكندر وهي التركيز، لأول مرّة من قبل مرجع رسمي، على الأضرار الفادحة التي تكبّدها المودعون بسبب سياسة التعاميم المتكررة.
النتائج الوحيدة للتعاميم هي إجبار المودعين على القبول بفتات من ودائعهم لقاء سكوتهم عن إهمال الدولة لمعالجة مشكلتهم معالجة جذرية وصحيحة والتزام سياسة التسويف".
ورأى أن "الدعوى التي تقدّمت بها القاضية هيلانة هي مناسبة للتوجّه إلى رئيس الجمهورية جوزاف عون لمطالبته بأن يشهد عهده منذ بدايته الخروج من سياسة التعاميم، واللجوء بدل ذلك نحو وضع إستراتيجية متكاملة لإخراج البلاد من الانهيار المصرفي. إن المنطق الذي استند اليه خطاب الرئيس وتصريحاته تسير إلى رغبته بوضع الحلول الحقيقية والجذرية لحل المشاكل الوطنية الكبرى".
حمود
وفي الإطار، اعتبر الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود في حديث صحافي أنه "لم يكن هناك أي تعميم صادر عن مصرف لبنان إلزامياً، بل كل هذه التعاميم كانت اختيارية، بدءاً من التعميم 151 الذي حدد أولاً سعر صرف الدولار المصرفي بـ 3900 وبعد تعديله لأكثر من مرة أصبح 15000 ليرة، حتى التعاميم 158 و165 و166 كانت اختيارية ولم تكن تطبّق دون موافقة المودع. بمعنى أن هذه التعاميم أتت من باب تنفيذ العمل وليس من باب تغيير القوانين".
وقال: "لا نعرف رد مصرف لبنان في هذا الاتجاه، فالحاكم السابق هو موضع ملاحقة قضائية ولا يزال متهماً ولم يكتمل التحقيق معه ولم يُحكم عليه. ولا ندري إلى ماذا سنصل عبر هذه الدعاوى التي نتقدّم بها، فباعتقادي أن الحل الحقيقي ليس هنا بل بتشريعات جديدة".
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|