الصحافة

“الحزب” والحركة: توأمة واقعيّة وانصهار مستحيل

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لئن كان طموح “الحزب” إدماج لبنان في الأفق الإيراني، فإنّ فشله يدمج البلد في أفق مغاير تماماً. لكنّ ذلك لم يحصل لولا تمايز موجود أصلاً في الشيعية السياسية. هذا التمايز عزّزه المسار السياسي لرئيس مجلس النواب اللبناني نبيه برّي، الذي هو في الوقت عينه رئيس حركة أمل التي تشكّل “الثنائي” مع “الحزب”.

قد يكون مفهوماً أن يلقى برّي تعاطفاً لبنانياً مصدره الشعور باستضعاف “الحزب” للبنان وأهله، وهو مفهوم لأنّه يشكّل وجهاً من وجوه الاحتجاج ضدّ سلوك “الحزب” منذ أيار من عام 2000 يوم انسحبت إسرائيل من الجنوب. وهو تعاطف تزداد مبرّراته لأسباب توق اللبنانيين للاستقرار السياسي، وهذا ليس تفصيلاً عابراً، إذ ألجأهم “الحزب” إلى ذلك.

التّعاطف مع برّي

قد يختلف المرء مع برّي وتنظيمه السياسي على كثير من الأشياء، لكن ليس على كلّ شيء، فهو لم يخرج عن المسار اللبناني للحياة السياسية، وقد تبدّى ذلك عبر سلسلة من الخطوات العملية:

ـ من باب تأكيد المرجعية الدينية العربية للشيعة، فقد زار برّي العراق والتقى بالسيّد علي السيستاني، على العكس من “الحزب” الذي يعتبر مرجعيّته الفقهية هي إيران.

ـ أعطى برّي توجيهاته لتنظيم الحركة بأن يُصدر بيانات الرثاء لعناصر “أمل” الذين سقطوا في الجنوب خلال الحرب الأخيرة، بأن يكون نعيهم “دفاعاً عن لبنان”، وليس على غرار “الحزب” الذي أصدَر بيانات الرثاء بـ “الدفاع عن غزة”.

ـ امتنعت حركة أمل عن المشاركة في الحرب بسوريا زمن الرئيس الفارّ بشار الأسد، الأمر الذي فعل عكسه “الحزب”.

ـ بعد مضيّ الـ 60 يوماً نظّم “الحزب” والحركة عودة بعض أهالي الجنوب إلى بعض القرى، ومساءً نظّم “الحزب” مسيرات سيّارة في أحياء بيروت وهي ترفع شعارات مذهبية “شيعة، شيعة…”، وفي المقابل أصدرت حركة أمل بياناً في اليوم التالي دعت فيه مناصريها إلى التوقّف عن تنظيم مسيرات بالسيّارات والامتناع عن أيّ تحرّكات قد تؤدّي إلى قطع الطرقات أو إحراق الدواليب، مشدّدة على ضرورة احترام خصوصيّات الطوائف والمناطق.

يُظهر هذا البيان وعياً من الرئيس برّي لأهمّية الحفاظ على السلم الأهليّ وتجنّب التصعيد الذي قد يؤدّي إلى تفاقم التوتّرات الطائفية والمناطقية. ففي ظلّ التركيبة الاجتماعية الحسّاسة في لبنان، يمكن لأيّ تحرّك غير محسوب أن يُفسَّر بأنّه استفزاز أو تعدٍّ على خصوصية منطقة أو طائفة معيّنة، وهو ما يهدّد الاستقرار الهشّ في البلاد. بالإضافة إلى ذلك، يعكس البيان محاولة من الحركة لإظهار رغبتها في تهدئة الأجواء، خاصّةً بعد الانتقادات التي وُجِّهت إليها بشأن بعض تصرّفات مناصريها. فالدعوة إلى ضبط النفس واحترام خصوصيّات المناطق والطوائف تُظهر حرص الحركة على تجنّب تأجيج الفتن الداخلية والحفاظ على الوحدة الوطنية.

التّشابه والتّمايز

هذه الوجهة يعزّزها التنافس على البيئة الحاضنة بين حركة أمل وبين “الحزب” وتوسّع النفوذ والمصلحة بينهما. ويمكن تعداد الملامح العريضة للتنافس بينهما، وأبرزها مرجعيّة كلّ منهما. ذلك أنّ الحركة مرجعيّتها الدينية عراقيّة تحديداً، بينما “الحزب” وجهته “ولاية الفقيه” الإيرانية. وإذ تقطع الحركة مع مبدأ الأيديولوجية، فإنّ “الحزب” يستمسك بها حتى انقطاع النفس، إلّا أنّهما يستأنفان وجوهاً كثيرة من التنافس على البيئة الشيعية.

يُعدّ كلٌّ من حركة أمل و”الحزب” من أبرز القوى الشيعية السياسية والعسكرية في لبنان، وقد لعبا أدواراً رئيسية في المشهد اللبناني منذ أواخر القرن العشرين. وعلى الرغم من تشابههما في بعض الجوانب لأنّهما ينتميان إلى الطائفة الشيعية، إلا أنّ بينهما تمايزات جوهرية من حيث النشأة، الأيديولوجية، الهيكلية، الدور السياسي، والارتباطات الإقليمية.

على الرغم من تشابه حركة أمل و”الحزب”، فإنّ هناك فروقاً جوهرية في الدور السياسي. “أمل” تمثّل التيار الشيعي الوطني التقليدي المرتبط بالدولة، بينما “الحزب” يمثّل التيار الإسلامي العقائدي المرتبط بالمشروع الإيراني. ومع استمرار التحوّلات في المشهد اللبناني، سيظلّ هذا التمايز عاملاً رئيسياً في فهم توازنات القوى داخل الطائفة الشيعية وفي لبنان عموماً.

الدّور السّياسيّ في لبنان

منذ انتهاء الحرب الأهلية، تحوّلت حركة أمل إلى قوّة رئيسية داخل النظام اللبناني، إذ يتزعّم نبيه بري رئاسة مجلس النواب اللبناني منذ 1992، وهو ما يجعله أحد أكثر السياسيين نفوذاً في البلاد. وتعتمد الحركة على التحالفات السياسية داخل لبنان، سواء مع الأحزاب الشيعية أو القوى المسيحية والسنّية، لضمان دورها داخل الدولة.

أمّا “الحزب” فليس حزباً سياسياً فقط، بل هو قوّة عسكرية موازية للدولة. بينما يشارك في الانتخابات والبرلمان، فإنّ قوّته الحقيقية تكمن في ذراعه العسكري الذي يشكّل جزءاً من ميزان القوى الإقليمي. هذه كلّها صفات سابقة للعدوان الإسرائيلي. وعلى عكس حركة أمل، لا يعتمد “الحزب” كثيراً على التحالفات الداخلية بقدر ما يعتمد على دعمه الإقليمي من إيران. فهو حليف استراتيجي لطهران، ويحصل على تمويل وتسليح وتدريب مباشر من الحرس الثوري الإيراني. وهذه العلاقة جعلته جزءاً من مشروع إيران الإقليمي، فيتدخّل في الحرب السورية واليمن والعراق تنفيذاً للأجندة الإيرانية.

العلاقة بين الطّرفين والصّراعات الدّاخليّة

على الرغم من كونهما أبرز قوّتين شيعيّتين في لبنان، لم تكن العلاقة بين “أمل” و”الحزب” دائماً ودّية. في أواخر الثمانينيات، خاض الطرفان حرباً دامية عُرفت بـ”حرب الإخوة”، وذلك بسبب التنافس على النفوذ داخل الطائفة الشيعية. تدخّلت سوريا لإنهاء النزاع، ومنذ ذلك الحين حافظ الطرفان على تحالف سياسي تكتيكي، وإن كان يشوبه التنافس.

في السنوات الأخيرة، برزت خلافات داخلية، خصوصاً في الملفّات اللبنانية مثل إدارة الدولة، الفساد، والتعامل مع الحراك الشعبي. فعلى الرغم من تحالفهما السياسي، هناك تباينات في الأولويّات:

ـ أمل تسعى إلى الحفاظ على نفوذها السياسي التقليدي داخل مؤسّسات الدولة.

ـ “الحزب” لديه أجندة أوسع تشمل البعد الإقليمي والمقاومة العسكرية.

أيمن جزيني -اساس

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا