لِكشف مصير القرضاوي... دعوة للاحتجاج أمام سفارة الإمارات في بيروت
أحمد الشّرع في السّعوديّة والاختبار الحقيقيّ مؤجّل
تضيف الزيارة الخارجية الأولى للرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع للمملكة العربية السعودية عنصراً جديداً مهمّاً إلى خريطة المشهد الإقليمي بعد سقوط نظام بشار الأسد، فجميع القوى الإقليمية والدولية تختبر إمكانات ورهانات التحوّلات العميقة التي انطلقت في أعقاب “طوفان الأقصى”، وأبرزها سقوط الأسد، إلى جانب الضربات القاسية التي تلقّاها محور إيران في غزة ولبنان، بل وفي إيران نفسها، إلى جانب العراق واليمن.
إن كان اللقاء بين الرئيس الشرع والأمير محمد بن سلمان يعدّ أبرز المؤشّرات الإيجابية المتراكمة التي توحي بمناخ سياسي جديد في المنطقة، فإنّ ما سيتبعه يبقى خاضعاً لامتحان الوقت الذي وحده سيحكم على ما إذا كانت هذه التحوّلات ستترسّخ ضمن هيكل استراتيجي جديد أم ستبقى مجرّد خطوات تكتيكية مرتبطة بحسابات آنيّة.
تتوّج هذه الزيارة الاعتراف الإقليمي الفعليّ بشرعيّة الإدارة السوريّة الجديدة، بعد سلسلة من الاتّصالات واللقاءات الإقليمية والدولية الكثيفة خلال الشهرين الماضيين. وتعكس قراراً سعوديّاً وعربيّاً بمنح الإدارة الجديدة فرصة لترسيخ أسس سوريا مستقرّة، مندمجة في مسارات التنمية الاقتصادية والاعتدال السياسي العربي.
تراهن الرياض على تحويل سوريا من “ساحة نفوذ” تمزّقها الأجندات المتعارضة إلى دولة مستقلّة وفاعلة في الفضاء العربي والإقليمي، مؤهّلة لأن تكون حليفاً مهمّاً ضمن التوازنات الجيوسياسية والاستراتيجية، وتساهم في تحصين الفضاء العربي من التدخّلات الخارجية. ويأتي استقبال أحمد الشرع تأكيداً لهذه الرؤية، بوصفه خطوة في مسار إعادة بناء سوريا سياسيّاً، بما يضمن إضعاف النفوذ الإيراني وإخراجه من معادلة الهيمنة في المشرق العربي.
خطوة مدروسة
مع أنّ المملكة تدرك أنّ الشرع لم يخرج بالكامل من عباءة الإسلام السياسي، إلا أنّها ترى في الواقعية السياسية نهجاً ضرورياً للتعامل معه، في إطار الموازنة أيضاً مع النفوذ التركي ومنع أنقرة من وراثة الهيمنة الإيرانية.
لذلك لا تستعجل السعودية في وضع هذه الزيارة المهمّة في إطار تحالف استراتيجي نهائي، بل تتعامل معها كجزء من مرحلة اختبارية لمعرفة ما إذا كان الشرع قادراً بالفعل على التحرّر بما يكفي من القيود الأيديولوجية التي صنعت تجربته ومشروعيّته الماضية والانخراط في مشروع دولة وطنية حديثة.
في المقابل يدرك أحمد الشرع، في مرحلته الانتقالية، أنّ أيّ إدارة سورية لا تحظى باعتراف عربي واسع ستظلّ هشّة سياسياً ومعزولة دولياً. وعليه وقع خياره على المملكة العربية السعودية كأوّل وجهة خارجية له، بالتزامن مع سعيه إلى تنويع مصادر الدعم السياسي من أطراف أخرى، والتأكيد أنّ دمشق ليست امتداداً لأيّ مشروع خارجي.
إلى ذلك يشكّل ملفّ إعادة الإعمار والدعم الاقتصادي أولويّة ملحّة، لا تحتمل التأجيل، وهو ما يجعل من الموارد الماليّة السعودية الضخمة، واحداً من أبرز مرتكزات النهوض التي يراهن عليها الشرع، بالإضافة إلى الدور السياسي الذي يمكن أن تلعبه الرياض لرفع العقوبات الأميركية عن سوريا وتوفير شروط النهضة الاقتصادية المأمولة.
وعليه، تبدو زيارة الشرع للسعودية خطوة مدروسة لإيجاد شريك عربي قويّ، مع إبقاء الأبواب مفتوحة أمام خيارات أخرى، مثل تركيا وقطر وحتى روسيا وإيران، لضمان الحفاظ على استقلالية قراره السياسي وضمان عدم الارتهان لمحور واحد قد يُضيّق عليه هامش المناورة.
الاختبار الحقيقيّ مؤجّل
على الرغم من المعاني والإشارات الإيجابية الكثيرة التي حملتها الزيارة، إلّا أنّ الوقت وحده هو الحكم على مدى نجاح التحوّل السوري بعد الأسد. فهل تتحوّل الإدارة السورية إلى نموذج وطني حديث، أم تظلّ محكومة بخلفيّات أيديولوجية تثير مخاوف الخليج؟ هل يستطيع الشرع تحقيق توازن بين النفوذين العربي والتركي، من دون الوقوع في فخّ التحالفات المتناقضة؟ هل يمكن للسعودية أن تقدّم دعماً طويل الأمد لهذه الإدارة، أم تتغيّر حساباتها إذا لم تجد تغييرات جوهرية في بنية الحكم الجديد؟
قدّم خطاب النصر للرئيس الشرع عناصر مهمّة وإن غير شافية تفيد في توفير إجابات جزئية عن هذه الأسئلة. تأكيده للوحدة الوطنية، والمصالحة، والعدالة الانتقالية وبناء الدولة، وشراكة جميع السوريين في النصر، أثلج صدور السوريين والعرب، بعد عقود من الاستبداد الأسديّ. وإذا ركّز على تشكيل حكومة انتقالية شاملة، وإصدار إعلان دستوري، وإجراء حوار وطني لضمان تمثيل جميع الأطياف السياسية والاجتماعية، وبناء مؤسّسات قويّة، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، فإنّه أسّس عبر كلّ ذلك للغة سياسية جديدة في سوريا، بمفرداتها وهواجسها وأولويّاتها.
لكنّ الخطاب افتقر إلى التفاصيل العملية والخطّ الزمني للإصلاحات وإعادة تشكيل السلطة، وهو ما يزيد من الطبيعة الاختباريّة للعلاقة بين دمشق الجديدة ودول الخليج العربي ومصر.
كما أنّ توجّهه الإسلامي المعدّل، لا يزال يثير تساؤلات في الأوساط الخليجية وفي مصر، بشأن مدى التزامه الحقيقي ببناء نظام حديث غير مؤدلج، خاصة مع توجّه دول الاعتدال العربي أكثر نحو نموذج الدولة الوطنية الحديثة، المتخفّفة من وطأة الدين والشريعة والفقه على أمن الدولة.
زيارة الشرع للسعودية بحدّ ذاتها إنجاز دبلوماسي مهمّ لكلّ من السعودية وسوريا الجديدة، لكنّها ليست اتّفاقاً استراتيجيّاً نهائيّاً. لا يزال كلّ طرف يختبر الطرف الآخر، ويراقب مدى جدّية توجّهاته.
نتائج هذه الاختبارات هي التي ستحدّد أن يكون الدعم السعودي والخليجي والعربي أعمق وأكثر استدامة، أم أن تظلّ هذه العلاقة محكومة بالبراغماتية القصيرة المدى.
صديق التحوّلات الكبرى وعدوّها هو الوقت، والاختبار الحقيقي لم يأتِ بعد.
نديم قطيش-اساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|