الصحافة

لا إعادة إعمار إلا بعودة الدولة… فأين مصلحة “الحزب”؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

يواصل “حزب إيران/ حزب الله” الاصرار على أن شيئاً لم يتغيّر في وضعه الداخلي جراء الحرب التي خاضها مع إسرائيل وبعدها، ولا في وضعه الإقليمي بعد انهيار “المحور الإيراني”. تبعاً لذلك فإن شيئاً لم يتغيّر أو يمكن أن يتغيّر في لبنان الذي يعتقد أنه قولبه على مقاسه ووفقاً لأجندته ولا مجال فيه للعودة الى الوراء. وخلافاً لقواعد مراجعة الذات، وليس نقدها، تهرّب من تشخيص علني للواقع وسارع الى خلاصات حدّدها مسبقاً وكان أبرزها أنه حقق “انتصاراً” في الحرب، طالما أنه موجود ولا يزال الطرف الوحيد المدجج بالسلاح خارج الدولة. وما عزّز مكابرته الانتصارية هذه أن الأطراف الأخرى في لبنان تحرص على مراعاته لئلا تنسحب “الهزيمة” التي مُني بها على مجمل الطائفة الشيعية، لكنه لا يوظّف هذه المراعاة في تعزيز العيش الوطني المشترك، وهذا ما أراده الآخرون، بل يواصل مصادرة إرادة طائفته والتلاعب بمصيرها بالرعاع على الدراجات النارية أو بالأعلام الصفر في مسيرات العائدين أو حتى بدفع النساء الى موت مجاني على أطلال الدمار الجنوبي.

لكي يتمكّن “الحزب” من ممارسة هذه المكابرة في مواجهة الداخل اللبناني، لم يتردد في التوقيع على اتفاق معيب مع العدو الإسرائيلي، كما سبق أن سمسر اتفاق ترسيم الحدود البحرية مراهناً على أن يصبح “مقبولاً” و”معترفاً به” لدى هذا العدو. كان “الحزب” يدرك ما تعنيه كل كلمة في اتفاق وقف اطلاق النار، لكنه وافق عليه للتقليل ما أمكن من خسائره، ومع ذلك فإن أمينه العام نعيم قاسم يكرر القول إن تنفيذ الاتفاق وتحقيق الانسحاب الإسرائيلي من الأرض اللبنانية هما الآن “مسؤولية الدولة”. أي أنه لا يعترف بأي مسؤولية أو واجبات على “حزبه”، لا في الذهاب الى حرب لم يردها اللبنانيون ولا في التعامل مع نتائج هذه الحرب. بل انه، على العكس، مقتنع كلّياً بأنه يستطيع فرض تفسيره المضمر للاتفاق، كأن يعتبر مثلاً أنه مرتبط فقط بجنوب نهر الليطاني، حتى من دون أن يكون متعاوناً مع الجيش اللبناني لتسهيل مهمّته. وهو مقتنع أيضاً بأن شمال الليطاني فما فوق بات المرتع المتاح تخريبه، بحسب “التكليف الشرعي” الذي يعمل بموجبه.

لم يستطع “الحزب” توريط الدولة اللبنانية عسكرياً في الحرب، وإن استطاع اخضاع “حكومة تصريف الأعمال” لحماية حربه. لكنه الآن أمام واقع جديد: هذه “الحكومة” انتهت صلاحيتها ويجب أن ترحل. ثمة عهد جديد في البلاد: رئيس للجمهورية منتخب وحكومة جديدة تنتظر إبصار النور. لا الرئيس ولا رئيس الحكومة حليفان لـ”الحزب”، وليسا خياره ولا يريدان أن يكونا في مواجهة معه ولا مع طائفته، لكنهما مجبران على العمل في اطار المصلحة اللبنانية التي باتت تتناقض تماماً مع مصلحة “الحزب”، سواء في الداخل بالنسبة الى استعادة الدولة وحصرية السلاح في يد الدولة وكذلك الإصلاحات الحتمية بدءاً من السلطة القضائية، أو بالنسبة الى علاقة لبنان مع الدول العربية والمجتمع الدولي.

لا يعترف “الحزب” بالمتغيّرات التي اجتاحت وعيه ويراها رأي العين المجردة، لأنها لا تناسبه ولا تلائم سرديته أو تتماشى مع الأهداف (حتى الوهمية منها) التي حدّدها لاستمراريته. فـ “الحزب” يحاول حالياً تعطيل مفاعيل اتفاق وقف النار جنوب الليطاني ليتمكّن من تعطيلها لاحقاً في شماله. إذ يدّعي أنه قادر على معاودة القتال، وهذا غير صحيح لكنه يوفّر لإسرائيل الذريعة التي تحتاجها كي لا تنسحب من الجنوب. وبما أنها تتلكّأ بالانسحاب فإنه يعيد تقديم نفسه كـ “مقاومة ضد الاحتلال”، لكن الشروط الإسرائيلية هي الشروط الأميركية والدولية التي تكمن في الاتفاق وتعني أن “الثنائي الشيعي” وليس “الحزب” وحده ملزمٌ بتطبيقها، عدا أنها مطالب باتت مزمنة لبنانية وتتعلّق خصوصاً ببسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية.

الدولة؟ سلطة الدولة؟.. هذا ما لا يحبذ “الحزب” سماعه. لكن أحد نوابه الذي يظهر كأنه “عقلاني” يثرثر عن “التوافق والتفاهم والحوار والتعاون” مذكّراً بأن زعيمه نعيم قاسم “هو أول من أطلق في ذروة الحرب العدوانية الإسرائيلية على لبنان مجموعة أولويات بينها الدعوة إلى بناء الدولة في إطار اتفاق الطائف”، بل ذكّر بأن “الحزب” كان “أطلق مرات عدة على مدى السنوات الماضية استعداده وجهوزيته لحوار وطني يضع على الطاولة مختلف الملفات العالقة التي تعيق إصلاح الدولة وبناء مؤسساتها”. هذا هو النمط الديماغوجي الذي يعتنقه “الحزب” للتعمية على سلاحه والجرائم التي ارتكبها ضد لبنان وضد اتفاق الطائف- تحديداً- وبالتأكيد ضد الدولة. والأهم أنه يعتقد أن اللبنانيين صدّقوه سابقاً ويصدّقونه الآن.

الأمر الآخر الذي لا يحبّذ “الحزب” سماعه هو أن “موازين القوى تغيّرت”، وكأن انكاره كفيل بإلغاء التغيير الذي شمل عموم الإقليم، من فلسطين التي وجهت إيران الى قضيتها ضربة قاصمة توازي ضربات إسرائيل وحلفائها، الى سوريا ولبنان وكذلك العراق، وصولاً الى إيران نفسها. قد لا يكون هذا التغيير لمصلحة الشعوب العربية ودولها، لكنه حاصل وكان لإسرائيل وحلفائها ولإيران وأذرعها أكثر الأدوار عدوانية ضد العرب بحيث تساوى عملياً انتصار هؤلاء وأولئك وهزيمتهم. وبطبيعة الحال، لا يرى “الحزب” المتغيّرات إلا بالمنظار الإيراني ولا اللبناني ولا العربي، وكل ما يهمه ألا تؤدي الى “التعاطي مع المكوّن الشيعي وكأنه في حال هزيمة”، لكن عدداً لا يحصى من المسؤولين العرب تلقوا اتصالات من قادة في “الحزب” يرجون تمييزهم عن حزبهم وإن كانوا لدواعي سلامتهم الشخصية والعائلية لا يستطيعون الجهر بنبذهم لقيادتهم.

يتسبب “الحزب” الآن في عرقلة انطلاقة العهد الجديد في لبنان، لأن كل يوم تأخير هو تمديد لعمر “حكومته” و”دويلته”، أما عودة الدولة والشروط لإعادة الإعمار وللانسحاب الإسرائيلي فلا تصبّ في مصلحته. وكان نعيم قاسم قال إن “أحداً لن يتمكّن من استثمار نتائج العدوان في السياسة الداخلية”، وقال حزبيون آخرون إن “هذا ما لا يمكن أن نرضى به أو نستسلم له، بل سنرفضه ونواجهه، ولن نسمح بتحوله إلى أمر واقع بأي حال من الأحوال”. لكنهم يريدون في مرحلة ما بعد الانسحاب الإسرائيلي “الاطمئنان إلى حماية المدنيين اللبنانيين وصون السيادة اللبنانية والإسراع في عملية إعادة الإعمار والانطلاق في ورشة وطنية لإنتاج استقرار اقتصادي وسياسي”… وسواء اعتبروه “استثماراً في نتائج العدوان” أم لا، فإن منطق الدولة هو الذي سيفرض نفسه بالنسبة الى السيادة وحماية المدنيين، فيما بات “الحزب” متيقناً بأن سلاحه ومنطقه الحالي يجازفان بإعادة الإعمار، رغم أنها أولوية بيئته الشعبية التي تريد الاطمئنان الى مستقبل أبنائها وليس البقاء في مناخ الحروب الدائمة.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا