مستقبل "حزب الله" في لبنان والإقليم
لعب "حزب الله" في العقود الأخيرة دوراً لبنانياً وإقليمياً لا يمكن تجاهله، وبصفته الذراع الضاربة للجمهورية الإسلامية في الشرق العربي، قدم لها استراتيجياً خدمات كبرى، كما قدمت الدولة الإيرانية الدعم الشامل للحزب، ليس فقط في التسليح والتدريب، ولكن في التمويل وإنشاء شبكة مالية يستند إليها في تقديم الرعاية الاجتماعية لبيئته، وبالتالي الاعتماد على مصدر واسع من التجنيد، كما لعب في الساحة الداخلية اللبنانية لعبة سياسية تحت شعار تحالف الأقليات وانجذب إليه عدد من الفاعلين السياسيين كمجموعات مثل "التيار الوطني الحر"، أو الافراد الذين طالتهم بعض خدمات الحزب المالية.
تدخل الحزب مسانداً المشروع الإيراني في كل من سوريا واليمن، وكذلك خلق له خلايا متعددة في عدد من الدول العربية، ووصل نفوذه المالي إلى مناطق في أفريقيا، وحتى إلى جنوب القارة الأميركية، مع عمليات واسعة من التجارة السرية التي درت عليه فائض مدخول استخدمه في الخدمات الاجتماعية التي قدمها لبيئته. دخوله في الحرب في سوريا ومساندته للحوثي، من بين أمور أخرى، أظهرا قدرته على تطوير تحالفاته والصمود أمام الضغط الدولي، والذي وصل في مرحلة ما الى اعتباره مجموعة إرهابية.
على مقلب آخر، لم تكن شريحة واسعة في لبنان موافقة على نفوذ الحزب في الداخل أو مرتاحة إليه، بل اعتبرته دولة داخل دولة، ودخلت معه في صراع سياسي أدّى الى سلسلة اغتيالات داخلية من أجل إسكات المعترضين، وأيضاً تخويف من هم غير مؤيدين، ودخل لبنان في مرحلة ضبابية في معظم سنوات العقود الماضية، نفّرت عدداً من العرب، وبخاصة المستثمرين في السوق اللبنانية.
بعد حرب 7 تشرين الأول/أكتوبر في غزة وتداعياتها الكبيرة والكثيرة، وبخاصة تدخل "حزب الله" (المتردد في البداية) ثم اندلاع حربه مع إسرائيل ومن ثم وقف اطلاق النار، أصبح مستقبل الحزب على أجندة الحديث اللبناني والعربي والعالمي.
مستقبل "حزب الله" مرتبط ارتباطاً عضوياً بالمشهد الواسع للجيوبوليتيك في منطقة الشرق الأوسط، وأيضاً علاقة إيران المستقبلية بإسرائيل والولايات المتحدة، فعلى تلك العلاقة سوف يتقرّر شكل تحالفات الحزب في المستقبل، باعتبار أن مركز الصراع هو الثلاثي إسرائيل - إيران - الولايات المتحدة. ومع وصول دونالد ترامب الى البيت الأبيض وسقوط النظام الأسدي في سوريا، تغيرت التحالفات في الشرق الأوسط تغيراً شبه جذري، وهي الآن في صيرورة لإعادة بناء تحالفات جديدة.
إلّا أن إيران و"حزب الله" لا يزالان في مرحلة الإنكار، وبخاصة إيران التي ترى من خلال الأدبيات الصادرة منها أنّ ما حدث هو مجرد نكسة وليس هزيمة!
سارع بعض اللبنانيين، بسبب ما ذاقوه من عنت الحزب في السابق، وبخاصة لجهة استيلائه على مفاصل الدولة وقبضته الأمنية، إلى قراءة نهايته الحتمية، على أساس أن الحزبيّات خبر قديم.
في تلك القراءة شيء من التسرع، صحيح أن الحزب فقد عدداً من العناصر المهمة الداعمة له، فقد زعيمه "الكارزمي" حسن نصر الله مع عدد كبير من القيادات، كما فقد التواصل الجغرافي مع حاضنته إيران، وبدأ يفقد بعضاً من حاضنته لخلل في الشبكة الاجتماعية، وبخاصة تمويل تلك الشبكة، ما أدّى الى اضطراب قيادي ملحوظ... تلك التغيرات الجذرية التي تمت في وقت قصير جعلت "حزب الله"، أو بالأحرى القيادات المتبقية، تفقد البوصلة، ويفقد الحزب قدرته السابقة على بناء التحالفات التي كان قادراً عليها في العقود السابقة. كانت تلك القيادة مناورة إلى حد كبير، وباطشة في الوقت نفسه، ولكنها لم تفقد بوصلة التحالفات الداخلية، ومشاركة رغيف الخبز مع آخرين ليسوا من نسيجها بالكامل.
لذلك جند الحزب عقولاً غير شيعية تتحدث باسمه تحت شعار التحرير والصلاة في القدس ودحر الاستكبار.
لقد تغير كل ذلك تلقائياً بعد عدد من الأحداث، أهمها ما حدث في سوريا، وأيضاً استيلاء إسرائيل على شريط من جنوب لبنان وسيادة طيرانها على الأجواء اللبنانية، وكذلك الموقف الأميركي الذي يشاهد أمامنا اليوم، فأول رئيس وزراء يقابل ساكن البيت الأبيض الجديد هو رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو.
تغيير المشهد كان يستوجب أن تتغير تكتيكات الحزب، إلّا أن ما وقع فيه حتى الآن ينبئ بفقدان تلك المرونة النسبية السابقة وبعدم قراءة واقعية للمتغيرات الجارية، وبهذا قد تتجاوز الأحداث الحزب الذي تضيق حوله الدوائر.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|