الصحافة

في اليوم العالمي للسرطان ...أرقام مُرعبة في لبنان في ظلّ واقع صحّي مأزوم!

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في الرابع من شباط من كل عام، تتجه أنظار العالم إلى معركة لا تُخاض بالسلاح، بل بالعلم والصبر والأمل. إنه اليوم العالمي للسرطان، اليوم الذي يتحول فيه الحديث عن هذا المرض من مجرد أرقام باردة، إلى قصص حياة تُصارع للبقاء، ومن تشخيص طبي إلى نداء لإنقاذ الأرواح.

 السرطان، هذا العدو المتخفي، لا يميز بين غني وفقير، ولا بين طفل وكهل، فهو كالنار الكامنة تحت الرماد، يترصد أجساد البشر، متغذياً على الأخطاء البيئية والوراثية، مستفيداً من كل نقطة ضعف في أنظمة الوقاية والعلاج.

ومع تطور الطب والبحوث، أصبح السرطان معركة ذات وجهين: الأول يمثله العلم الذي يكشف خباياه ويطور العلاجات، والثاني هو الواقع الذي يفرض نفسه في البلدان التي تعاني من ضعف الأنظمة الصحية، حيث يصبح التشخيص المبكر والعلاج مسألة حظ، أكثر من كونها حقاً مكتسباً.

 في وطني لبنان، هذا البلد الذي يقف على مفترق الأزمات، لا تبدو المعركة عادلة، إذ تتزايد أعداد المصابين، بينما تتآكل القدرة على المواجهة، بفعل الأوضاع الاقتصادية والسياسية المتدهورة.

السرطان.. بين الأرقام والصدمات الصحية

مما لا شك فيه انه خلال السنوات القليلة الماضية، تحولت الخلايا السرطانية إلى ما يشبه العدو الخفي الذي يزحف بصمت، إذ تشير الأرقام الحديثة إلى أن لبنان يسجل واحدا من أعلى معدلات الإصابة بالسرطان في المنطقة. ووفق تقارير الوكالة الدولية لبحوث السرطان، سُجِّلَت أكثر من 13,000 إصابة جديدة في عام 2022 وحده، مع وفاة أكثر من 7,000 مريض، وهي أرقام تكشف عن واقع صحي قاتم. الا ان أكثر ما يثير القلق هو ارتفاع معدلات الإصابة بسرطانات محددة، مثل سرطان الثدي، الرئة، البروستاتا، القولون، والمثانة، وهي أنواع ترتبط ارتباطاً مباشراً بالعوامل البيئية والغذائية والسلوكية.

وسط هذه الاجواء الخطرة، يؤكد مصدر طبي من مستشفى الجعيتاوي مختص في أمراض السرطان والتورم لـ "الديار" أن "السرطان في لبنان لم يعد مجرد مرض فردي، بل تحول إلى ظاهرة مجتمعية تغذيها مجموعة من العوامل، أبرزها:

- التلطّخ البيئي: المدن تختنق بدخان مولدات الكهرباء، كما يحمل الهواء المسموم بالنفايات المحترقة في طياته جزيئات سرطانية، تغزو الرئتين بصمت.

- المياه الملوثة: نهر الليطاني، الذي كان يوما شريان حياة، تحول إلى مستنقع للمواد الضارة، حيث تحذّر الدراسات من أن نسبة التعفّر فيه تجاوزت الحدود الخطرة، ما أدى إلى ارتفاع الإصابات بالسرطان في المناطق المحاذية له.

- الغذاء الفاسد والمبيدات الكيميائية: المنتجات الزراعية التي يفترض أن تغذي الأجساد، أصبحت تحتوي على بذور الموت، إذ تُستخدم مركبات تدميرية مسرطنة دون رقابة فعالة.

- التدخين وتلوث الهواء: لبنان من الدول ذات النسب المرتفعة في التدخين، سواء النشط أو السلبي، وهو ما يفسر ارتفاع نسب سرطان الرئة والمثانة.

- الإجهاد النفسي والأزمات الاقتصادية: تخلق الضغوط اليومية وانعدام الاستقرار الاجتماعي بيئة مؤاتية لنمو الخلايا السرطانية، حيث يؤثر التوتر المزمن في الجهاز المناعي، مما يسهل انتشار المرض.

دور الطب: ملحمة غير متكافئة

في سياق متصل بكل ما تقدم، يشير مصدر في وزارة الصحة لـ "الديار" الى انه "رغم أن لبنان لطالما كان معروفًا بتقدمه الطبي، خاصة في مجال الأورام، إلا أن الواقع الحالي مختلف تماما. والمستشفيات التي كانت تفتخر يوماً بمراكزها المتخصصة، تعاني اليوم من شحّ في الأدوية، هجرة الأطباء، وارتفاع تكاليف العلاج. العلاج الكيميائي، الذي كان متاحاً مجاناً لبعض المرضى عبر وزارة الصحة، أصبح اليوم رفاهية لا يستطيع الجميع تحملها".

الوزارات المعنية: بين العجز والغياب

ويشرح المصدر انه "في ظل الانهيار الاقتصادي، تحولت وزارة الصحة إلى متفرج عاجز أمام كارثة صحية متفاقمة. كما تراجعت برامج العلاج المدعومة، ووجد المرضى غير الميسورين أنفسهم أمام خيارين: إما البحث عن مساعدات خارجية، أو مواجهة المرض بلا دواء. وتتحدث الجهات الرسمية عن خطط واستراتيجيات، لكنها تظل حبراً على ورق، فيما تتصاعد صرخات المرضى ،الذين يواجهون هذا الوحش الفتاك دون سلاح".

هل يتجه الصراع ضد هذا الداء نحو الهزيمة مستقبلاً؟ يجيب مصدر طبي من مستشفى الجامعة الاميركية لـ "الديار" انه "إذا استمر الحال على ما هو عليه، فإن التوقعات ليست مبشّرة، وقد ترتفع معدلات الإصابة خلال السنوات المقبلة، إذا لم يتم اتخاذ خطوات جادة لمكافحة العوامل البيئية المسببة للمرض. بالإضافة الى انه مع تصاعد الأزمات الاقتصادية، قد يجد لبنان نفسه أمام سيناريو كارثي، حيث يصبح السرطان مرضاً غير قابل للعلاج إلا لمن يملك المال". 

ويسأل المصدر: هل يمكن للبنان أن يكسب معركته ضد السرطان؟ الجواب يعتمد على مدى جدية الدولة والمجتمع في مواجهة هذا التحدي. فإما أن يتحول السرطان إلى حكم بالإعدام لآلاف اللبنانيين، أو أن تنبثق من هذا الظلام إرادة حقيقية لمجابهة المرض بأسلحة الوقاية، التشخيص المبكر، والعلاج المتاح للجميع".

وفي ما يتعلق بارتباط الأسلحة بالإصابة بالسرطان، يوضح المصدر "يؤدي استعمال الأسلحة التي تحتوي على مواد كيميائية، بما في ذلك الفسفور الأبيض واليورانيوم المنضب والمتفجرات الحديثة، الى زيادة كبيرة في احتمالية الإصابة بالسرطان، خاصة عندما تُستخدم بكثافة في مناطق مأهولة بالسكان، كما حدث خلال الحروب "الإسرائيلية" على لبنان، وخاصة في حرب تموز 2006 وحرب الشهرين الأخيرة".

ويتطرق المصدر الى إحصائيات ودراسات حول تبعات الحروب على السرطان في لبنان بالقول: "بعد حرب 2006، أظهرت دراسات لبنانية ارتفاعا ملحوظًا في سرطان الدم وسرطان الغدد اللمفاوية، خاصة بين الأطفال في المناطق الجنوبية ،التي تعرضت لقصف مكثف. وقد ربطت تقارير طبية بين استخدام "إسرائيل" للأسلحة غير التقليدية، وزيادة معدلات التشوهات الخلقية والإجهاض في المناطق المتضررة. بالإضافة الى دراسة صادرة عن الجامعة الأميركية في بيروت، أشارت إلى أن التلوث الناتج من الحرب رفع مستويات المواد المسرطنة في الهواء والتربة، مما يضاعف خطر الإصابة بالأمراض السرطانية على مدى العقود القادمة".

نتائج التلوث الكيميائي والاشعاعي "مخيفة"!
من جهته، يشدد المصدر في وزارة الصحة على انه "إذا لم تُتخذ إجراءات جدية لمتابعة التلوث الكيميائي والإشعاعي الناجم عن الحروب، فإن لبنان قد يشهد ارتفاعاً مستمراً في معدلات السرطان خلال الأعوام المقبلة، خصوصا في المناطق الجنوبية، حيث لا تزال آثار القصف موجودة في التربة والمياه".

لذا،  يضيف المصدر ان الجهات الصحية مطالبة بإجراء مسوحات بيئية وطبية مكثفة، لكن في ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية، يبدو أن الأولوية لهذه الملفات ليست في الحسبان، مما يزيد المخاوف من كارثة صحية صامتة، ويعلّق "خلينا نشكّل حكومة اولا".

خارطة السرطان في لبنان: من الأكثر انتشارا؟

ويفنّد المصدر في وزارة الصحة بالأرقام "تربّع سرطانات الثدي، الرئة، والبروستاتا على عرش الأمراض السرطانية الأكثر شيوعاً في لبنان، كأنها ثلاثية قاتلة تُجسّد مزيجاً من العوامل الوراثية والبيئية وأنماط الحياة غير الصحية.

- سرطان الثدي، الذي لا يزال العدو الأول للنساء، يحتل المرتبة الاولى، مما يعكس خطورة المرض وأهمية الكشف المبكر.

- سرطان الرئة، المدفوع بعوامل التدخين والتلوث، يأتي في المرتبة الثانية، ليؤكد أن الهواء في لبنان لم يعد مجرد نسمة حياة، بل بات محمّلًا بملوثات قاتلة.

- يحتل سرطان البروستاتا، الذي يُعتبر شائعا بين الرجال، المركز الثالث.

- سرطان القولون، الذي يرتبط بالنظام الغذائي والتعرض للمواد المسرطنة، يأتي رابعا.

- سرطان المثانة، الذي يُعد التدخين والتلوث البيئي من أهم أسبابه، يأتي خامسا.

ولفت المصدر الى انه لا توجد ارقام رسمية للعامين المنصرمين، لكن لاحظنا انه من خلال التحاليل الطبية، والسؤال من قبل المواطنين عن ادوية للسرطان ومن بعدها التشخيص ارتفاع في اعداد المصابين".

ويتابع المصدر "في ظل هذا الواقع المأسوي، يواجه الأطباء اللبنانيون تحديات كبرى في مكافحة المرض. فالقطاع الصحي، الذي كان يوما ما من الأقوى في الشرق الأوسط، بات يعاني من نزيف هجرة الأطباء، وارتفاع تكاليف العلاجات، ونقص الأدوية الحيوية. وبالرغم من الجهود التي تبذلها المستشفيات الخاصة، فإن المرضى غير الميسورين يقفون أمام جدار مسدود، إذ لا قدرة لهم على تحمل كلفة العلاجات الباهظة، التي باتت حكراً على القادرين. مؤكدا ان الدعم الحكومي لا يزال خجولًا، وسط غياب أي خطط فعلية لضمان علاجات مجانية أو بأسعار مدعومة للمرضى المحتاجين".

مستقبل "سرطاني"

نستنتج انه إذا استمر الوضع على هذا المنوال، فقد نشهد ارتفاعا غير مسبوق في معدلات السرطان خلال السنوات المقبلة، مع تصاعد عوامل الخطر واستمرار الإهمال الرسمي.

لبنان يقف أمام كارثة صحية حقيقية، حيث يتزامن تفشي السرطان مع غياب الرؤية الصحية الشاملة، ما يجعل من هذا المرض أشبه بـ "الطاعون الحديث"، الذي ينهش في جسد الوطن بصمت.

لذلك، لا يمكن الحديث عن مواجهة السرطان في لبنان دون معالجة جذوره، فالمعركة لا تقتصر على العلاجات الطبية فقط، بل تبدأ من إصلاح بيئي شامل، مكافحة التدخين، توفير علاجات بأسعار ميسرة، ووضع استراتيجية وطنية تعتمد على بيانات دقيقة ومحدثة. وإلا، فإن السرطان سيبقى القاتل الخفي الذي يترصد اللبنانيين بلا هوادة.

ندى عبد الرزاق - "الديار"

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا