ماذا يجري بين سلام و”القوات”؟
لا أحد يعرف ما ستؤول إليه المفاوضات بين رئيس الحكومة المكلّف نواف سلام و”القوات اللبنانية”، لكن الانطباعات حتى الآن لا تُبشّر بالخير، إذ يبدو أن هناك هوّة في مقاربة الطرفين لموضوع تأليف الحكومة، ولا شك في أن ما يحصل مستغرب بل غير متوقّع، لأن “القوات” كان تنظر إلى سلام بإيجابية منذ فترة طويلة، حتى أنها كانت أوّل من سمّته لترؤس الحكومة في استحقاق سابق، وأقنعت مرشحيها النائبين أشرف ريفي وفؤاد مخزومي بالانسحاب لمصلحته كي يجمع أكبر عدد من أصوات النواب ويحقّق اختراقاً نوعياً مقابل مرشّح فريق الممانعة نجيب ميقاتي. وبالفعل قادت “القوات” معركة سلام وكان نوابها الـ19 ضمانة لفوزه برئاسة الحكومة.
يُحكى كثيراً عن ميول سلام اليساريّة، لكن “القوات” لم تبالِ بهذه “النظريات”، وهي اعتمدت في تأييدها له على تجربته الدولية كسفير للبنان في الأمم المتحدة ورئيس محكمة العدل الدولية، وكان كلامه في إطلالته الأولى بعد تكليفه واعداً ومنسجماً مع خطاب القسم لرئيس الجمهورية جوزاف عون والفريق السيادي الذي صوّت له.
لكن الأمور بدأت تأخذ منحى مختلفاً مع بدء عملية تأليف الحكومة، وتشير المعطيات إلى أن سلام تأثّر بضغوط الثنائي الحزبي الشيعي وتمّ استدراجه بذريعة أن الثنائي هو من يمثّل الشيعة حصرياً إنطلاقاً من التمثيل النيابي، واقتنع بأنه يجب أن يكون متناغماً مع هذا الثنائي بالحدّ الأدنى، إلى درجة أنه وافق على اعطاء حركة “أمل” وزارة المالية عبر “توزير” ياسين جابر المعروف بخوضه الانتخابات النيابية سابقاً مع “أمل” في أكثر من استحقاق.
من هنا جاء اعتراض “القوات” التي لم تفهم أي معايير اعتمد عليها سلام لإسناد المالية الى الثنائي الذي عاث فساداً في هذه الوزارة طوال الحقبة السابقة، فيما يمنع “القوات” من الحصول على وزارة سيادية كوزارة الخارجية بذريعة أنه لا يريد وزراء حزبيين.
وتؤكّد المعطيات المتوافرة من معراب أن “القوات” ليست طامعة بحصص إنما تريد أن تكون مشاركتها في الحكومة فاعلة وتحترم تمثيلها الكبير وخصوصاً أن تكتلها النيابي هو الأكبر في البرلمان، والمؤسف أنها تشعر بأن ثمة من يضع ألغاماً في وجهها، وحتماً هذه الألغام من إعداد فريق الممانعة، وهي تتساءل: كيف يُمكن لحكومة تتضمن وزراء للثنائي الشيعي أن تذهب بإتجاه تطبيق وقف إطلاق النار والقرار 1701 وتفكيك البنية العسكرية لـ”الحزب” في جنوب الليطاني وشماله؟
واللافت أن الأمر الأكثر استغراباً لدى “القوات” هو مراعاة سلام لهذا الثنائي على الرغم من أنه كان ضد انتخاب عون رئيساً ولا يريد سلام نفسه رئيساً للحكومة الجديدة إنما ميقاتي، ولا ترى أن حكومة تضمّ وزراء للثنائي يمكن أن تقود البرنامج السيادي لعون وسلام، ولن تفلح في بسط سلطة الدولة على كامل اراضيها كما وعد سلام نفسه، وبالتالي ستكون الحكومة مفخّخة ومعطّلة من داخلها.
سبب خضوع سلام للثنائي الحزبي الشيعي لا يُمكن تفسيره إلا بأنه لا ينفصل عن مجموعة مسؤولين في الدولة اللبنانية، لا يزالون متأثرين بسطوة “الحزب”، وهذا ما يبرز في عملية تشكيل الحكومة، طالما يضع سلام محظورات على تسلّم “القوات” لحقائب سيادية، ما يطرح تساؤلات حول الفريق الذي لا يريدها داخل الحكومة، وهذا مؤشّر سلبي جداً. فـ”القوات” تعتبر نفسها رأس حربة سيادية واصلاحية، وهناك في المقابل من لا يريد تنفيذ هذا المشروع ويعمل على تحجيمها.
أما الرئيس عون فلا يتدخّل مباشرة في تشكيل الحكومة إنما يعتبر ذلك من مهمة رئيس الحكومة المكلّف وفقاً للدستور، ويكتفي بأن يوقّع مرسوم تشكيل الحكومة عندما يأتيه سلام بالأسماء النهائية.
على الرغم من الذبذبات السلبية بين سلام و”القوات”، إلا أن التواصل لم ينقطع، وهو يجري بواسطة إيلي براغيد مدير مكتب رئيس “القوات” سمير جعجع، إضافة إلى قنوات أخرى، وحتماً الأمور لم تصل حتى الآن إلى الطريق المسدود، إلا أن خطواته الأولى في الموضوع الحكومي ليست مشجّعة، و”القوات” إذا لم ترتح للتشكيلة الحكومية بحيث تكون عرضة للتشكيك والإدانة، فلا مشكلة لديها بالبقاء في المعارضة، وهي مربحة شعبياً وانتخابياً. علماً أن قرارها لا يزال المشاركة في الحكومة حتى الآن لأن هناك استحقاقات ضخمة في البلد تستحق المشاركة في السلطة، شرط أن تتلاءم وحجم “القوات”، لا أن تكون مشاركتها هامشيّة.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|