تشييع نصرالله أم "حزب الله"؟
مساء 2 شباط الحالي أعلن الأمين العام لـ "حزب الله" الشيخ نعيم قاسم أنّ تشييع السيد حسن نصرالله أمين عام "الحزب" منذ 1992، وخلفه السيد هاشم صفي الدين، سيكون في 23 شباط. أقر قاسم بدفن نصرالله كوديعة منذ اغتياله في 27 أيلول الماضي بسبب تعذر دفنه لأسباب أمنية، وقال إنهم يحضرون "لتشييع جماهيري وشعبي يليق بالسيد". وإذا كان قاسم حدّد زمان الدفن ومكانه على طريق مطار رفيق الحريري في بيروت، فإن "الحزب" عاد وحدد مكان الاحتفال في مدينة كميل شمعون الرياضية، ولكن قاسم لم يقل إذا كان سيحضر ويترأس الحدث تعبيراً عن خروجه وخروج "الحزب" من دائرة الخطر حتى لا يقال إن تشييع نصرالله سيكون تشييعاً لـ "الحزب" أيضاً.
تعاطى "حزب الله" بجميع قياداته مع السيد حسن نصرالله وكأنّه لن يموت. على مدى اثنين وثلاثين عاماً راكم الأمين العام الكثير من الإنجازات التي حفرت عميقاً في ذاكرة الطائفة الشيعية في لبنان والعالم وفي وجدان "الحزب" الذي انطلق معه منذ تأسيسه في العام 1982. ولذلك ارتبط اسمه باسم "الحزب" أكثر من غيره ممّن تولّوا قيادته حتى صار مرادفاً له ورمزاً ومثالاً. هذا الربط بما فيه من إيجابيات يختزن أيضاً سلبيات كثيرة. ذلك أن اغتيال نصرالله بهذا الشكل غير المتوقع والصاعق، قد يكون أيضاً بمثابة اغتيال لـ "الحزب". أولى ظواهر هذا الاغتيال هي أن "الحزب" هوى من مركز القوة الذي كان يتمتع به إلى موقع أدنى بكثير، بحيث بات الحديث اليوم يتركّز على المصير الذي لاقاه بعد اغتيال قائده وبعد الحرب التي خاضها ضد إسرائيل منذ طوفان الأقصى في 8 تشرين الأول 2023 والخسائر الكبيرة التي تكبّدها، ويبقى من الصعب أن يتمكّن من تعويضها، وصولاً إلى إنهاء سيطرته على القرار السياسي الداخلي في لبنان وتشكيل حكومة جديدة بعيدة عن تسلّطه عليها لتكون أقوى منه، بعدما لم يستطع منع انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية، بحيث اضطر إلى منحه أصوات نوابه بعدما ظلّ يعطل انتخابات الرئاسة منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 تشرين الأول 2022، متمسكاً بمرشحه الوحيد رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية. بينما تمكن عام 2016 من فرض مرشحه العماد ميشال عون بعدما فرض الفراغ بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان في 24 أيار 2014.
"الحزب" مطمئن إلى الضمانات الأميركية
ربطُ مصير "الحزب" بمصير سيّده يشبه ما حصل مع كثيرين من قادة أحزاب وتنظيمات ورؤساء أنظمة توتاليتارية دكتاتورية، انتهت أحزابهم أو تنظيماتهم وأنظمتهم بانتهائهم موتاً أو اغتيالاً أو إقصاء.
في إعلانه عن موعد التشييع أسبغ الشيخ نعيم قاسم الكثير من صفات البطولة وهالة التقديس والعظمة على نصرالله، وهو الذي كان قال في كلمة سابقة له بعد اغتياله بأنّه تعلّم منه الكثير مع أنّه أقدم منه في العمل السياسي والدعوة الدينية والحزبية. هذا التفوق الذي يعطيه قاسم لنصرالله يعني بشكل مباشر أن حزب نصرالله سيبقى متفوقاً على "الحزب" في ظل أي أمين عام آخر. وهو اعتراف بالنقص وتدنّي مرتبة القيادة وبالتالي تدنّي قوة "الحزب" وطريقة عمله وحضوره. هذا التدنّي يمكن أن يحصل في حال كان الغياب طبيعياً وهادئاً، فكيف إذا كان حادّاً ومفاجئاً وقاتلاً وبعد حرب طويلة استنزفت قوة "الحزب" وقادته وعناصره وترسانته.
خروج "الحزب" من إطار الضاحية الجنوبية إلى مدينة كميل شمعون الرياضية يعكس الرغبة في إيجاد إطار أوسع منها من أجل ضمانات أمنية أكثر. واختيار التاريخ في 23 شباط بعد 18 شباط، التاريخ الممدّد لإنهاء الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب، يعني أنّ "الحزب" لن يخلّ بالاتفاق ولن يردّ على الخروقات الإسرائيلية، وأنّه مطمئن إلى الضمانات الدولية والأميركية بحتمية إتمام هذا الانسحاب. والأمر الذي لم يُعرف هو سبب عدم اختيار المكان الذي اغتيل فيه ليكون مكان دفنه بدل المكان الذي اختير قرب مطعم الساحة، بين طريقي مطار رفيق الحريري القديمة والجديدة.
عقدة التفوّق والحسابات الخاطئة
لم يكن الشيخ نعيم يتوقع أن تصل راية القيادة إليه. على كل حال لم يكن هو الخيار البديل الحاضر ولذلك كان "السيد الهاشمي"، كما سمّاه، السيد هاشم صفي الدين هو الأمين العام الخلف بعد اغتيال نصرالله. أقرّ قاسم بأنّه كان تمّ اختيار صفي الدين ولكن اغتياله جاء أيضاً قبل أن يتمّ الإعلان عنه. ولذلك سيُشيَّع مع نصرالله كأمين عام. يتولّى قاسم هذه المسؤولية وهو يدرك خطورة الموقع وخطورة المرحلة وخطورة الدور وكِبَر المسؤولية، وهو لا يتصرّف على أساس أنه سيتفوّق على نصرالله. يحكي الشيخ نعيم عن "النصر" الذي حقّقه "الحزب" على رغم خسائره الكبيرة على قاعدة أنّه نصر في العقيدة وفي الإيمان، وفي أن هدف الحرب التي شنتها إسرائيل عليه لم يتحقّق وأنّها لم تتمكّن من القضاء على "الحزب". بهذا المعنى يصير اغتيال نصرالله ثم اغتيال صفي الدين واختيار قاسم خلفاً لهما جزءاً من هذا النصر لأنّ "الحزب" لم ينتهِ مع اغتيال نصرالله ولأنّه مستمر مع قاسم. أما كيف يستمرّ فهذا بحث آخر.
كما شهد "الحزب" مراحل صعوده مع نصرالله سيشهد مراحل تراجعه مع قاسم. ليس بسبب ضعف قيادة قاسم واختلاف شخصيته عن شخصية نصرالله وعجزه عن مجاراته، وهو يدرك هذا الفرق الكبير بينه وبين نصرالله، بل بسبب اختلاف المرحلة أيضاً، وبسبب الحرب التي قادها نصرالله ودفع في خلالها حياته ثمناً لها وقدّم رأس "الحزب" لإسرائيل على طبق من قلة التخطيط وعقدة التفوّق والحسابات الخاطئة، وقد جاء قاسم بعد هذه النكبة لكي يحدَّ من الخسارة ويجمِّد انهيار "الحزب" المتفاقم ويضع حدّاً له ويحاول أن يستعيد بعض خسائره. ولكن هذه مهمة تبدو شبه مستحيلة اليوم وهي أكبر من قدرة قاسم وقدرة إيران حتى وقدرة "الحزب".
لذلك يمكن اعتبار أن تشييع نصرالله سيكون في وجهه الآخر تشييعاً لـ "الحزب". هذا الواقع يصعب على جماعة "الحزب" ومحور الممانعة تصديقه اليوم. كما لم يصدّقوا أنّ نصرالله يمكن أن يموت أو أن يُقتل أو أن تغتاله إسرائيل، فهم لا يصدّقون اليوم أن "حزب الله" يمكن أن يتدهور أكثر ويفقد الكثير من قوته التي كانت مع قائده التاريخي "سيد شهداء الأمة"، كما وصفه قاسم.
"إنّا على العهد"
اعتبر قاسم أن نصرالله "استشهد في وقت كانت الظروف صعبة ولم يكن لدينا إمكانية حتى نقوم بواجب التشييع وحتى نستطيع أن نقوم بهذا المشهد الذي يليق بهذه القامة العظيمة... نحن قرّرنا بعد أن حالت الظروف الأمنية للتشييع أن يُدفن سماحة سيد شهداء الأمة وديعة، وبعد أن دُفن وديعة كل هذه الفترة ارتأينا أن نختار يوم 23 شباط، يوم الأحد، من أجل إقامة تشييع مَهيب جماهيري واسع، وفي آن معاً هناك شخصيات من الداخل ومن الخارج وقوى وأحزاب ومسؤولون ومعنيون سيحضرون إن شاء الله هذا التشييع، ونحن نتأمّل أن يكون تشييعاً مهيباً يليق بهذه الشخصية العظيمة، وأعتقد أنّه سيُؤكّد رسالة سماحة السيد الشهيد، رسالة سيد شهداء الأمة، وسيكون له الأثر الكبير".
طبيعي جداً أن يكون شعار التشييع "إنّا على العهد". ما حصل في "حزب الله" لم يكن انقلاباً على القيادة السابقة حتى لا تحافظ القيادة المستجدة على العهد، بل وراثة لدورها في ظروف مختلفة وأكثر صعوبة بات معها الحكي عن الاستمرارية فقط بمثابة نصر. سيكون من حسن حظ قاسم إذا استطاع أن يعبر هذه المرحلة بأقلّ قدر من الخسائر ودفع الفواتير التي راكمتها استراتيجية القيادة السابقة التي كان جزءاً منها وإن لم يكن في دائرة القرار الأعلى فيها. ولكن من الصعب على قاسم عبور هذه المرحلة نتيجة أسباب كثيرة منها: سقوط نظام الأسد في سوريا وتولي رئيس هيئة تحرير الشام أحمد الشرع السلطة وتحوّل بلاد الشام إلى ساحة معادية لإيران ولـ "حزب الله"، وبالتالي انقطعت سبل التواصل البري بين "الحزب" وإيران ولم يعد هناك مجال لإعادة تسليحه. يضاف إلى هذا العامل إقفال معظم المعابر البرية والجوية والبحرية أمام "الحزب" الذي بات اليوم يجد صعوبة في تمرير الأموال النقدية، فكيف بالسلاح؟ وهو إذ يفقد وصايته على رئاسة الجمهورية والحكومة اللبنانية سيجد صعوبة في حماية بعض مواقعه داخل السلطة التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بقوته وبسلاحه، خصوصاً مع المضي قدماً في تنفيذ القرار 1701 واتفاق وقف النار ومصادرة أسلحته ومواقعه وترسانته، ذلك أن السلطة الجديدة التي تتكوّن في لبنان لا يمكنها أن تستمرّ في التغاضي عن التطبيق الملزم لها لهذه القرارات وللاتفاق.
الخروج من الأنفاق
قال قاسم: "نحن لم نتحدّث عن نصر مُطلق، نحن تحدّثنا عن نصر مُرتبط بالصمود ومُرتبط بالاستمرارية وبكسر الاجتياح الإسرائيلي وبعدم إنهاء المقاومة". من علامات التسليم بقدر "الحزب" وبمصيره الجديد يكون خروج قاسم من تحت الأرض إلى الضوء للمشاركة مع من تبقى من قادة "الحزب" في تشييع الأمينين العامين، نصرالله وصفي الدين، لأنّ هذا الخروج من الأنفاق يعني شعور قاسم بالأمان الذي تؤمّنه عملية الانتقال من حزب نصرالله إلى حزب جديد ينضوي تحت سقف التهديد الإسرائيلي وتحت سقف الدولة والسلطة والقانون. حزب ينتظر قيام الدولة في لبنان بينما يكثر الحديث عن تداعي السلطة القائمة في إيران التي يتبع لها "الحزب" بكل وجدانه وتاريخه وسلاحه. إذا سقط هذا الرابط فماذا يبقى من "الحزب"؟
نداء الوطن - نجم الهاشم
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|