"لا انتقاليّة ولا تأسيسيّة".. متري: الحكومة متمسّكة بوقف إطلاق النار
اقتراح لإعادة الإعمار: إيران تمول وأميركا تُشرف!
قبل مدة غير بعيدة، وعلى مشارف فترة قصيرة سبقت انتهاء ولاية الرئيس الأميركي جو بايدن، وفي أثناء تحرّك المبعوث الأميركي السابق عاموس هوكشتين على خط بيروت – تل أبيب وبيروت – واشنطن – الرياض، طُرحت فكرة مثيرة للاهتمام والجدل في آن معاً، من جانب سياسي لبناني مخضرم، قوامها: إعادة إعمار لبنان، وتحديداً المناطق التي دمّرها العدو الإسرائيلي في عدوانه الأخير، جنوباً وبقاعاً وفي العاصمة والضاحية الجنوبية، بأموال إيرانية وتحت إشراف أميركي!
بُهِرَ المبعوث الأميركي من دون أن يعطي رأياً، وغادر على أمل إثارة الموضوع في واشنطن.
الفكرة التي طُرحت ببساطة تقوم على الآتي: تُفرج الولايات المتحدة الأميركية عن أرصدة إيرانية مجمدة لديها، أو في دول أخرى مثل كوريا الجنوبية. تُستخدم هذه الأرصدة في مجال إعادة الإعمار في لبنان، على أن تتولى الإدارة الأميركية، عبر الوزارات المختصة لديها، مهمة المراقبة على عمليات الصرف، على غرار ما حدث زمن إعادة الإعمار في قطاع غزة بعد عدوان عام 2014، مما يضمن عدم تسرّب هذه الأموال إلى وجهات تتناقض مع عملية إعادة الإعمار وفق المنظور الأميركي. ثم تكون هذه الأموال مكمّلة للأرصدة التي وعدت بعض الدول العربية والخارجية بتقديمها.
ولتسريع الوتيرة، عُقد اجتماع بين الشخصية السياسية المقترحة لهذا “المخرج” ودبلوماسيين إيرانيين معتمدين في بيروت. وقيل إن المقترح وصل إلى السفارة الإيرانية عن طريق وسيط موثوق به لإبداء الرأي. معلومات “ليبانون ديبايت” أشارت إلى أن طهران وافقت على المقترح من حيث المبدأ، وأعطت لبنان موافقتها عليه من دون شروط، وهو ما سمعته شخصياً من دبلوماسي إيراني قبل مدة في لقاء خاص. فيما بعد، نُقلت الموافقة الإيرانية إلى الجانب الأميركي، عبر صاحب الفكرة نفسه، من دون معرفة ما إذا كان الأميركيون في وارد دراستها فعلاً أم اكتفى الناقل ضمن الجهة الأميركية بالنقل فقط.
في هذه النقطة، وُلدت قضية مرتبطة بسلسلة من الموافقات البيروقراطية الأميركية التي تبدأ ولا تنتهي. فالمقترح المقدَّم لا بد أن يخوض مساراً طويلاً، يبدأ بالوزارات المعنية، ثم لجان الكونغرس، فالكونغرس نفسه، وصولاً إلى الرئاسة.
العوائق أمام مقترح من هذا القبيل ليست سهلة، باعتراف من تقدم به أصلاً، وليست محصورة في الجوانب التقنية. ثمة قضية سياسية مهمة للغاية: ففي ظل خوض الولايات المتحدة وإسرائيل حرباً على النفوذ الإيراني وعلى وجود حزب الله في لبنان والمنطقة، هل يقبلان بمقترح كالذي قُدِّم، يتيح انتعاش الحزب لبنانياً وطهران إقليمياً؟
عملياً، وعلى مسافة فترة معينة، لم تصل خلالها للمصدر المقترح أي علامات حول ما سبق أن اقترح، كما لم يُوضع الإيرانيون بأجواء جديدة حول ما سبق وقدم، أما بالنسبة إلى موافقتهم، فما زالت قائمة.
انتهت ولاية الرئيس بايدن، ودخلنا في زمن ترامب، حيث المقترحات العقارية و”ريفييرا الشرق” الموعودة، ومشاريع اقتلاع الناس من أرضهم وتحويل المدن المدمرة إلى مشاريع ترفيه تتفوق على غيرها. وليس بعيداً، مشاريع متعاظمة لربط مستقبل سلاح الحزب أو النفوذ الإيراني بإعادة الإعمار في لبنان. ولا يخفى أن مصادر رسمية متنوعة، وأخرى على صلة بدوائر القرار الأميركي أو على تماس مباشر مع شخصيات أميركية مقربة من دوائر القرار في واشنطن، ربطت مصير إعادة الإعمار في لبنان بأجندة سياسية هائلة، لا تبدأ بمصير سلاح حزب الله على كامل الأراضي اللبنانية وليس في جنوب الليطاني فقط، ولا تنتهي بمستقبل وجوده كقوة سياسية أساسية في لبنان. إذ ثمة اختلاف واضح في هذه النقطة بين النظرة “البايدنية”، التي تسعى إلى الإبقاء على حزب الله ضمن نسخة سياسية “مهذبة”، وأخرى “ترامبية” تعتقد أن الحرب التي شُنّت على الحزب عسكرياً لا بد أن تستأنف بحرب ضمن إطار سياسي واضح، في محاولة لتحقيق تغييرات عميقة ضمن المشهد اللبناني الداخلي، وهو ما هو ظاهر اليوم.
عملياً، ليست هذه المرة الأولى التي تُرفع فيها اقتراحات أو تُقدَّم فيها مبادرات. سبق لهوكشتين نفسه أن وعد لبنان بالتنقيب عن الغاز ومن ثم إنتاجه، بعد إنجاز تحديد الحدود البحرية والبرية، في ما سُمي حينذاك “اتفاقية الترسيم البحري”، التي لم تجلب على لبنان سوى الشؤم والخراب. حينذاك أيضاً، رُبط مصير توقيع لبنان بمسار طويل، يبدأ بتأمين موافقات واستثناءات حول جر الكهرباء من الأردن عبر سوريا إلى لبنان، ومدّ هذا البلد الصغير بأطنان من الغاز المصري لزوم إنتاج الكهرباء. لكن لا هوكشتين ولا سفيرته السابقة في بيروت، ولا غيرهما، استطاعوا تحقيق ذلك. وباعتراف الجانب المصري، “علق المشروع – المقترح” في لجان الكونغرس ولم ينتهِ، ولو برفع استثناء محدود عن عقوبات قيصر، وبقيت المقترحات حبراً على ورق، لزوم القبض من لبنان وحصد التنازلات المهينة لا أكثر.
ما ينطق به البعض في لبنان، وعلى قسوته، يقوم على الشكل التالي: لن تحصل إعادة إعمار لما دُمّر إلا عبر مؤتمر على غرار “سيدر” أو غيره، يُعقد على أرض عاصمة إحدى الدول، ويُفتتح صندوق يشارك فيه الجميع دون إيران طبعاً. وهذا بدوره لن يحصل إلا بعد تقويض حضور حزب الله سياسياً، وهو أمر لن يكون ممكناً قبل حلول موعد الانتخابات النيابية 2026، حيث استقطاب القوى الأبرز. في المقابل، كل “شك” يصرفها حزب الله، سواء بدولار واحد أو بعشرين ألف دولار، سيكون وقعها كبيراً على من يأمل أن ينهار حزب الله من البوابة المالية.
"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|