العدو يرفض الانسحاب من بعض النقاط في جنوب لبنان حتى هذا التاريخ
الرّواية الكاملة وبالتفاصيل لخسائر الحزب في الحرب
شكّلت الحرب الإسرائيلية الأخيرة ضدّ الحزب محطّة مفصليّة في تاريخ التنظيم الذي صُنّفَ أكبر قوّة عسكريّة غير نظاميّة في التاريخ الحديث.
لكنّ هذا التصنيف لم يعفِ “الحزب” من مفاجآت لم يتوقّعها لحظةً في الحرب. كما أنّ تردّد قيادته في استخدام أسلحة صنّفها “الحزب” “استراتيجيّة” أدّى إلى أن تصبح هذه القدرات عبئاً على كاهل “الحزب” وإيران، مثل مسألة الصواريخ الدقيقة ذات الرؤوس المتفجّرة الثقيلة.
ماذا حصل مع “الحزب”؟ وما هي الخسائر الحقيقية التي أصابت جسمه العسكري؟ ولماذا تجنّبت إيران السّماح للحزب باستخدام الصّواريخ الباليستيّة؟
كانَ يوم 23 أيلول 2024 نقطة تحوّل كبرى في تاريخ الصّراع بين “الحزب” وإسرائيل. في صباح ذلك اليوم، أصدر المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي تحذيراً إلى سكّان جنوب لبنان يمهلهم حتى الظهيرة لمغادرة منازلهم والتوجّه نحو شمال نهر الأوّلي.
عند حلول وقت الظهيرة، كان جنوب لبنان يشهد أعنف موجة غارات جويّة في تاريخه. إذ شنّت الطائرات والمقاتلات الحربيّة ما يزيد على 800 غارة جوّية، تركّز معظمها في جنوب لبنان.
تقول مصادر عسكرية لـ”أساس” إنّ قدرة سلاح الجوّ الإسرائيليّ في حالة استنفار طائراته وعديده بشكل كامل تتيح له شنّ ما يقارب 200 غارة جوّيّة في اليوم. وهو ما يعني أنّ إسرائيل لم تكن وحيدة في شنّ الضربات الجوّية ذلك اليوم.
ترجّح المصادر أن تكونَ الولايات المتحدة قد شاركت بشكلٍ مباشرٍ في شنّ الغارات انطلاقاً من قواعدها في قبرص واليونان وحاملتيْ الطّائرات “يو إس إس ترومان” و”يو إس إس روزفلت”. وهذا يفسّر كثافة الغارات التي شهدها لبنان يومذاك.
الأمر الذي فاجأ قيادة “الحزب” يومذاك أنّ أغلبيّة هذه الغارات استهدفت بالفعل منصّات ومخازن وورش تصنيع الصواريخ والمسيّرات في الجنوب والبقاع وبعض مناطق جبل لبنان مثل إيعات في جبيل والمعيصرة في كسروان.
استهدفت الطائرات الإسرائيليّة أيضاً نقاط تمركز أنظمة ورادارات الدفاع الجوّيّ التي كان يعتمد عليها “الحزب” في مرتفعات لبنان والجنوب السّوريّ.
ضرب القدرة الهجوميّة
الغرض الأساس من الضّربات الإسرائيليّة يومها كانَ نسف ما أمكن من القدرة الهجوميّة لـ”الحزبِ” وإثارة الإرباك في صفوفه تحضيراً للهجوم البرّيّ الذي بدأ مطلع تشرين الأوّل الماضي.
تجلّى هذا المسار عبر 5 محطّات أساسيّة، كان لها الدّور الأساسي في تغيير مسار الحرب ورفع فاتورة الخسائر على الحزب:
أوّلها: اغتيال القائد العسكريّ للحزب فؤاد شُكر في الضاحية الجنوبيّة.
ثانيها: عمليّة “البيجر واللاسلكي” ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالعمليّة البرّيّة. إذ كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد كشف في تصريح سابق أنّ الأجهزة الإسرائيليّة كانت ستنفّذ العمليّة مطلع شهر تشرين الأوّل. لكنّ معلومات وصلت إلى الاستخبارات الإسرائيلية عن شكوك بدأت تتشكّل عند أمن “الحزب” تتعلّق بالأجهزة التي اشتكى بعض حامليها من نفاد بطّاريتها في 7 أيّام عوضاً عن 70 يوماً، وهذا ما أدّى إلى اتّخاذ قرار التفجير.
يمكنُ القول إنّ تفجير أجهزة البيجر واللاسلكي في 17 و18 أيلول الماضي كانَ أهون على “الحزب” ممّا لو فُجّرت هذه الأجهزة بالتزامن مع العمليّة البرّيّة كما كان مخطّطاً. إذ كان ذلكَ سيؤدّي إلى تخبّط واسع في صفوف المقاتلين وسطَ تقدّم إسرائيليّ قد يكون أبعد من نهرِ الليطاني.
دفعَ الخرق الإسرائيلي لشبكة الاتصالات الداخليّة لـ”الحزب” إلى اعتماد الأخير على “البيجر” باعتبارها أكثر أماناً وتحصيناً من الخرق. لكن تبيّن لاحقاً أنّ الخرق الإسرائيلي لشبكة الاتّصالات كان يهدف إلى إخراج أجهزة البيجر من المخازنِ لتصبح في أيدي العناصر المقاتلة وغير المقاتلة في صفوف “الحزب”.
ثالثها اغتيال قائد قوّة الرّضوان إبراهيم عقيل وقيادة الوحدة في 20 أيلول. إذ كان يضمّ الاجتماع كافّة القادة المسؤولين عن التخطيط والتنفيذ والتدريب وتوزيع المهام.
رابعها اغتيال الأمين العام للحزب حسن نصرالله ومعه مسؤول جبهة الجنوب علي كركي في مقرّ الأمانة العامّة للحزب المشيّد تحت 6 مبانٍ في الضاحية.
خامسها اغتيال خليفة نصرالله هاشم صفيّ الدّين ومعه عدداً من مسؤولي الحزب العسكريين والأمنيين، أبرزهم مسؤول وحدة الاستخبارات حسين هزيمة ومسؤول وحدة الأماكن علي بحسون “الحاج عادل”، ومسؤول التجميع الجوّيّ في استخبارات الحزب صائب عيّاش.
10 آلاف خارج الخدمة
حصدت عمليّة البيجر واللاسلكي أكبر عددٍ من الإصابات التي أدّتإلى إصابة الآلاف ومقتل العشرات من مقاتلي “الحزب”. تركّزت الغالبيّة العظمى من الإصابات بالأعين والأصابع والأيدي. وهو ما يعني خروج هؤلاء المصابين، الذين يزيد عددهم على 4,000 مقاتل يتوزّعون بين لبنان وسوريا، من الخدمة العسكريّة الفعليّة. يضاف إليهم سقوط 800 مقاتل قبل يوم 23 أيلول وإصابة 1,500 بجروحٍ، بفعل الاستهدافات المركّزة والاشتباكات الحدوديّة.
لكنّ عدد الخسائر البشريّة ارتفع بشكل كبير بعد 23 أيلول. إذ تشير تقديرات استخباريّة غربيّة إلى أنّ “الحزب” فقد بين 23 أيلول و26 تشرين الثاني ما يزيد على 2,500 مقاتل، وأصيبَ ما يزيد على 4,000 في الاشتباكات والغارات التي استهدفت منشآت “الحزب” في الجنوب والضاحية والبقاع.
تمرّد على القيادة
يقول مصدر أمنيّ مطّلع لـ”أساس” إنّ “معركة الخيام”، التي قاتل فيها عناصر “الحزب” ما يزيد على 3 أسابيع، خسرَ فيها “الحزب” حوالي 200 من عناصره لم يقبلوا أن يلبّوا أوامر قيادتهم العسكريّة بالانسحاب من البلدة وأصرّوا على القتال فيها حتّى آخر عنصر.
لم تكن الخيام هي البلدة الوحيدة التي خالف فيها عناصر “الحزب” أوامر الانسحاب، وهو ما أدّى لسقوط العشرات منهم ووقوع بعضهم في الأسر.
الأمر عينه تكرّر في قرى الشريط الحدودي، وتحديداً في عديسة وعيتا الشعب وعيترون ومارون الرّاس. تؤكّد معلومات “أساس” أنّ الحزب عثر بعد الانسحاب الإسرائيلي من عيترون على 87 جثماناً لمقاتليه الذين لم ينسحبوا من البلدة. كذلكَ فإنّ بلدة عديسة كان ينتشرُ في شوارعها وأحراجها ما يزيد عن 40 جثة لمقاتلي الحزب.
هذه الخسائر لا يُحتسبُ ضمنها عدد العناصر الذين سقطوا في القتال قبل أوامر الانسحاب.
كانت خطّة “الحزب” الدّفاعيّة تُركّز على إعاقة أيّ محاولة تقدّم برّيّ لمدّة تراوح بين 7 أيّام و10 أيّام حدّاً أقصى، ثمّ الانكفاء إلى الخطوط الخلفيّة في محاولة لجرّ الجيش الإسرائيلي إلى مناطق الخطّ الثّاني ذات الأودية والتلال، في تكرار لسيناريو وادي الحجير وسهل الخيام في 2006. لكنّ كثيراً من عناصر “الحزب” قاتلوا لمدّة أسبوعين إلى 3 أسابيع في تمرّد واضح.
المفاجأة البرّيّة
المفاجئ أيضاً أنّ الجيش الإسرائيلي لم يعتمد الأسلوب الذي كان يريده “الحزب” الذي أعدّ 320 عقدة قتاليّة في مناطق الجنوب، بل اعتمد على استخدام مجموعات خاصّة من المُشاة لا تعتمد بشكلٍ كبير على الدّبابات والمدرّعات، بل على الطائرات المسيّرة التي تتقدّم المجموعة وتواكبها وتمشّط طريقها. وهذا أعفى الإسرائيليين قدرَ الإمكان من الوقوع في فخّ “المسافة صفر”، فقلّت نسبة الخسائر في صفوف جيش الاحتلال وتجنّب عناصره الأسر.
إلى ذلك كان الجيش الإسرائيلي قد اتّخذَ قراراً بتطبيق “بروتوكول هنيبعل” على الجبهة اللبنانيّة. إذ يذكر المصدر أنّ الطائرات المسيّرة الإسرائيلية استهدفت مرّتين عناصر من الجيش الإسرائيلي كادوا أن يقعوا في الأسر في عيتا الشعب والخيام. وهذا أفقد “الحزب” ورقة مهمّة أيضاً.
الحربُ الضّروس التي تعرّض لها “الحزب” أفقدته آلاف العناصر المقاتلين، خصوصاً من قوّة الرّضوان التي كانَ قد أنشأها “الحزب” كقوّة اقتحام خاصّة، راكمت خبراتها من الحرب السّورية في اقتحام المدن والبلدات. كما أنشأ لها جهاز استخبارات خاصّاً بها وجهّزها بأسلحة تعتبر أكثر تطوّراً من الوحدات الأخرى.
“الحزب” إلى 1982
يمكن القول إنّ الضربات، التي تعرّضت لها قوّة الرّضوان من البيجر والاغتيالات إلى الاشتباكات، أخرجتها من الخدمة تقريباً. وبالتالي لم يعد الجمع بين خبرة الجيش النظامي وحرب العصابات نافعاً بالنسبة لقيادة “الحزب”، خصوصاً بعد انكشاف دور وحدة الرضوان عقب عمليّة طوفان الأقصى في تشرين الأوّل 2023.
اليوم يعيد “الحزب” تأسيس نفسه وكأنّه في عام 1982. ما تعرّض له على صعيد العديد من القيادات والعناصر وعلى صعيد استهداف ما ظنّ “الحزب” يوماً أنّه سلاح رادع، أعادَه إلى أيّامه الأولى. وبالتالي لم تعد الصواريخ الدقيقة والثقيلة تجدي نفعاً عسكريّاً ولا سياسيّاً.
كان استخدام هذه الصواريخ محلّ انقسام داخل صفوف قيادة “الحزب”. إذ كان هناك جناح داخل “الحزب” يمثّله الأمين العامّ السابق هاشم صفيّ الدين يؤيّد ضربَ تل أبيب بقوّة بعد اغتيال نائب رئيس حركة حماس صالح العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت مطلع عام 2024. لكنّ حسابات الأمين العامّ الرّاحل حسن نصرالله كانت عدم الدّخول في حربٍ واسعة جرّه إليها نتنياهو شيئاً فشيئاً في مزيج من الدهاء السياسي والعسكري ورسائل التضليل حول ضعف الجيش الإسرائيلي وعدم رغبته في خوض حرب على الجبهة الشّماليّة.
اللافت أنّه على الرّغم من اغتيال نصرالله وصفيّ الدّين أواخر أيلول ومطلع تشرين الأوّل الماضيَيْن، بقيت قيادة “الحزب” حريصة وتحسب حساباً لاستعمال هذه الصّواريخ. إذ يكشف المصدر لـ”أساس” أنّ استهداف تل أبيب وبني براك يوم الأحد 24 تشرين الثاني، أي قبل وقف إطلاق النار بـ48 ساعة، كان باستخدام صواريخ فاتح 110.
لكنّ قيادة “الحزب” قرّرت استبدال الرؤوس الحربيّة لهذه الصواريخ برؤوس تزن 50 كيلوغراماً من المتفجّرات عوضاً عن 500 كيلوغرام. وذلكَ خشية أن تردّ إسرائيل بقصف العاصمة بيروت. وهذا يعني أنّ المعادلة التي أرساها نصرالله في حرب تموز 2006 لردعِ إسرائيل عن قصف بيروت باتت معكوسة، وبات “الحزب” مردوعاً عن استخدام هذه الصواريخ.
يُضاف إلى تردّد قيادة الحزبِ في استخدام الصواريخ الباليستيّة، القرار الإيراني بذلك أيضاً. إذ إنّ إيران تعتبر منصّات هذه الصّواريخ قواعد لها، تستخدمها وفقَ حاجتها.
كما أنّ إسرائيل كانت قد حذّرت طهران عبر قنوات دبلوماسيّة أنّها ستعتبر إطلاق صواريخ ثقيلة ودقيقة من لبنان تجاه العمقِ الإسرائيلي دخولاً إيرانيّاً مباشراً في الحرب. فأمر إطلاق وتحديد وجهة هذه الصواريخ لدى الحرس الثوريّ وحده. لهذا كانت حسابات إيران باستخدامها أدقّ من حسابات الحزب.
تعقّب في الصّواريخ
تؤكّد المصادر أنّ “الحزب” اكتشفَ خرقاً نوعيّاً يتعلّق بصواريخ “فجر” السّورية الصّنع. إذ تبيّن أنّ أغلبيّة مخازن هذه الصواريخ تحديداً كانت مكشوفة عبر زرع شرائح تعقّب على الصّواريخ، يرجّح أن يكونَ من المصدر السّوري. وهذا أدّى إلى انكشاف أماكن التخزين في أودية وأحراج مجرى الليطاني.
اللافت أيضاً أنّ “الحزب”، على عكس حرب تمّوز 2006، لم يستهدف أيّ قطعة بحريّة إسرائيليّة. ذلك أنّ مخازن صواريخ أرض – بحر من طراز “ياخونت” الروسيّة الصّنع التي تصنّف من أكثر الصواريخ البحرية تطوّراً وقدرة على التدمير وC802 الصينيّة تعرّضت للتدمير في الأيّام الأولى للحرب. وهذا ما أعطى البوارج الحربيّة الإسرائيلية الأريحيّة في استهداف العمق اللبنانيّ بصواريخ “كروز” من دون أن تتعرّض للاستهداف كما حصل مع بارجة ساعر 5 في الأيّام الأولى من حرب 2006.
هكذا يمكن تلخيص خسائر “الحزب” العسكريّة التي انسحبت تلقائياً على المستوى السياسي. فداحة الخسارة البشريّة لم يتوقّعها “الحزب”، الذي لم يكمل إحصاء الخسائر البشرية بسبب وجود الجيش الإسرائيلي في بعض مناطق الجنوب.
لذلك أعاده إلى 1982 فقدان القوّة الضاربة العسكريّة والقدرة الصاروخية الاستراتيجية، فهل يعود سياسياً إلى 1982؟ أم ينكفئ من المشهد العسكريّ تحت عنوان وضع السّلاح في إمرة الدّولة اللبنانية عبر استراتيجيّة دفاعيّة؟ القرار بين طهران علي خامنئي وواشنطن دونالد ترامب.
ابراهيم ريحان - اساس ميديا
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|