"مشهد اليوم تاريخي"... جابر: كنا نتمناه وطنياً جامعاً لكل الاطياف
مشهديّة التّشييع: الحزب بحاجة إلى نصرالله
انتظر مريدو السيّد حسن نصرالله كثيراً، قبل أن يأتيهم موعد التشييع. ارتبط التأجيل بالتطوّرات العسكرية التي فرضتها إسرائيل بفعل رفضها التزام مندرجات وروزنامة اتّفاق وقف إطلاق النار. انتظارٌ بدا بالنسبة لمؤيّديه وكأنّه “دهر”، مفتوح على سيناريوهات تحاكي الغيب: هل يمكن لرجل مثل نصرالله أن يموت؟ هل تحصل المفاجأة أو الأعجوبة فيطلّ من مكان ما؟
انتظروا كثيراً قبل أن تحدّد قيادة “الحزب” تاريخ “اللقاء الأخير”، ليكون استثنائياً، أقلّه بالشكل، ليختزل المضمون. أمّا ما بعده، فتريده القيادة الجديدة أن يحدث كلّ الفرق. ومع ذلك، تبدو عاصفة المتغيّرات الإقليمية أكبر من قدرة “الحزب” على ردّها أو مواجهتها. وهو ما يفتح باب التساؤلات واسعاً، لكن لا إجابات عليها حتّى الساعة.
بات جليّاً أنّ مشهدية التشييع ستستجيب لما خطّط له “الحزب” طوال الأيام الماضية. فقد عمل على استنهاض القواعد والمحبّين، بل طائفة برمّتها، من لبنان والإقليم، لكي يأتي الحدث على قدر التطلّعات والهندسات السياسية. اكتملت التحضيرات والاستعدادات، وقفز الاهتمام وما يستدعيه من علامات استفهام إلى “اليوم التالي”.
لم تعد للعبة الأرقام أهميّة تذكر. لقد أدّت وظيفتها مسبقاً، سواء حضر مئة ألف أو مئتا ألف، أو أكثر أو أقلّ. المشهد في مدينة كميل شمعون الرياضية وحولها على طول الطريق المؤدّي إلى المرقد، صار مرسوماً في الأذهان، حتى قبل حصول الحدث. الرسالة وصلت إلى الداخل والخارج: “الحزب” لا يزال الرقم الأوّل في بيئته.
على مسافة خمسة أشهر من غياب نصرالله، بدت قيادة “الحزب” في أمسّ الحاجة إليه. وها هي اليوم تستعين بجنازته لتلتقط أنفاسها. لا داعي ليعلن ذلك أيٌّ من قياديّي “الحزب” أو يصارح به الجمهور. المكتوب يُقرأ من عنوانه. “الحزب” في حال تخبّط وإرباك كبيرين جليّة للعيان. العدوان الإسرائيلي فعل فعله في التنظيم، وفي ناسه وبيئته وجغرافيّته وفي تمويله وتسلّحه. كان سقوط النظام السوري الضربة الأقسى التي قطعت الشرايين ومنعت عنه الأوكسيجين.
“الحزب” بحاجة إلى نصرالله
“الحزب” بأمسّ الحاجة إلى نصرلله ليواسيه في مصابه الأليم: التنظيم منهك، الخروقات نهشت جسده، ورشة إعادة الإعمار معلّقة ومؤجّلة ومشروطة بحبل يلفّ حول عنق “الحزب”، الضغط الدولي يتزايد لتجفيف مصادر التمويل، والعدوان الإسرائيلي مستمرّ ولو بوتيرة مختلفة… وكلّها أدوات “ضغط” تأتي في سياق وضع “الحزب” في الزاوية لإضعافه ومحاصرته وتأليب ناسه عليه.
يدرك “الحزب”، حتى لو لم يقرّ علناً، أنّ الانكسار العسكري الذي فرضته وقائع الحرب مكلفٌ جدّاً. ومسلسل الأكلاف يتوالى: بداية مع الاستحقاق الرئاسي الذي أتى بالعماد جوزف عون رئيساً، ثمّ الاستحقاق الحكومي الذي تمّ إنجازه على شاكلة “انقلاب” بلغ حدّ استبعاد “الحزب” من لجنة البيان الوزاري. حتى التشكيلة الحكومية تفرّدت بالثنائي وجرّدته من حلفائه، لتنزع منه الثلث المعطّل، وتترك الفيتو الميثاقي رهينة “مزاج” وحسابات الوزير الملك فادي مكّي. و”الحبل على الجرّار” إلى أن يحين موعد الانتخابات النيابية، المحطّة المفصلية لولادة البرلمان الجديد.
في 27 أيلول وقع الانفجار الكبير. يومها حصل الفصل التامّ بين ما قبله وما بعده. تدحرجت الخسائر التي قضمت من “الحزب” الكثير والكثير. أمّا يوم التشييع فوظيفته معروفة ومحدودة، حتى لو استخدم “الحزب” أسلوب التضخيم والمبالغة في الرسائل المرجوّة من الحدث، والمهامّ المطلوبة منه.
ماذا تستهدف المشهديّة؟
بهذا المعنى يقول قياديون في “الحزب” إنّ ما بعد التشييع ليس كما قبله. لكنّ مسار الأمور يثبت أنّ المشهدية تستهدف:
- الجانب العاطفي المرتبط بمؤيّدي نصرالله. وهو جانب لا يمكن تجاوزه لما كان للرجل من مكانة رفيعة بين ناسه وداخل التنظيم الذي طبعه بشخصيّته لأكثر من ثلاثة عقود. مشهدية التماسك هي أولى الرسائل التي سيطلقها التشييع في فضاء راصديه، لكن ليس أهمّها.
- الجانب الديني المرتبط بالمظلومية، حيث يبدو أنّ “الحزب” قرّر الاستعانة بهذا الخطاب لمواجهة المرحلة المقبلة بعد تكريس مكانة نصرالله في النوستالجيا الاجتماعية للطائفة الشيعية.
- الجانب السياسي، وهو الجانب الأبرز الذي يستهدف الردّ على كلّ الروايات التي تطال “الحزب” منذ سقوطه عسكرياً: هو تعّرض للهزيمة لكنّه لم يُسحق. صحيح أنّه بحاجة إلى وقت طويل ومجهود استثنائي لكي يتعافى لكنّ خزّانه الشعبي لم ينضب ولم يخذله. لا تزال ترسانته الشعبية على حالها. لكنها بحاجة إلى صدمة إيجابية تعيد رفع معنوياتها وتنتشلها من حالة الوهن التي تصيبها والتي تملي عليها ردّات فعل إنفعالية، لا تعبّر إلّا عن شعورها بالضعف والعزل. وهذه أولى مهام التشييع.
هنا تتفرّع العناوين التي يحاول “الحزب” مواجهتها في المرحلة المقبلة بعد أن يثبت أنّه لا يزال “حيّاً يرزق” وبكامل لياقته التمثيليّة، وهي:
- التخفيف من حدّة اتّفاق وقف إطلاق النار، خصوصاً إذا أصرّ المجتمع الدولي، وتحديداً الولايات المتحدة، على توسيع الإطار ليشمل شمال الليطاني. وقد حصّنت الحكومة نفسها ببيان وزاري أعلن صراحة حصرية امتلاك السلاح بيد الدولة.
- الحدّ من الضغط الدولي الذي يتعرّض له “الحزب” والمرجّح أن يأخذ أشكالاً تصاعدية وصولاً حتى الانتخابات النيابية.
- تطويق الانقلاب الداخلي، حيث ينتظر أن تقوم الحكومة بأوسع سلّة تعيينات أمنيّة وعسكرية وقضائية وإدارية، ويخشى “الحزب” أن يترك خارجها. ولهذا سيحاول تعزيز موقعه السلطويّ لمواجهة الانتخابات النيابية بأقلّ الضغوط الممكنة.
عنوان إعادة الإعمار تفجيريّ؟
مع ذلك، ثمّة عنوان كبير سيحكم علاقة “الحزب” بمحيطه، القريب والبعيد، أي الدولة ومن خلفها المجتمع الدولي الضاغط، وهو إعادة الإعمار. الورشة ضخمة تحتاج إلى دعم دولي كبير. وهو غير متوافر إلى الآن بقرار مبرمج. و”الحزب” عاجز عن تحمّل أعبائها. ولذا يصير السؤال – المفتاح: كيف ستتصرّف الدولة مع الطائفة الشيعية؟ هل سيكون بمقدورها تفهّمها والعمل على استيعابها؟ أم ستتّجه الأمور إلى مزيد من التوتّر والاشتباكات في الشارع… وحادثة إقفال المطار نموذج أوّليّ؟
كلير شكر -اساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|