الصحافة

تشييع مرحلة... وولادة أخرى

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في الأدبيات الحزبلاهية، تتماهى شخصية السيد حسن نصرالله مع "الحزب" حتى الذوبان، فيشكل أسطورته وأيقونته، على اعتبار أن السيّد هو باني مجد "الحزب" وصانع انتصاراته، باسط سطوته وفارض سلطته، ولأنّه كذلك جعلوا "سرّه مُقدّساً"، أي مُطهّراً ومُباركاً من الله القدّوس المنزّه من كل عيب.

وهذا شأن الطوائف جميعها في لبنان، حمّلت بلادها أكثر مما تطيق، ثم جعلت زعيم طائفتها أو كبيرها، شخصية ذات قدسية، تستلهمها عندما تستشعر الخطر، وعندما تكون على طاولة التحاصص تأكل ممّا يليها وتمدّ يديها على كل ما يحيط بها، راضية مرضيّة، عند ذلك تنسى طائفيتها وتصبح طائفة وطنية "مودرن".

على أن نصر الله يتميّز عن باقي رؤساء الطوائف بالمعنى اللبناني، بأنه جمع إلى حدّ بعيد بين الرئاستين الدينية والسياسية، فكان المرشد الأخلاقي والواعظ الديني الذي يحث جماعته على التديّن الشيعي وفقاً للأصول المتبعة، كما كان القائد السياسي الذي يفصل في السياسة والانتخابات ويقود المعارك ويعلن الانتصارات، ويوظف هذه الانتصارات دينياً عندما يمنحها بعداً شيعياً، جرى ذلك في الجنوب وكرره في سوريا، وصرّح به علناً في ما خصّ اليمن والسعودية.

فوق ذلك، وجدت إيران بشخصية السيّد مشروعاً استثمارياً ناجحاً، فالرجل صاحب كاريزما استثنائية يمكنه جذب عشرات الآلاف من المسلمين الشيعة إلى كنف المشروع الفارسي، ومؤيّد بقدرة خطابية تحشيدية جماهيرية لافتة، تساعد على تحقيق المبتغى، فجعلته على رأس محورها التخريبي، والشاهد أنه في اليوم الذي سقط فيه نصرالله، تداعت كل ميليشيات المحور ودوله، هرباً، تكويعاً، أو اختباءً.

ولأن نصر الله كان كذلك، كان الثمن الذي قبضه "حزب الله" في البداية كبيراً جداً، ثم دفع الفاتورة الأكبر عبر تاريخه عندما تغيرّت الظروف وتبدّلت الأحوال، واغتيلت القيادة، وانتهت وظيفة "الحزب" كما حددتها له طهران، ويشيِّع الخامنئي اليوم بتشييع نصرالله، دور "حزب الله" العسكري والأمني والاستراتيجي، ويطوي صفحة التخيّلات الكبرى أنّه يمكنه أن يحتل أربع عواصم عربية وأن يبقى فيها.

إلا أن ذلك، لا يجب أن يدعونا إلى القطيعة مع ما تبقى من "الحزب"، بل علينا واجب استيعابهم وطنياً وشعبياً، كما جرى إبّان الاعتداء الإسرائيلي الأخير، وعلى هؤلاء جملة من الواجبات الوطنية التي يجب أن ينكبوا عليها ليعودوا إلى ممارسة حياتهم السياسية الطبيعية، في مقدمتها إعلان "الحزب" بشكل مباشر وعلني أن مرجعيته الدولة اللبنانية وسقفه دستورها، تسليم سلاحه غير الشرعي إلى الجيش اللبناني، وتسليم كل المتورطين في جرائم داخلية ليُصار إلى محاكمتهم.

وعلى "الحزب" أن يُراجع مسيرته السابقة بحق لبنان، أين أخطأ وأين أصاب، وعليه بعدها أن يوجه اعتذاراً لكل اللبنانيين عما افتعله وأقدم عليه بحقهم، وإلا لن تكون هناك حياة مشتركة معه، وسنكرّر أخطاء ما بعد الحرب الأهلية بحيث لم نطمس معالمها كلياً، فنعيد استحضار أدبياتها عند كل استحقاق.

يشيّع "حزب الله" مرحلة أساسية من تاريخه، مرحلة كان سيّدها وملكها، ويدخل مرحلة جديدة يتساوى فيها مع كل اللبنانيين، ويمارس حياته السياسية والحزبية دون سطوة سلاح ومشاريع غرارة وأساطير متخيلة ومشاريع وهمية، وتغطية فساد، وتحالفات غب الطلب.

يشّيع "حزب الله" سيّده الذي أمعن في الخراب اللبناني والعربي، وكان عاملاً أساسياً في الإساءة لعروبة لبنان وعلاقاته التاريخية مع الدول العربية، وواجب عليه تعويضنا جميعاً عن كل ذلك، بأن يتلبنن في طرحه السياسي وينطلق في مقارباته الخارجية من مبادئ الدستور اللبناني، لا دستور الولي الفقيه.

ولادة "حزب الله" الجديدة نريدها لبنانية خالصة، حتى نتمكن جميعنا كلبنانيين من مواكبة عهد الإنقاذ والإصلاح وبناء الدولة الموعودة.

مصطفى العويك-نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا