وزير الدفاع الإسرائيلي يعلّق على تحليق الطيران فوق موقع التشييع... ماذا قال؟
يوم الوداع "المليوني"... وماذا بعد؟
مَن كان قادرًا على جمع آلاف مؤلفة من جمهور كان ينتظر إطلالاته وحضوره الآسر بشغف قلّ نظيره حتى ولو من خلف الشاشات، لن يكون عصّيًا عليه أن يجمع أضعافًا مضاعفة سيزحفون اليوم إلى "مدينة "كميل شمعون الرياضية" لتوديع مَن كان لهم الأمل والضمانة والموجه والمرشد والمرجع. فلا أحد، لا من الخصوم ولا من المحبين والمؤيدين، يشكّ لحظة واحدة في قدرة "حزب الله" على "التحشيد" في الزمن العادي، فكيف الحال في أهم حدث بالنسبة إليه، وإن كان هذا الحدث أليمًا حتى الموت.
ففي يوم وداع الأمين العام السابق السيد حسن نصرالله، ومعه خليفته السيد هاشم صفي الدين، سيكون المشهد استثنائيًا. وهذا ما يتوقعه كثيرون في الداخل والخارج. واستثنائية هذا المشهد ستظهر حتمًا في مدى التزام جمهور "حزب الله" في الزحف إلى مكان التشييع، الذي أُعدّ لكي يراه العالم كله، وبالأخص في الداخل الإسرائيلي، كرسالة مباشرة مفادها وفحواه بأن العدو قادر على قتل الجسد، وتدمير المنازل، وجرف البساتين والحقول، وتشريد آلاف المواطنين من بلداتهم وقراهم، لكنه لأعجز من قتل هذه الجزوة الحسينية الراسخة في النفوس والاحلام، وهو لأعجز من أن ينال من نخوة "أهل البيت"، الذين سيتحدّون اليوم جنون الطبيعة، غير أبهين بما سيتعرّضون له من برد وصقيع وزمهرير ومطر.
هي مشهدية الموت والغياب الجسدي. هي حال تساوت فيها كل العائلات الروحية في لبنان، بدءًا بأبناء الجبل من الطائفة الدرزية، التي خسرت القائد المعلم كمال جنبلاط، وقبلها الطائفة الشيعية قبل أن تخسر السيد حسن نصرالله غُيّب لها سماحة الامام موسى الصدر، وكذلك المسيحيين، الذين فقدوا أول رئيس للجمهورية يُغتال هو الشيخ بشير الجميل، وأُعيدت الكرّة باغتيال ثاني رئيس للجمهورية يُغدر به هو رينيه معوض، وكذلك الأمر بالنسبة إلى السنّة الذين سقط لهم أكثر من شهيد على مذبح الوطن بدءًا بالرئيس رشيد كرامي ومرورًا بالمفتي حسن خالد، ووصولًا إلى اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فتساوت هذه العائلات الروحية بمعمودية الدم والشهادة على مذبح الوطن، ناهيك عن شهداء "ثورة الأرز" من مختلف هذه العائلات.
فمن هذا "اليوم المليوني"، يوم وداع "سيد الشهداء"، الذي سيمرّ كما مرّ غيره من مشاهد الوداع في المختارة وبكفيا وبيروت كالأمس الذي عبر، يجب أن تؤخذ العِبر الوطنية، وألا يكون مروره كسائر الأيام من دون أن يحدث نقلة نوعية في مسيرة استعادة الجمهورية بعد تحريرها من أسرها، وبعد أن يسود منطق الدولة دون سائر أي منطق آخر لا تتطابق روحيته مع منهجية خطاب قسم رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، الذي استوحي تعهداته من اتفاق الطائف، الذي أنهى الحرب بوجهها الأهلي وبتحريض واشتراك خارجي. وإذا لم تُتخذ هذه العِبر على محمل الجد، وإذا لم تأخذ في الاعتبار تقديم مصلحة لبنان على أي مصلحة خارجية أخرى، أيًا كانت هويتها وأهدافها ومراميها ومخططاتها المعلنة وغير المعلنة، فإن يوم 23 شباط سيكون كغيره من الأيام التي شهدتها المختارة وبيروت وبكفيا، وستُعاد المشاهد ذاتها، التي تكرّرت على مدى سنوات منذ اليوم الأول لاندلاع شرارة إدخال لبنان في أتون مسلسل الحروب المتوالدة قبل خمسين سنة، وقبلها بسنوات قليلة، يوم أُدخل لبنان في متاهات "اتفاق القاهرة"، الذي حوّل لبنان من مساحة تلاقٍ وحوار وحضارة إلى ساحة اقتتال وحقل تجارب بديلة عن دول الجوار.
في هذا اليوم الوداعي الأخير للسيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين سيشهده العالم من على شاشات التلفزة عبر الأقمار الاصطناعية، وسيكون لكل من سيشاهده تعليق مختلفة مضامينه عن المضامين الأخرى، وسيُحفَر هذا التاريخ بأحرف من ذهب في وجدان "أهل البيت"، وفي أعماق الذين لم يصدّقوا بعد أن سماحة السيد لم يعد بينهم. ولكن يبقى الأهم من كل هذا وذاك في نظر جميع اللبنانيين التواقين إلى عدم رؤية أي سلاح بعد اليوم سوى في السلاح الشرعي يد القوى المسلحة الشرعية من جيش وقوى أمن داخلي وأمن عام وأمن دولة وجمارك وشرطة بلدية، وإلى رؤية الدولة التي طالما حلموا بها وقد استعادت ما لها من صلاحيات ومن هيبة ومن وجود، وأن يكون "لبنان أولًا" في أولوية جميع القوى السياسية، بمن فيهن وأولهم "حزب الله".
لبنان 24 - أندريه قصاص
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|