3 سنوات على الحرب: عودة ترمب قرَّبت بوتين من إعلان النصر... وزيلينسكي يحتاج «معجزة»
السؤال المحيِّر
هناك من يسأل، ويتساءل: هل انتهى حزب الله وحماس؟ عسكريًا على الأقل؟ في الواقع، إذا تحدثنا بالعقل والمنطق والتفصيل، بعيدًا عن الموقف السياسي أو الطائفة أو العواطف، يمكن التأكيد أن هاتين القوتين لم تعودا قوة عسكرية يُحسب حسابها، فحزب الله تعرض لسلسلة من الضربات القاسية في فترة وجيزة وبشكل غير متوقع، بلغت ذروتها باغتيال حسن نصر الله الأمين العام للحزب والرمز التاريخي له، أما حماس فقد دخلت في حرب استنزاف لا يوجد فيها أي ضوء في نهاية النفق، ولم يعد لها أي ملاذ آمن وتقريبًا انتهت بصورة مماثلة لحزب الله، ولا ننسى الحوثي في اليمن أيضًا الذي يبدو وأنه الهدف التالي ضمن قائمة الأهداف التي يجب القضاء عليها وتنظيف المنطقة منها.
وأصبح من الواضح لنا أن قدرات هذه الحركات المسلحة التي ظلّت تتلقى الدعم والتمويل الخارجي المؤدلج لتكون ذراعًا عسكرية بل وتخريبية لقوة خارجية على مدى أكثر من أربعة عقود، لم تكن سوى ميليشيات عبثية جرت دولها وشعبها لمعارك لم يختاروها، وعلى الرغم من ذلك، فإن الارتباط المستقبلي بين إيران وما تبقى من حزب الله أو حماس أو الحوثي سوف يلقي بظلاله بلا شك على أي سيناريوهات قصيرة أو متوسطة المدى في أي صراعات مستقبلية بين إسرائيل وفلسطين سواء في غزة أو الضفة الغربية.
وقد كشفت لنا الحرب الأخيرة في لبنان وعلى لبنان المزيد من الفشل في لبنان، فكل فاسد في لبنان استفاد من أوضاع عدم الاستقرار التي كانت سائدة سابقًا، وكل مهرِّب استفاد، إن كان في الحكومة وهو فاسد فما أجملها من فرصة! فرصة أن يسرق دولة ليس فيها سلطة، بل على العكس، قد يكون هو السلطة وهو السارق الناهب، ويشرّع لنفسه مشاريع السرقات.
أنا لا أريد أن أوجه أصبع الاتهام لأشخاص بعينهم، إنما أعتقد أن كل من شارك في المناصب إن كان في لبنان أو في غزة لن يجدوا فرصة ذهبية مثل التي مرت عليهم خلال العقود الماضية، من جني أموال طائلة معظمها غير شرعي إن لم يكن كلها، لكن مع زوال هذه الأذرع التي تعث في أراضينا العربية الفساد وسوء الإدارة والسرقة، من المؤكد أن القيادات الجديدة ستكون قد تعلمت دروسًا منها، وسيتركز اهتمامها نحو بناء مؤسسات شفافة ونزيهة، تعمل على خدمة المجتمع والشعب وتحقيق مصالحه العليا بمصداقية وأمانة.
والحقيقة الثانية التي أثبتتها الحرب، أن كل من حزب الله وحماس والحوثي نشأوا في دول فاشلة، ومن ثم أسهموا في زيادة فشل هذه الدول، وكم كان سعيدًا حزب الله عندما دخلت سورية في نفس الخط وأصبحت دولة فاشلة، فكأنه يترعرع وينمو في هذه الأجواء والظروف، ويستمتع بكونه هو وغيره أدوات لتحقيق مصالح خاصة، بدلًا من تحقيق الاستقرار والرفاهية للمجتمعات التي يدّعون تمثيلها! فحزب الله في النهاية ليس سوى جزء من نفوذ إيران الاستراتيجي في المنطقة، بل هو نفوذها المطلق، وجميع من يعملون في الدائرة نفسها، هم في الحقيقة امتداد طبيعي لحزب الله وتجربته وخبرته وقدرته على التأهيل والتدريب.
كنا في السابق نتكلم عن داعش كأبشع قوة مسيسة مزروعة في المنطقة، لكن في الواقع ما رأيناه في سجون الرئيس المخلوع بشار الأسد تقشعر له الأبدان أكثر وأكثر، فمن دون شك قطع الرأس -على بشاعته- يقتل الإنسان مرة واحدة وبسرعة، لكن ما رأيناه في سجن صيدنايا مثلًا هو قتل بطيء تندى له جبين الإنسانية، فقد أدار نظام الأسد شبكة من مراكز التعذيب مارس فيها على نطاق واسع ودون تمييز صنوفًا من الإيذاء الجسدي والعقلي والنفسي وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان التي لا يتخيلها عقل.
لكن لنكن صريحين، على الرغم من أنه يمكن القول إن حماس استولت على الدولة، لكن سيكون من الصعب جدًا لمن ترعرع ونشأ في ظل هذه الأحزاب والأنظمة الفوضوية المفتعلة للمشاكل مقاومة كل مبادرة أو جهد يخلق دولة طبيعية فاعلة منظمة، خاصةً بعد الحرب الأخيرة، لكن في الوقت ذاته لا أعتقد أن حماس ستختفي من المعادلة بمجرد انتهاء الحرب على غزة، فهي ستظل أيًا كان شكلها في المستقبل تلعب دورًا ولو ثانويًا في حكم غزة على الأقل، بشكل قد يقبله أو لا يقبله الإسرائيليين.
لقد استثمرت إيران نفوذها الخشن في المنطقة، وشكل حزب الله وحماس وغيره واجهة هذا الاستثمار، فقد قامت إيران ببناء هذه المنظومة على مدى أربعين عامًا، صرفت عليها ما يفوق المئة مليار دولار، رصفتها حجرًا فوق حجر، لتكون يدها الضاربة وخط دفاعها الأول عن النظام، لكن سقوط وضعف هذه الأحزاب الآن والانهيارات الكبيرة والرهيبة التي تلاحقها، أصابت هذه المنظومة بشلل شبه كامل، وحتى وإن لم تكن قد انتهت بشكل كامل، فعلى الأقل لم يعد لنفوذها أي تأثير أو حساب.
لكن إيران لن تسكت عن ذلك بسهولة، خاصةً أنها تستخدم القضية الفلسطينية كذريعة لدعم الجماعات المسلحة في جميع أنحاء الشرق الأوسط ضد أمريكا وإسرائيل بينما هي تستهدف التوسع وفرض الهيمنة على مزيد من الدول العربية، لذلك لا نستبعد ولا نستغرب استمرار المساعي الإيرانية لإحياء هذه الأحزاب والحركات مجددًا رغم كل التكاليف الباهظة التي تتحملها، لكن على الرغم من تلك الاحتمالات، فما زالت الإجابة لـ «هل انتهى حزب الله وحماس؟» هي نعم، انتهت ليس برغبة أمريكية إسرائيلية عربية فقط، بل إيرانية أيضًا، بكل ما وضعته إيران من استثمارات هائلة منذ الثمانينات في هذه الأحزاب لم ينتج أي انتصار يُذكر لها، ولم تحصد مقابله أي عوائد، لذا فليس من الحكمة أن تعيد التجربة مرة أخرى وتنتظر نتائج مختلفة تحقق غاياتها.
ويجب أن نبقى حذرين ومستعدين أيضًا في الوقت نفسه، فالتاريخ يعيد نفسه وأثبت لنا أنه من الصعب استقراء مستقبل أذرع الإسلام السياسي في المنطقة مهما تعرضت من أزمات وانتكاسات كبرى، فقد رأينا كيف عادت حركة طالبان للحكم وبصورة أقوى في أفغانستان، بعد ما تعرضت له في السنوات السابقة وبعد تموضعها كحركة مقاومة للاحتلال الأمريكي لفترة ناهزت العشرين عامًا.
لا زلنا ننتظر إجابة كذلك على سؤال «من سيتولى حكم غزة بعد الحرب؟»، لكن من المؤكد أنها لن تشهد فوضى كالتي شهدتها تحت حكم حماس، وأتمنى ألّا تضطر غزة لدفع فواتير أخرى من الدماء والدمار مجددًا تحت قيادة دمى تعمل لأجل المال والمصالح وليس لتحقيق الخير للشعب، فالغزيّون ذاقوا ما يكفي من السلطات الفاسدة والدمار والعنف والاستبداد، ولا يريدون الآن سوى الإصلاح والتغيير وسيادة دولتهم. لكن على كل حال، الأشهر القليلة القادمة ستأتي ومعها الإجابة عن كل الأسئلة الغامضة التي تدور في أذهاننا، وعن مستقبل المنطقة بعد أن عصفت نيران الحروب والصراعات على جزء كبير من دولها.
أكرم مكناس - "الأيام"
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|