الصحافة

إسرائيل: من عقيدة الردع إلى "المنطقة الدفاعية".. ماذا تغيّر؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لعقود من الزمان، كانت العقيدة العسكرية الإسرائيلية تتمحور حول الردع، وهو استعراض ساحق للقوة لمنْع الخصوم من تحدّي هيمنتها.

ومع ذلك، في الأعوام الأخيرة، خصوصاً في أعقاب هجوم حركة «حماس» في 7 أكتوبر، تحوّلت إسرائيل بعيداً عن هذه العقيدة وتبنّت إستراتيجية توسعية عدوانية، تسعى إلى الأمن من خلال السيطرة العسكرية المباشرة بدل الردع وحده.

وقد تجلى هذا التحول من خلال انتشارها العسكري في ممرّ فيلادلفيا، واحتلال الأراضي المرتفعة في لبنان، وسيطرتها المتزايدة على الأراضي السورية والقرار بإبقاء قوات محتلة لأمد غير محدد ووضْع احتمالات العودة إلى الحرب كأولوية لتحلّ مكان الدبلوماسية.

من الردع إلى الاحتلال

اعتمدت سياسة الردع التقليدية لإسرائيل على الضربات الاستباقية، والهيمنة الاستخباراتية، والتكنولوجيا العسكرية المتفوّقة لردع الخصوم عن الانخراط في الأعمال العدائية.

ومع ذلك، أصبحت فعالية هذه الإستراتيجية موضع تساؤل، خصوصاً أن تل أبيب تواجه مشهدَ تهديد متطوراً. فقد حطّم الهجوم الذي شنته «حماس» في السابع من أكتوبر وَهْمَ القوة الإسرائيلية التي لا تُقهر، وكشف عن نقاط ضعف في جمْع المعلومات الاستخباراتية، وأمن الحدود، وقدرات الاستجابة السريعة.

ونتيجةً لهذا، بدأت إسرائيل - تحت سيطرة الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخها وقيادة رئيس ذكي، عقائديّ ومتمسك بالسلطة - تتحول من سياسة الردع إلى سياسة التوسع العسكري، معتقدة أن وجود قوات برية في مناطق عازلة ـ سواء في غزة أو سورية أو لبنان ــ يوفر إحساساً أعظم بالأمن مقارنةً بالاعتماد على الاستخبارات والتدابير الدفاعية عالية التقنية والدعم الاميركي اللا محدود. ويمثل هذا التحول تغييراً جوهرياً في العقيدة العسكرية الإسرائيلية التي باتت تضع الاحتلال الإقليمي في قلْب إستراتيجيتها الأمنية.

ممر فيلادلفيا: العائد الإستراتيجي لإسرائيل

ومن أوضح الأمثلة على تغيير الإستراتيجية الإسرائيلية نشْر قواتها العسكرية في ممر فيلادلفيا، وهو شريط ضيّق على طول 14 كيلومتراً الحدودية بين مصر وغزة. وهذه الخطوة تنتهك اتفاقات كامب ديفيد التي وضعت المنطقة تحت السيطرة المصرية.

وكانت تل أبيب انسحبت من ممر فيلادلفيا عام 2005، كجزءٍ من فك ارتباطها بغزة، لكنها عادت الآن تحت ذريعة مكافحة الإرهاب وأمن الحدود.

ويوفر الممر لإسرائيل السيطرة المباشرة على الحدود البرية الوحيدة لغزة مع مصر، ما يحدّ من نوعية البضائع والأشخاص والمواد التي من الممكن أن يكون لها ازدواجية الاستخدام.

وتؤكد هذه العودة إلى الأراضي المهجورة سابقاً كيف تنظر إسرائيل إلى الاحتلال باعتباره التدبير الأمني الوحيد القابل للتطبيق.

سورية: التوسع خارج مرتفعات الجولان

لا تقتصر طموحات إسرائيل الإقليمية على غزة. ففي سورية، زادت تل أبيب بشكل كبير من وجودها العسكري، وهي تحتلّ الآن أجزاء من محافظات القنيطرة والسويداء ودرعا، بالإضافة إلى سلسلة جبال حرمون بأكملها.

وهذه المناطق ذات قيمة إستراتيجية، ما يمنح إسرائيل السيطرة على مواقع مرتفعة رئيسية ويضعها على بعد 27 كيلومتراً فقط من دمشق.

ومن خلال التقدم إلى أراضٍ سورية جديدة، تعمل إسرائيل على تحسين إستراتيجية احتلالها، والتوسع خارج المناطق التي سيطرت عليها لعقود من الزمان.

ولا يتحدى هذا التوسع العسكري السيادةَ السورية فحسب، بل يشير أيضاً إلى نية إسرائيل إقامة سيطرة عسكرية طويلة الأمد على المناطق التي تَعتبرها بالغة الأهمية لأمنها القومي وتوجِد منطقة عازلة متقدّمة تعمل كإنذار متقدّم.

في لبنان، احتفظت إسرائيل بوجودٍ عسكري داخل خمسة مواقع. ويمثل هذا التوسع الإسرائيلي انتهاكاً لاتفاق وقف النار الذي أنهى الحرب الأخيرة.

ويأتي هذا الدفع العدواني إلى الأراضي اللبنانية في الوقت الذي تواجه إسرائيل توتراتٍ متزايدةً مع «حزب الله»، الذي زاد من قدراته العسكرية على مر الأعوام.

ومن خلال احتلال مواقع إستراتيجية مرتفعة بعد حرب دامية، تهدف تل أبيب إلى إنشاء منطقة عازلة عسكرية، وضمان أن أي هجوم محتمل لحزب الله لابد أن يخترق أولاً الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل داخل لبنان، وأن تجربة السابع من أكتوبر لن تعاد على الحدود الشمالية.

الأمن من خلال المناطق العازلة الدائمة

والقاسم المشترك في البصمة العسكرية الإسرائيلية المتوسعة هو اعتقادها أن المناطق العازلة ـ المناطق التي تسيطر عليها القوات الإسرائيلية مباشرة ـ هي الوسيلة الوحيدة لضمان الأمن.

ويبدو أن إسرائيل تخلّت عن فكرةٍ مفادها أن التفوق الجوي، وأنظمة الدفاع الصاروخي (مثل القبة الحديدية)، والعمليات الاستخباراتية وحدها قادرة على حمايتها.

ولكن تل أبيب لا تراهن في هذا الإطار على أي شيء جديد. فبدلاً من ذلك، يَعتمد نهجها الجديد على إعادة احتلال المناطق التي انسحبت منها قبل أعوام والاستيلاء على مواقع إستراتيجية جديدة في مناطق معادية.

ويتضح هذا التحول بشكل خاص عند النظر إلى الانسحابات الإسرائيلية السابقة:

- غزة: انسحبت إسرائيل في 2005، لكنها عادت الآن إلى السيطرة على ممر فيلادلفيا وأجزاء من الجيب.

- لبنان: انسحبت إسرائيل من غالبية جنوب لبنان العام 2000، لكنها تحتفظ اليوم بمواقع عسكرية داخل الأراضي اللبنانية.

- سورية: في حين احتلت إسرائيل مرتفعات الجولان منذ فترة طويلة، فإنها تتحرك الآن إلى جنوب سورية وتسيطر على مساحة من الأرض أكثر من أي وقت.

وتشير هذه الإستراتيجية إلى أن إسرائيل لم تعد تؤمن بالصراعات غير العسكرية.

وهي لا تكتفي بالردع العسكري كإجراء أمني فعال، بل تختار السيطرة الإقليمية المباشرة، حتى ولو كان ذلك يعني انتهاك القوانين الدولية، واتفاقات وقف النار، واتفاقات السلام.

ورغم أن تحوّل إسرائيل نحو التوسع العسكري قد يوفّر إحساساً قصير الأمد بالأمن، فإنه يحمل مخاطر كبيرة طويلة الأجَل ويهدد بإشعال صراعات أوسع نطاقاً مع «حزب الله» وسورية وجماعات المقاومة الفلسطينية، ويتعارض بشكل مباشر مع الاتفاقات الدولية، ما قد يؤدي إلى توتر العلاقات مع حلفاء رئيسيين.

ويساهم احتلال إسرائيل لأراض جديدة متعددة في إجهاد قدراتها العسكرية، ما يزيد من خطر الوقوع في عمليات مكافحة التمرّد المطوَّلة والمُكْلِفة.

وكلما ازدادت النظرة إلى إسرائيل باعتبارها قوة احتلال، زاد خطر فقدان الدعم الدولي، ولا سيما مع تحول الرأي العام العالمي بعيداً عن النظر إلى إسرائيل باعتبارها ضحية للعدوان فحسب.

وتمثل هذه الإستراتيجية تحولاً جوهرياً في السياسة العسكرية الإسرائيلية، وهي التي تعطي الأولوية للجنود على الأرض على الاتفاقات الدبلوماسية أو القدرات الدفاعية.

ومع ذلك، أظهر التاريخ أن الاحتلالَ يولد ويقوي المقاومة، وقد تستجرّ سياسات تل أبيب التوسعية المزيد من الصراع بدل منْعه. ومع استمرار إسرائيل في إعادة رسم خريطتها العسكرية، فإن الاختبار الحقيقي سيكون إذا كانت هذه الاحتلالات تعزّز أمنها أو تمهد الطريق ببساطة للحرب المقبلة.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا