هذه هي تحدّيات الترسيم البرّي للحدود الجنوبيّة والشرقيّة أمام الحكومة!!!
لم تبدأ انطلاقة حكومة الرئيس نوّاف سلام بعد نيلها ثقة مجلس النوّاب الأربعاء الفائت، بجلسة وزارية وبجدول أعمال، إنّما من الجنوب اللبناني الذي تعرّض ولا يزال الى التدمير على يد العدو "الإسرائيلي"، رغم اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان و"إسرائيل"، الذي دخل حيّز التنفيذ في 27 تشرين الثاني الفائت. فقد جال سلام الجمعة الفائت برفقة وزراء الطاقة والمياه جو الصدّي، والبيئة تمارا الزين، والأشغال العامّة فايز رسامني لمعاينة المناطق المدمّرة، ولرؤية بأمّ العين ما الذي تستلزمه مسألة إعادة الإعمار.
ولكن قبل الحصول على أي تمويل خارجي لإعادة إعمار الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، سيما وأنّ العدو لا يزال يُواصل احتلاله لأجزاء من الأراضي اللبنانية والسورية، ويتحدّث عن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزّة ليستولي عليه مع الولايات المتحدة الأميركية، ثمّة تحديات أمام حكومة سلام أوّلها تحرير الأراضي المحتلّة وتثبيت وترسيم الحدود. فالنقاط الجديدة التي يحتلّها العدو "الإسرائيلي" والتي ضمنت الولايات المتحدة انسحابه منها، تطبيقاً لاتفاق وقف النار وللقرار 1701، لا يزال فيها، ولا يبدو أنّه سينسحب منها قريباً. فقد أكّد وزير الدفاع "الإسرائيلي" يسرائيل كاتس الخميس أنّ "قوّاته ستبقى في المنطقة العازلة على الحدود مع لبنان الى أجلٍ غير مسمّى"، وذلك “بعد الحصول على ضوء أخضر أميركي"، مشيراً الى أنّ "الأمر يعتمد على الوضع لا على الوقت". الأمر الذي من شأنه عرقلة انطلاقة الحكومة في حماية السيادة اللبنانية، والقيام بمشاريع إستثمارية في البلوكات البحرية الجنوبية، والحفاظ على الأمن والإستقرار في البلاد.
وإذا كان تثبيت الحدود البرية الجنوبية مع العدو "الإسرائيلي" قد تعقّد الآن، في ظلّ استمرار إحتلاله لسبع نقاط أو تلال جديدة، فإنّ سياسة الأرض المحروقة المتبعة في مناطق حدودية مختلفة، على ما يقول السفير بسّام النعماني المتابع لقضايا الحدود لـ "الديار"، قد جعلت من الصعب تحديد إذا كانت هنالك نقاط أخرى لم تتخلّى عنها "إسرائيل" بعد. فالعدو لم يسمح للسكان بالعودة إلى العديد من القرى والبلدات، كما أنّ الجيش اللبناني لم يتمكّن من التقدّم لأسباب لوجستية وتقنية إلى حافة الخط الأزرق أو إلى خط الإنسحاب أو إلى الحدود الدولية في العديد من النقاط، لكي يتمكّن من التثبّت من إنسحاب أو عدم إنسحاب قوّات جيش العدو.
وثمّة مشكلة مستحدثة، على ما أضاف النعماني، فضلاً عن النقاط الـ 13 التي تحفّظ عليها لبنان على الخط الأزرق الذي رسمته الأمم المتحدة، تتمثّل بتمدّد بلدة الغجر الشمالية إلى داخل الأراض اللبنانية، وإقرار هوية مزارع شبعا النهائية مع السلطة السورية الجديدة، وتحديد حدود المزارع العقارية ، التي ستصبح متوافقة ومتلازمة مع الحدود الدولية الشرقية الجنوبية "المفترضة" بين لبنان وسوريا. وهي "مفترضة" لأنها حالياً قابعة تحت الإحتلال "الإسرائيلي".
وبالتالي، يقول النعماني إنّ أي إتفاق بين السلطات اللبنانية والسورية حول هذه المسألة لا يمكن معالجتها إلا بتدخلات إضافية من الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، و"الأندوف"، وطبعاً العدو "الإسرائيلي" نفسه. وقد تعقدت الأمور أكثر مع دخول الجيش "الإسرائيلي" إلى المنطقة المنزوعة السلاح الفاصلة بين الإحتلال والجولان السوري المحرّر ، وإلى نقاط متفرقة من جبل الشيخ. وحتى الآن، لا نعرف إذا كان العدو قد تجاوز هذه النقاط ودخل إلى المناطق اللبنانية في جبل الشيخ. لكن رئيس وزراء العدو قد أضاف إلى هذه المنطقة المنزوعة السلاح مطالب بنزع السلاح من محافظات القنيطرة والسويداء ودرعا، كما أعلن حمايته للطائفة الدرزية في مناطق لم يحددها، ولكن يستتبع من كلامه بأنها مناطق تتجاوز المحافظات المذكورة.
وتزداد عملية الترسيم البرّي تعقيداً وصعوبة مع المطالبات في القرارات الدولية السابقة بـ "ترسيم الحدود اللبنانية- السورية"، على ما يلفت السفير النعماني، بناءً على رغبات متكرّرة علنية من الجانب اللبناني. فإذا كانت التقديرات بأنّ المسافة الإجمالية لحدود لبنان البرية بين رأس الناقورة وجبل الشيخ تبلغ نحو 140 كيلومتراً، فإنّ المسافة الإجمالية من جبل الشيخ إلى نقطة العريضة تبلغ الضعفين، أي أكثر من 300 كيلومتر على وجه التحديد. وقد نشرت مديرية الشؤون الجغرافية في الجيش اللبناني خريطة في العام 1975 تُحدّد نحو 36 نقطة على طول الحدود، فيها إختلافات بين سوريا ولبنان حول ترسيمها في الخرائط. وفي تقرير أصدرته لجنة دولية خاصة قامت بزيارة إلى الحدود السورية اللبنانية في العام 2008، قدّرت اللجنة بأن المساحة المتنازع عليها بين لبنان وسوريا في الحدود الشرقية والشمالية تبلغ نحو 340 كيلومتراً مربّعاً.
واشار الى ان أسباب هذا التنازع هو أنّ المنطقة بأسرها أصبحت مرتعاً لتهريب البضائع، والنازحين، والأسلحة، والمقاتلين من كل الفصائل المختلفة. وبالتالي فإن الترسيم البرّي سيُواجه بمعارضة شديدة من كلّ مَن سوّلت نفسه الإنخراط في عمليات التهريب المتنوعة، أو خوض المعارك بين فصيل وآخر والتي لا تزال تجري حالياً. عدا عن أنّ معالم المنطقة الجغرفية قد جرى تغييرها جراء الدشم والمنشآت والقواعد والطرق التي تمّ شقّها لتسهيل عمليات التهريب.
أمّا الخرائط التي ترسم الحدود اللبنانية- السورية فتُظهر تباينات كبيرة في التفاصيل، فقرية دير العشاير (غرب دمشق)، على سبيل المثال، هي مثال على الأراضي التي يطالب بها البلدان، فتارة يتمّ ضمّها للبنان وتارة أخرى تُعتبر ضمن الأراضي السورية والأمر نفسه بالنسبة الى مزارع شبعا.
في الخلاصة، يرى السفير النعماني أنّ تحديات الترسيم البرّي التي يواجهها لبنان مع سوريا ومع فلسطين المحتلّة، ليست بهذه السهولة التي يتصوّرها البعض. والأمر الشائك أيضاً يتعلّق بالمعابر الحدودية الرئيسية المعروفة بين البلدين وهي: المعبر الحدودي الساحلي في العريضة، معبر الدبّوسية، معبر تلكلخ، معبر الجوسيه، معبر حمرا، ومعبر المصنع الحدودي على الطريق بين دمشق وبيروت، وسواها من المعابر غير الشرعية.
دوللي بشعلاني-الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|