"فلول الأسد" و"فلول نصرالله"
سقط مئات القتلى وأعداد كبيرة من الجرحى في أحداث الساحل السوري خلال الأيام الماضية. وفتحت هذه الأحداث الدموية جروحاً عمرها عقود من الأعوام تعود الى حقبة دامت أكثر من نصف قرن حملت عنوان "النظام الاسدي". ووصلت إلى الصدارة عبارة "فلول الأسد" لوصف الفريق الذي انغمس في قتال الإدارة الجديدة في سوريا بقيادة الرئيس أحمد الشرع.
شكّل سقوط المدنيين العدد الأكبر من الضحايا ما دفع رامي عبد الرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى القول أمس إن عمليات القتل الواسعة النطاق في جبلة وبانياس ومناطق محيطة في منطقة تمركز العلويين في سوريا ترقى لأن تكون أشد أعمال عنف منذ سنوات في صراع أهلي مستمر منذ 13 عاماً.
امتد لهيب هذا الصراع الى لبنان تحت عنوانَين: الأوّل، يتّصل بنزوح آلاف السوريين من الطائفة العلوية من ديارهم في اتّجاه شمال لبنان. والثاني، تصريح عبد الرحمن نفسه بأنّ السلاح الذي وصل إلى معارضي الحكم الجديد أتى من لبنان، ما ألقى شبه تورّط "حزب الله" في هذا الأمر.
لاذ "الحزب" بالصمت طوال ساعات أمس قبل أن يصدر بياناً مساء أمس رداً على "بعض الجهات التي دأبت على الزجّ باسم "حزب الله" في ما يجري من أحداث في "بشكل واضح وقاطع هذه الادعاءات التي لا أساس لها من الصحة". وهاجم ما أسماه "حملات التضليل التي تخدم أهدافاً سياسية وأجندات خارجية مشبوهة".
يتمنّى اللبنانيون عموماً أن لا ينزلق "حزب الله" الى أتون صراع انفتح مجدداً في سوريا. لكن هذه التمنيات تقتصر على حسن النوايا فقط. إذ ما زال هناك الكثير من الشواهد أن بقايا مرحلة نظام الأسد الذي يمثل "الحزب" القسم الأكبر منها في لبنان، لم تتقبل بعد التغيير الذي حصل في سوريا ما أدى الى فرار الرئيس السابق بشار الأسد من دمشق في كانون الأول الماضي ونشوء حكم جديد برئاسة الشرع.
وأتت المقدمة الإخبارية للنشرة المسائية الرئيسية أمس لقناة "المنار" التلفزيونية التابعة لـ"الحزب" نموذجاً لحالة عدم تقبّل حلفاء الأسد في لبنان ما حدث في سوريا منذ 3 أشهر تقريباً. وجاء في هذه المقدمة: "بعنوان الدفاع عن النفس يتحرّك أهل الساحل السوري الواقعون تحت حرب تصفية عرقية ومذهبية كما يقول المرصد السوري لحقوق الانسان – المعارض لحكومات النظام السابق على الدوام. فمن أدخل سوريا وشعبها بهذه الدوامة؟ وأين شعارات الحكم الجديد عن وحدة البلاد واحترام التعددية وحقوق الأقليات؟ وأين رعاته الاقليميون والدوليون؟ وأين كل المنظمات الدولية من هذه المذبحة الحقيقية"؟
سيكون هناك متسعاً من الوقت لتقييم الأحداث الجديدة في سوريا. لكن ما لفت الانتباه الى أن قناة "الحزب" التلفزيونية استندت إلى ما قاله "المرصد السوري لحقوق الانسان – المعارض لحكومات النظام السابق على الدوام". فهل سمعت القناة ما قاله مدير المرصد بالصوت والصورة حول وصول الأسلحة الى "فلول الأسد" من لبنان ما اشعل حرائق النزاع في الساحل السوري؟
لا يتحمّل "حزب الله" بالطبع المسؤولية عن امن الحدود الشمالية للبنان حيث انتقلت على ما يبدو الأسلحة عبرها في اتجاه الساحل السوري. ويدعو ما صرّح به مدير المرصد السوري السلطات اللبنانية للتحقيق في هذا الامر. وكان من الأجدى أن يطالب "الحزب" نفسه بهذا التحقيق كي ينفي عن نفسه شبهة التورّط في الصراع السوري كلياً. لكنه لم يفعل. ويبدو أنّه لن يفعل ذلك اليوم أو لاحقاً. وليس سرّاً القول إن "حزب الله" عندما يبلغ مرحلة رفض منطق السلاح في سوريا يعني ذلك أنه أصبح جاهزاً لمرحلة رفض السلاح في لبنان نفسه، الأمر الذي لم يحصل بعد.
أتى تصريح مدير المرصد السوري عبد الرحمن حول تسرّب السلاح من لبنان الى يد "فلول الأسد" بعد أيام على تصريح مستشار قائد الثورة للشؤون الدولیة علي أکبر ولايتي. وعلّق الأخير حول مستقبل سوريا، فقال: "لایمکن التنبّؤ بمستقبلها لكن الأدلة تظهر أن التحضيرات قد بدأت لتقسیم سوريا. كل مجموعة لديها مطالبات وادعاءات هناك. الأكراد والعلويون وداعش وهيئة تحرير الشام وآخرون موجودون، وهناك احتمال اندلاع حرب أهلية في أي لحظة. فضلاً عن أن الکیان الصهيوني احتل جزءاً من سوريا، وأن الولايات المتحدة موجودة هناك، فإن كل هذا يزيد من احتمالات التقسیم. ومؤخراً، عقد وزير الخارجية الإسرائيلي اجتماعاً مع الاتحاد الأوروبي وقال إن سوريا يجب أن يتم تقسيمها على أساس المحاور العرقية والدينية! إنّهم يسعون إلى تقسيم سوريا، ويجب على الشعب السوري أن یتوخي الحذر."
تلقفت جماعة النظام الإيراني في لبنان فكرة "الحرب الاهلية في سوريا" . وراحت قبل اندلاع نيران الساحل السوري الى العزف على وتر هذه الفكرة. والقت هذه الحملة التي اطلقها ولايتي الكثير من التساؤلات حول سلوك طهران في سوريا التي خسرتها كقاعدة لنفوذها الإقليمي، وكذلك سلوك طهران في لبنان حيث باتت على وشك خسارة "درة التاج" أي "حزب الله" كذراع عسكري خارجي للحرس الثوري الإيراني.
لم تأت عبارة "فلول الأسد" من فراغ. ودلّت أحداث الساحل السوري ان العلويين دفعوا ثمن نظام الأسد في وقت كان كثير منهم من معارضيه. فهل سيأتي وقت لنتداول بعبارة "فلول نصرالله" أي "الحزب" الذي قاده الأمين السابق حسن نصرالله على مدى أكثر من 32 عاماً وفاخر بأنّه "جندي في جيش ولي الفقيه" الإيراني؟
تتفوق المخاوف على التطمينات بأن "حزب الله" بصدد الانتقال الى مرحلة العمل السياسي ويمتثل للقرار 1701. ويتمنى اللبنانيون مجدداً ان من ورثوا قيادة "الحزب" سيبذلون المستطاع كي لا نسمع عبارة "فلول نصرالله".
أحمد عياش
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|