الصحافة

من المستفيد من الفوضى في سوريا؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

المستفيد الأول والأساسي من الفوضى في سوريا هو إيران لثلاثة أسباب رئيسية:

السبب الأول، لأنها الدولة الوحيدة التي كانت الأكثر تأثيراً في السنوات الأخيرة في سوريا وخرجت مع خروج الأسد فاقدةً تأثيرها كلّه.

السبب الثاني، لأن سوريا هي الباب وشريان التنفُّس لذراعها الأولى "حزب الله"، ومن دون هذا الباب والشريان يختنق "الحزب" الذي كانت تسيطر من خلاله على لبنان وتكلِّفه بأدوار إقليمية عدة.

السبب الثالث، لأن خروجها من سوريا أخرجها من البحر الأبيض المتوسط وأفقدها التأثير على الورقة الفلسطينية الاستراتيجية، وقد أصبحت اليوم ليس فقط خارج طاولة المفاوضات حول مستقبل غزة والعلاقة بين الدول العربية وإسرائيل، إنما عاجزة عن تفخيخ مسارات السلام.

وعليه، إن خسارة إيران في سوريا ليست خسارة لورقة واحدة، إنما خسارة لأبرز ثلاث أوراق: القضية الفلسطينية، "حزب الله" كأول نموذج ثوري توسّعي، وسوريا كساحة استراتيجية، وبالتالي،  فقدت عمليّاً مع خسارتها السورية دورها الإقليمي التوسعي، ولم يعد أمامها خيار سوى العودة إلى سوريا والتي مدخلها الوحيد نشر الفوضى ومنع تجربتها الجديدة من أن تحكم قبضتها.

المدخل الوحيد لأي موطئ قدم لإيران هو الفوضى، فلم تتسلل إلى الساحة اللبنانية سوى من خلال الحرب والفوضى، ولم تُمسك بالوضع العراقي إلا في الفوضى، ولم تعزِّز دورها في سوريا إلا في الحرب، ولا تأثير لها على الوضع الفلسطيني سوى في الفوضى، وبالتالي العدو الأول لإيران هو السلام والاستقرار، فلا يمكن أن تنشر دورها التخريبي سوى في الدول الفاشلة والمفككة.

والمدخل الوحيد لعودة إيران إلى لبنان وغزة هو سوريا، ولا يمكنها العودة إلى سوريا إلا من خلال الفوضى، وبالتالي الهدف الإيراني الأول اليوم يتراوح بين إسقاط نظام أحمد الشرع كحد أقصى، وبين إدخاله في حرب داخلية يتيح لها استعادة موطئ قدمها وترميم جسرها مع حزبها في لبنان ومنه إلى غزة.

والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا قررّت طهران تفجير الوضع السوري في هذا التوقيت بالذات؟ والإجابة قد تكون في اتجاهين:

الاتجاه الأول، يرتبط بالجهوزية لا الوقت، حيث أن محاولات إيران لتفجير الوضع السوري بدأت منذ اللحظة الأولى لخروج ذراعها الأسدي، والتفجير بحاجة لتهيئة الأرضية وتحضير الأدوات اللازمة والقدرة على الاختراق، وبالتالي يمكن حصوله في أي لحظة عندما تتوافر القدرة على ذلك.

والاتجاه الثاني، يتعلّق بعامل الوقت كون طهران في سباق مع الوقت قبل أن تضطر إلى التسليم بالسقف الأميركي المتفاهم عليه مع الإسرائيلي، وقد بدأ الكلام أساساً عن رسائل متبادلة، فأعلن الرئيس دونالد ترمب بأنه أرسل خطاباً إلى إيران ومفاده تخييرها بين الصفقة أو الحلّ العسكري، فردّ المرشد علي خامنئي بأن "إيران لن تخضع لدولة تمارس البلطجة".

والمواقف المعلنة غير مهمة وغالباً ما تخفي حقيقة ما يحصل في الكواليس، وما تدركه طهران جيّداً أنه في اللحظة التي يطمئن فيها الأميركي إلى انطلاق المسار السلمي بين روسيا وأوكرانيا، سيتفرّغ لها ولن يكون أمامها من خيارات سوى التفاوض تحسيناً لشروطها، وخلاف ذلك يُسقط نظامها بالضربة القاضية، وما تحاول القيام به اليوم يكمن في استباق التفاوض الجدي من خلال إعادة تعزيز أوراقها، انطلاقاً من القاعدة التالية: أن تفاوض واشنطن وهي فاقدة لأوراقها في سوريا ولبنان وغزة شيء، وأن تفاوضها بعد استعادة تأثيرها على هذه الساحات شيء مختلف تماماً.

والمطروح إيرانياً ليس الاستعادة الكاملة اليوم للأوراق الثلاث باعتبار أنها عاجزة عن إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل "طوفان الأقصى" في سوريا ولبنان وغزة، ولكنها تريد أن تعود لاعباً أساسياً تعزيزاً لأوراقها التفاوضية وبما يفسح في المجال أمامها لمقايضات هي بأمس الحاجة إليها، ولا تريد الدخول في المفاوضات مع واشنطن من موقع المدافع عمّا تبقى لها من أوراق وهي في تراجع استراتيجي، إنما تريد دخولها من موقع المبادر والقادر على تخريب الساحات والمنطقة في حال لم تأخذ واشنطن بدورها وتأثيرها.

فالمستهدف الأول من الأحداث المؤسفة التي راح ضحيتها مئات المدنيين في الساحل السوري، هو نظام الشرع الذي يجب أن يحصل اليوم على أوسع رعاية واحتضان عربيين من أجل قطع الطريق على عودة إيران إلى سوريا، ومن يقف وراء هذه الأحداث هو إيران التي تريد العودة بأي ثمن إلى سوريا كساحة استراتيجية وحيوية لدورها الإقليمي، وما يجب توقعه في الأسابيع القليلة المقبلة يتجاوز محاولة إيران نشر الفوضى في سوريا إلى نشرها في لبنان وغزة، وبالتالي المرحلة التي ستسبق دخول طهران على خطّ التفاوض الجدي مع واشنطن مفتوحة على مشاكل وقلاقل واغتيالات، وعلى السلطة في لبنان، أن تعلن حالة طوارئ ضمنية إذا كانت تخشى أن تتسبّب بالذعر في حال كانت معلنة، لأن ما يحصل في سوريا بتحريك إيراني سيحصل مثله في لبنان.

شارل جبور - "نداء الوطن"

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا