الملفات المالية والاقتصادية على نارٍ حامية: اجتماعات مكثفة محلياً وخارجياً
شيعة لبنان وعلويو سوريا
ترسل النيران التي اندلعت منذ الخميس الماضي في الساحل السوري إنذارات حديثة إلى لبنان تحت عنوان قديم جديد هو “عند تغيير الدول احفظ رأسك”. وما يهم لبنان الذي عاد إلى الحياة بحلة جديدة منذ كانون الثاني الماضي، أن يسلم رأسه من شظايا الأحداث في البلد المجاور الذي يدخل بدوره مرحلة العودة إلى الحياة بحلة جديدة منذ كانون الأول الماضي.
تتصدر الواجهة هذه المرة أوضاع العلويين في سوريا. وأتى ذلك على خلفية أنّ هذه الطائفة التي يقدّر عددها بنحو 10 في المئة من سكان سوريا، أعطت فرصة لمن هو من أبنائها فرصة لحكم سوريا على مدى أكثر من نصف قرن انتهت في نهاية العام الماضي. وتتماثل أحوال علويي سوريا مع أحوال شيعة لبنان الذين يمرون بتجربة مماثلة للطائفة العلوية. فقد توفرت الظروف على مدى نحو 34 عاماً لكي يتمتع فريق من الطائفة الشيعية في لبنان بفرصة ممارسة نفوذ في هذا البلد لم يسبق لها مثيل في لبنان قديماً وحديثاً على السواء.
دفع مئات المدنيين من علويي سوريا حياتهم في الأيام الماضية تحت عنوان هويتهم المذهبية على الرغم من أنّ المعلومات أفادت أنّ هؤلاء لا يمتّون بصلة لنظام الأسد السابق . وحصد هؤلاء الضحايا نتيجة حكم الأخير المنتمي إلى طائفتهم فقط. علماً أنّ هناك الكثير من علويي سوريا عاشوا حتى يومنا هذا فقراء في موازاة قلة من أقرانهم الذين استفادوا من مغانم النظام البائد. ولفت إلى هذا الامر الكاتب السوري المعروف فايز سارة . فكتب تحت عنوان ” فلول الأسد: التجربة المرة” في صحيفة الشرق الأوسط أمس: “بدت احتمالات مستقبل بقائهم (فلول الأسد) غير آمنة، خصوصاً بعد ما أظهره سقوط النظام من تمايز في «حاضنة النظام» بين جهتين؛ واحدة كانت خاضعةً لنظام الأسد بالإكراه، وأظهرت تقرباً من العهد الجديد، وأخرى لها علاقات حذرة مع فلوله نتيجة مخاوف أو بسبب ارتباطات اجتماعية، أو للاثنتين معاً، وشكلت حالة التمايز حافزاً لبحث خيارات أخرى. وقد جاءت جهود ومساعٍ إيرانية لتفتح بوابة نحو خيار آخر للفلول وبعض حاضنتهم، يتضمن تحركاً سياسياً عسكرياً، بالتعاون مع خلايا نائمة وتنظيمات ميليشياوية، وعلاقات مستمرة مع بنى أهلية وشخصيات كانت جزءاً من نظام الأسد”.
تعززت الفكرة التي أوردها الكاتب السوري حول الدور الإيراني في أحداث الساحل السوري الحالية بعد ما ظهر في إيران نفسها من مواقف ومعطيات تؤكد أنّ النظام الإيراني بعدما خسر نفوذه في سوريا بفرار بشار الأسد من دمشق في 8 كانون الأول الماضي عاود التدخل مجدداً في سوريا. وأوردت صحف إيران الصادرة أول أمس السبت عينات من توجهات حكام إيران في مرحلة ما بعد خسارتهم الورقة السورية. فدافعت صحيفة “كيهان”، المقربة من المرشد علي خامنئي، عن تحركات فلول النظام السوري السابق في الساحل الغربي لسوريا، ووصفت ما يقوم به هؤلاء بـ”الانتفاضة” ضدّ “إرهابيي الجولاني”.
كما وصفت صحيفة “همشهري” الأصولية المقربة من الحكومة هذه التصرفات بـ”طلائع المقاومة في الشام”، مذكّرةً بخطاب سابق لخامنئي عقب سقوط النظام السوري قال فيه إنّ “سوريا ستُسترد على يد الشباب السوري”، واصفًا سيطرة المعارضة على الحكم في سوريا بـ “الاحتلال”.
أما صحيفة “جوان” المقربة من الحرس الثوري فاستخدمت عنوان “شباب الشام ضد الجولاني”، مدعية أنّ هذه الأعمال تأتي ردًا على “قمع العلويين” من قِبل النظام السوري الجديد.
ودعت صحيفة “سياست روز” إلى ما سمته “ضرورة التمرد ضد المؤامرة الإسرائيلية- التركية في سوريا”، مدافعة عما يقوم به فلول النظام السابق.
بدورها، حجزت إسرائيل لنفسها مقعداً في الأحداث السورية الجارية إضافة إلى استمرار تدخلها في سوريا في الجنوب من خلال التلاعب بموضوع الدروز واحتلال مساحات حدودية خارج اتفاق الهدنة المبرم عام 1974 مع النظام السابق. فشارك وزير الدفاع يسرائيل كاتس مقطع فيديو رسومياً غير محرر على حسابه X يظهر جثث رجال أصيبوا بالرصاص ، بعضهم يرتدي سراويلهم لأسفل. وكتب يقول: “خلع الجولاني غلابية وارتدى بدلة وقدم واجهة معتدلة. والآن، أزال القناع، وكشف عن وجهه الحقيقي: إرهابي جهادي من مدرسة القاعدة، يرتكب فظائع ضد السكان المدنيين العلويين”.
وأضاف “إسرائيل ستدافع عن نفسها ضد أي تهديد من سوريا. سنبقى في المناطق الأمنية وجبل حرمون ونحمي مجتمعات الجولان والجليل. سنضمن بقاء جنوب سوريا منزوعة السلاح وخالياً من التهديدات، وسنحمي السكان الدروز المحليين – أي شخص يؤذيهم سيواجه ردنا”.
ونصل إلى لبنان. وأتى نفي “حزب الله” تورطه في نقل السلاح إلى فلول الأسد ليعطي إشارة إلى دقة موقف “الحزب” من الصراع المستجد في سوريا بين حليفه السابق والحكم السوري الجديد. غير أنّ هذا النفي لا يعني أنّ مقاربة “الحزب” وأوساطه الإعلامية وحلفائه تبتعد عن مقاربة طهران كما ظهرت عينات منها في صحف طهران المشار إليها آنفاً. وبدت المواجهة المسلحة في سوريا على قاعدة نزع سلاح النظام السابق بمثابة اختبار لتجربة مماثلة يقترب منها لبنان لجهة نزع سلاح “حزب الله” بموجب القرار 1701 . يحاول لبنان من خلال ما أعلنه رئيس الجمهورية جوزاف عون في مناسبات عدة وكذلك ما أعلنه رئيس الحكومة نواف سلام في هذا الصدد أن يطرح مساراً سياسياً يفضي إلى تطبيق هذا القرار بما في ذلك تجريد “الحزب” من السلاح. لكن في المقابل، واظب “حزب الله” على التمسك بـ”المقاومة” التي يمثلها بما في ذلك الاحتفاظ بما تبقى من سلاحه. وأوحت المطالبة بالعودة إلى طاولة الحوار بأنها تكرار لأسلوب خبره لبنان منذ العام 2006. وأدى هذا الأسلوب كما بيّنت التجارب أنه وسيلة لكسب الوقت ريثما تتوافر ظروف تعيد نفوذ السلاح والمشروع الذي يمثله إلى سابق عهده.
نكبت الطائفة العلوية بحكم الأسد. فهل تتحاشى الطائفة الشيعية مصيراً مماثلاً؟ ينتظر لبنان بقلق الجواب من مسار الحريق السوري.
أحمد عياش -”هنا لبنان”
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|