لقاح سرطان يبدو واعداً ويتطلب استثماراً
تؤكد دراسة نشرتها مجلة ”نيتشر“ في فبراير إمكانية وجود لقاح جديد مخصص لمنع عودة سرطان البنكرياس. كانت التجربة ضيقة النطاق فقد اقتصرت على 16 مريضاً، لكنها أثارت شعوراً لا يرتبط عادةً بهذا المرض الوحشي، ألا وهو الأمل.
يُعرف سرطان البنكرياس بسرعة الفتك. لذا، عندما يقدم الباحثون بيانات تشير إلى أن لقاحاً معداً لكل حالة على حدة قد يمكنه إبقاء السرطان تحت السيطرة لسنوات، فإن الأمر يستحق الاهتمام، حتى لو كانت النتائج تشمل عدداً قليلاً من الناس.
كما يجب أن تكون هذه دعوة للاجتهاد. لطالما كان التقدم بطيئاً بشدة لهذه المجموعة من المرضى وأسرهم، وهم يستحقون خيارات أفضل. إن الطريقة الوحيدة لبلوغ ذلك هي الاستمرار في الاستثمار في نوع البحث الأساسي الذي يصبح، عبر عقود من العمل المضني، أساساً لنجاحات خارقة.
حتى مع التقدم البطيء والثابت على مدى العقد الماضي نحو تحسين معدلات البقاء على قيد الحياة، فإن 13% فقط ممن شُخصت إصابتهم بسرطان البنكرياس ظلوا أحياء بعد خمس سنوات من ذلك. لذا فإن هذا السرطان ثالث أكثر أنواع السرطان فتكاً في الولايات المتحدة، بعد سرطانات الرئة والقولون.
مرض صامت سريع الانتشار
كان العثور على علاجات أفضل صعباً جداً، إذ لا يعاني المرضى عادةً من أعراض ولا توجد اختبارات بسيطة للمرض. وبحلول وقت اكتشافه، يكون قد انتشر عادةً إلى الأعضاء القريبة، فيصبح احتمال نجاح أفضل العلاجات، إن كانت موجودة، غير مرجح.
هذه الجولة الجديدة من البيانات مخصصة للقاح يوفر أنواعاً من الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA)، الذي بُنيّت عليه لقاحات كوفيد، وتُحمّل قائمة طويلة من بروتينات ورم المريض. الفكرة هنا هي تعليم الجهاز المناعي ليتعرف على أجزاء الورم ويدمرها كلما وجدها.
"موديرنا" تستهدف طرح لقاح لسرطان الجلد في 2027
قد يبدو هذا المفهوم بسيطاً، لكن قبل أن تبدأ البيانات في الظهور من هذه التجربة الصغيرة، لم يتوقع سوى القليل أنه يمكن توجيه الجهاز المناعي ضد سرطان البنكرياس. تعمل اللقاحات بشكل أفضل عادةً عندما يكون الورم مليئاً بالتحولات، كما هو الحال في الورم الميلانيني، حيث أظهر لقاح (mRNA) من ”مودرنا“ و“ميرك“ نتائج واعدة.
هذا ما يجعل البيانات السابقة من هذه الدراسة مذهلة جداً: لقد عزز اللقاح الاستجابة المناعية ضد هذا الورم القوي لدى نصف المشاركين وهم 16 مريضاً.
لكن الباحثين لم يعرفوا ما إذا كانت الخلايا المناعية المقاومة للسرطان والتي تسمى الخلايا التائية التي يولدها اللقاح ستبقى - وحتى لو بقيت فهل ستستمر في القيام بعملها.
نتائج واعدة
الآن، نعلم أن هذه الخلايا المناعية يمكن أن تستمر لسنوات، بالنسبة لبعض الناس، وربما تستمر مدى الحياة. والأفضل من ذلك، يبدو أنها تحتفظ بالوظائف التي يُعتقد أنها ضرورية لمنع تكرار المرض، كما يقول فينود بالاشاندران، جراح سرطان البنكرياس في مركز ميموريال سلون كيترنغ للسرطان الذي قاد الدراسة. فقد عاد سرطان اثنين فقط من المرضى الثمانية الذين أظهروا استجابة قوية للخلايا التائية. (لكن المرض عاد إلى سبعة من ثمانية مرضى لم يستجب جهازهم المناعي للقاح).
"روش" السويسرية تحدد مرضى سرطان الرئة بالذكاء الاصطناعي
لهذا النهج محدوديات، إذ يحتاج الأطباء إلى تسلسل عينة من ورم المريض لصناعة اللقاح المخصص، لكن نحو خمس مرضى سرطان البنكرياس فقط يمكنهم الخضوع للجراحة اللازمة لذلك.
باربرا بريغهام، جدة اكتشف أطباؤها أنها مصابة بسرطان البنكرياس في سبتمبر 2020، وهي إحدى المحظوظين ممن استمرت استجابتهم للقاح لسنوات. لم تظهر الفحوصات الروتينية أي علامة على إصابتها بالسرطان منذ أكملت العلاج باللقاح المخصص لها وبالعلاج الكيميائي في خريف 2021. لقد سمح لها ذلك بحضور عدد من حفلات تخرج أحفادها وزفاف واحدة منهم، وكذلك حضور ولادة حفيدها الثامن في ديسمبر. قالت لي بريغهام إنها “أحداث لم أكن أعتقد أنني سأكون موجودة لأحضرها".
ما تزال المرأة تخضع للمراقبة كل ستة أشهر بحثاً عن دلائل على عودة السرطان، لكنها بدأت تحقق بعض الأهداف على قائمة حياتها. لطالما أرادت أن تكون في رحلة بحرية على نهر الراين لزيارة مسقط رأس عائلتها في ألمانيا، وتعتقد أنها ستتمكن من ذلك في 2026. تقول: "أعقد أصابعي وأقول، سأفعل ذلك أخيراً".
هل سيكون أفضل من العلاج الكيميائي؟
بالطبع، هناك كثير من الأسئلة الأخرى التي يجب الإجابة عليها قبل أن يصبح اللقاح جاهزاً للاستخدام. يُسجل المرضى حالياً في دراسة أكبر من شأنها أن تساعد الباحثين على فهم أفضل لآلية الاستجابة المناعية. الأمر الحاسم هنا هو أن هذه التجربة ينبغي أن تخبرنا عمّا إذا كان اللقاح يؤدي وظيفة أفضل من العلاج الكيميائي التقليدي في منع عودة السرطان.
لكن هذا النجاح الأولي ضد هذا الورم العنيد له آثار أوسع على استخدام لقاحات (mRNA) المخصصة لاستهداف الأورام الشائعة الأخرى التي كانت حتى الآن مقاومة لأنواع أخرى من العلاج المناعي، كما يقول بالاشاندران.
هذا يساعد الباحثين على فهم كيفية استخدام اللقاحات في علاج الأورام الشائعة الأخرى التي كانت حتى الآن مقاومة لأنواع أخرى من العلاج المناعي. إننا بحاجة إلى وضع مخطط أفضل لتصميم لقاحات السرطان التي تعمل كما هو منتظر منها.
إن دفع هذا العمل إلى الأمام بالسرعة التي يستحقها سيتطلب جهوداً منسقة واستثمارات كبيرة من الحكومة وشركات التقنية الحيوية والمؤسسات الخيرية. ومع ذلك، يصعب ألّا نقلق حيال فقدان الزخم نظراً للبيئة الحالية في المعاهد الوطنية للصحة، التي ساعدت في تمويل العمل الأساسي لتطوير اللقاح، ناهيكم عن العمل الأساسي لتطوير تقنية (mRNA).
كم سيكون ذلك فشلاً ذريعاً، فقد سرق هذا السرطان الكثير من عائلات كثيرة، وإذا كانت هناك إمكانية لنفع مزيد من الناس، فيجب أن نتحرك بأسرع ما يمكن لتحقيق ذلك.
المصدر:
بلومبرغ
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|