نزع سلاح “الحزب” مؤجل “سلمياً” ..و”بالقوة” يفجّر صراعات داخلية!
منذ 27 تشرين الثاني 2024، تاريخ دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين “حزب الله” والجيش الاسرائيلي، حيز التنفيذ بعد شهور من عمليات عسكرية متبادلة، لم تهدأ الساحة اللبنانية، بحيث تستمر الغارات الاسرائيلية التي تستهدف مواقع الحزب في جنوب لبنان، في حين يؤكد قادته العمل على إعادة بناء بنيته العسكرية، علماً أن الاتفاق نص على انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية التي استولت عليها، وأن يتخلى “حزب الله” عن ترسانته العسكرية، وينسحب مقاتلوه من مواقعهم في الجنوب على أن يديرها الجيش اللبناني.
ومنذ ذلك الحين، يتصدر ملف سلاح “حزب الله” المشهد السياسي اللبناني، في ظل تصاعد المطالب المحلية والدولية بأن تمارس السلطات الحكومية واجبها السيادي منفردة، على عكس السنوات الماضية حين فرّطت بحق احتكار القوة، ما أدى إلى اعتبار قوى إقليمية ودولية لبنان دولة فاشلة، خصوصاً وأن رئيسي الجمهورية والحكومة شددا على ضرورة حصر السلاح بالمؤسسات الشرعية، وطالبت جهات لبنانية ودولية بتطبيق القرارات الأممية التي تنص على تسليم “حزب الله” سلاحه، وأحدث الدعوات المطالبة بنزع سلاح الحزب، تجسّدت في البيان الختامي المشترك الصادر عن لبنان والسعودية، عقب زيارة رئيس الجمهورية جوزاف عون، إلى الرياض، حيث شدد على ضرورة بسط الدولة سيادتها على كامل الأراضي اللبنانية، وحصر السلاح بيد مؤسساتها الرسمية.
يستند “حزب الله” في الدفاع عن سلاحه إلى قراءة مجتزأة للقرارات الدولية، بحيث ركّز على القرار 1701، الذي ينص على نزع سلاحه جنوب الليطاني، متجاهلًا القرار 1559، الذي يدعو إلى نزع سلاح جميع الفصائل المسلحة من كامل الأراضي اللبنانية.
هذا التفسير الانتقائي يعمّق الانقسام الداخلي، في وقت تتزايد فيه الضغوط الدولية والعربية، التي تربط أي دعم اقتصادي للبنان بمدى قدرة الدولة على فرض سلطتها وإنهاء السلاح الخارج عن إطار الشرعية.
لكن “حزب الله” يواجه اليوم واقعاً جديداً، بحيث تراجع نفوذه الاقليمي بصورة ملحوظة بعد خسائره الميدانية في الحرب الأخيرة مع إسرائيل، التي كبّدته خسائر فادحة، أبرزها فقدان عدد من قيادييه، وعلى رأسهم أمينه العام السابق حسن نصر الله. إلى جانب ذلك، شكّل سقوط نظام بشار الأسد في سوريا ضربة قاسية للحزب، إذ أدى إلى قطع طريق الدعم الاستراتيجي بالمال والسلاح من إيران، في وقت تعاني فيه الأخيرة من أزمات داخلية وخارجية متزايدة. وهذا ما يدفع الحزب الى التعامل مع الوضع الراهن وفق استراتيجيتين أساسيتين:
-الأولى، ترتبط بالتغيرات في المعادلة العسكرية، لا سيما تطور القدرات الاسرائيلية على مستوى التكنولوجيا العسكرية والاستخباراتية، والتي تمكنها من استهداف قيادات الحزب بدقة أكبر.
-الثانية، ذات بعد سياسي داخلي، إذ يلتزم الحزب بإعطاء فرصة للسلطة السياسية اللبنانية والمجتمع الدولي لاتخاذ موقف حيال الاعتداءات الاسرائيلية، وذلك ضمن الاتفاقات التي سبقت القرار 1701 ووقف إطلاق النار، مع الابقاء على سلاحه، مهدداً به اذا ما واصلت اسرائيل اعتداءاتها واحتلالها للنقاط الخمس. وفي هذا الاطار، تكشف مصادر سياسية مطلعة عن إتفاق غير معلن بأن تتولى السلطة السياسية الردع الديبلوماسي، في مقابل التزام “حزب الله” بالتهدئة.
غير أنه إزاء إصرار الحزب على التمسك بترسانته العسكرية، فإن ذلك يعمّق الانقسام الداخلي حول دوره ومستقبل سلاحه في البلاد. وفي ظل استمرار التجاذبات السياسية، يبقى التساؤل: هل تتجه البلاد نحو تسوية سياسية تنهي هذا الملف بصورة سلمية، أم أن الضغوط المتزايدة ستؤدي إلى مواجهة غير محسوبة العواقب بين السلطة والحزب؟
تعرض “حزب الله” لضربات قاسية في مواجهته الأخيرة مع إسرائيل، عزّز موقف خصومه، إذ يسعى بعضهم اليوم إلى إعادة طرح قضية نزع سلاحه، متذرعاً بأن ذلك كان مطلباً رئيسياً في اتفاق الهدنة مع إسرائيل ووافق عليه الحزب، الذي ينص هذا الاتفاق على أن يقوم بنزع سلاحه، ولهذا السبب يقولون إنه ليس هناك من مبرر لأن يحتفظ بأسلحته، ويجب عليه تسليمها.
في المقابل، يرى الحزب أن سلاحه وقدراته العسكرية جزء من منظومة الردع التي تحمي لبنان من التهديدات الاسرائيلية، فعلى الرغم من التزامه ببعض بنود الهدنة (مثل سحب قواته من جنوب نهر الليطاني)، فإنه ليس على استعداد لتسليم سلاحه بصورة كاملة، خصوصاً في شمال الليطاني، وبالتالي تؤكد مصادره أن إسرائيل لن تحصل عبر الاتفاق على ما فشلت في تحقيقه بالحرب. وهذا ما يعكس موقف الحزب القائم على اعتبار السلاح ضمانة أساسية له ولمؤيديه وللبنان.
بناءً على كل ذلك، ما هي السيناريوهات المتاحة لمعالجة قضية السلاح؟
تؤكد المصادر المطلعة أن كل الطروح التي يتم التداول بها، لا سيما الحل الهادئ من خلال مؤتمر وطني، تفضي الى وضع إستراتيجية دفاعية، هي أقرب ما تكون الى “التمنيات” من الواقع العملي، لأن موضوع السلاح مؤجل “سلمياً” بواسطة تمرير الوقت، بذريعة اعتداءات اسرائيل المتواصلة وبقاء قواتها متمركزة في النقاط الخمس، (على الرغم من أن ذلك مرفوض على الصعيدين الداخلي والخارجي)، أما أي محاولة لنزع سلاح الحزب بالقوة، فقد تؤدي إلى نتائج عكسية، وربما تفجر مواجهات داخلية، خصوصاً إذا شعر الشيعة بأنهم مستهدفون بصورة جماعية.
وعليه، فإن المصادر العليمة بحيثيات هذا الملف بأبعاده الداخلية والإقليمية المعقدة، تجزم أن لا حل لملف سلاح حزب الله دون إتفاق أميركي إيراني، يتناول القضايا الخلافية المأزومة بين البلدين، ويأتي موضوع السلاح في آخر أولوياتها، خصوصاً وأن طهران لديها موقف ثابت، بأنه حينما تتوفر الظروف (التي ما زالت بعيدة) لكي يسلم حزب الله سلاحه، فإن عملية التسليم لن تكون بإعادته لإيران.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|