أميركا "ترتّب" ملفات سوريا ولبنان: الثمن سيُدفع لإسرائيل؟
بثقل واضح اختارت الولايات المتحدة الأميركية الدخول على خطّ العمل في سبيل ترتيب بعض الملفات العالقة لبنانياً وسورياً. بشكل لا لبس فيه، تريد الإدارة الأميركية الجديدة أن تقول إن واشنطن هي عاصمة الإدارة السياسية لملفات الشرق الأوسط، وخصوصاً للمشرق العربي. ففي الوقت الذي يطرح فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطته لقطاع غزة، مع دعم مطلق لإسرائيل، تتحرك الإدارة الأميركية على أكثر من خط لتحقيق ما تراه واشنطن مناسباً، في لبنان كما في سوريا. هذه الديناميكية، بدأت آثارها بالاتضاح انطلاقاً من الساحة السورية مع الاتفاق الذي جرى التوصل إليه بين الرئيس السوري أحمد الشرع و"الأكراد"، ولا سيما قوات سوريا الديمقراطية بقيادة مظلوم عبدي. إذ أن كل المعلومات تؤكد أن واشنطن هي التي دخلت على خطّ التفاوض المباشر بين قسد والإدارة السورية الجديدة لمنع حصول أي اشتباك، ولإيجاد حلّ بين الطرفين.
هدية لدمشق
ما جرى هو مكسب للإدارة السورية الجديدة، والتي أرادت واشنطن أن تقول إنها هي القادرة على منح دمشق مثل هذه الهدية، وهي نفسها التي ستتكفل بالسماح لتدفق المساعدات إلى سوريا انطلاقاً من رفع العقوبات، لكن ذلك لن يكون بلا ثمن سياسي. يبقى السؤال الأساسي حول ماهية هذا الثمن. اتفاق مماثل تعمل الولايات المتحدة على رعايته بين دمشق والدروز في السويداء. مع تأكيدات بأن الاتفاقين مع قسد ومع الدروز ينصان بشكل واضح على إعادة توحيد القوى العسكرية وحلّ الفصائل وتشكيل مجلس عسكري لإنشاء جيش وطني، مع منع حصول أي اشتباكات في شمال شرق سوريا أو في جنوبها، ومنع تكرار ما جرى في الساحل السوري. لا يختلف ذلك عن المساعي المرتبطة بجعل سوريا دولة لا مركزية، يبقى القرار الاستراتيجي وفي السياسة الخارجية لدى دمشق، ولكن مع هوامش في إدارة الشؤون الداخلية للمكونات المختلفة. بانتظار الأثمان السياسية الكبرى التي يُفترض أن تُدفع على مستوى السياسة الخارجية لاحقاً.
مسار لبناني
لبنان، يشهد تحركاً أميركياً مماثلاً يتجلى ببروز الاهتمام الأميركي، من اجتماع لجنة مراقبة تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، إلى إطلالة نائبة الموفد الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس ومواقفها التي أعلنت فيها عن العمل لإطلاق سراح أسرى لبنانيين لدى إسرائيل. علماً أن ذلك حسب المعلومات، له ما يقابله لجهة فتح مسار جدي لترسيم الحدود البرية، على أن تستكمل الشروط لاحقاً بحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية وبانتشار الجيش اللبناني بشكل كامل في الجنوب، علماً أنه وفق المعلومات الأميركية، هناك رضى على أداء الجيش في جنوب نهر الليطاني، والذي قد التزم بتلبية أكثر من 75 بالمئة من مطالب اللجنة، لجهة مداهمة مواقع ومخازن لحزب الله. وتؤكد المعلومات أنه من أصل حوالى 250 طلباً، فإن الجيش لبّى أكثر من 190 طلباً حتى الآن، مع الاستعداد لتلبية المزيد من الطلبات على طريق السيطرة الكاملة في جنوب نهر الليطاني.
هذا التقييم، هو الذي دفع الاميركيين إلى الانخراط المباشر بكل تفاصيل الملف اللبناني انطلاقاً من البوابة الجنوبية، مع سعي الأميركيين إلى إطلاق مسار ترسيم الحدود البرية، وربما فرض شروط سياسية أخرى، يرفضها لبنان الذي يتمسك بتطبيق اتفاق الهدنة، ويطالب بترسيم الحدود وفق اتفاقية نيو كامب في العام 1923. بينما في المقابل، فالإسرائيليون يطالبون باعتماد الخطّ الأزرق لا سيما أنهم يحاولون الحصول على نقطة رأس الناقورة، وهي نقطة عالقة منذ اتفاق الترسيم البحري الذي لم يستخدم وتم الابتعاد عنها لمسافة 5 كلم لم تُحسم هويتها أو ملكيتها. إسرائيل تصر على إبعاد الخط اللبناني لهذه المسافة أي 5 كلم، بينما لبنان يرفض ذلك كلياً، خصوصاً أن حصول إسرائيل على نقطة رأس الناقورة سيكون له انعكاس على كل الحدود البرية وصولاً إلى مزارع شبعا.
العصر الأميركي
عملياً، تقول واشنطن من خلال ما يجري، إن عصرها هو الذي يبدأ في المنطقة. خطوات ليست بلا ثمن حتماً، فالبحث عن رفع العقوبات في سوريا، سيكون له ما يقابله في السياسة أو غيرها على المدى الطويل. والبحث عن تثبيت الاستقرار في لبنان، وتحقيق الانسحاب الإسرائيلي لا بد أن ينتج عنه تفاهم معين ينهي حالة الحرب ويكرس استقراراً طويل الأمد، وفق ما تعتبره إسرائيل ضمانة لأمن مستوطنيها، خصوصاً أن مفاوضات ترسيم أو تثبيت الحدود البرية سيفرض الوصول إلى حدود نهائية للبنان، خصوصاً أن أميركا تكرس هذا التفاوض اللبناني مع إسرائيل في ظل بقاء الإسرائيليين في الجنوب واحتفاظهم بالنقاط الخمس، على أن تشمل المفاوضات مسألة الانسحاب منها ومعالجة النقاط العالقة الأخرى، بما ينزع أي مسألة مرتبطة بالعمل في سبيل تحرير الأرض، بما يعنيه ذلك من أبعاد سياسية، تريد واشنطن لكل المنطقة العربية أن تكون متوافقة معها حولها.
منير الربيع - المدن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|