الصحافة

“مقاومة” ديبلوماسية بقيادة عون من دون موت ودمار!

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

كشفت الأيام الأخيرة الذرائع الواهية التي يطلقها “حزب الله” في ما يُسمّى مقاومة، إذ تمكّنت الدولة اللبنانية عبر الديبلوماسية من تحقيق إنجازين: الأول إفراج اسرائيل عن خمسة أسرى اعتقلوا خلال الحرب الأخيرة، والثاني اتفاق لبنان وإسرائيل بوساطة أميركية على بدء مفاوضات رسمية لحل نزاع الحدود البريّة.

فوراً تشكّلت ثلاث مجموعات عمل مشتركة لتسوية القضايا المتبقية التي تحتاج إلى حل، وسيكون مقر التفاوض في الناقورة ابتداء من نيسان المقبل، وستشمل هذه المفاوضات قضية النقاط الخمس التي لا تزال اسرائيل تحتلها والخط الأزرق الذي يُمثل الحدود الفعلية بين البلدين.

من الواضح أن هذا الانجاز تقف وراءه الولايات المتحدة الأميركية وتحديداً الموفدة الديبلوماسية في إدارة الرئيس دونالد ترامب مورغان أورتاغوس.

لا شك في أن هذا التطوّر الديبلوماسي لا يُلائم “الحزب” الذي تكلّم أمينه العام نعيم قاسم بسخرية عن ديبلوماسيّة الدولة اللبنانية، متهماً بعض القوى السياسية اللبنانية بالعجز أمام اسرائيل. وشكّك بالحل الديبلوماسي، مكرّساً خيار المقاومة عكس إرادة أكثرية الشعب اللبناني. ولا يُخفى على أحد أن الحلول الديبلوماسية تُبطل مفعول سلاح “الحزب” وتنزع ذرائعه المستمرة منذ 25 عاماً.

يُعتبر ترسيم الحدود البرية بين إسرائيل ولبنان خطوة مهمة وضرورية، إلا أن الحكومة اللبنانية تُركّز على مطالبة اسرائيل بالإلتزام بوقف إطلاق النار، لأنه لا يمكن التفاوض تحت وطأة النيران. وإذا اقتنعت اسرائيل بذلك، فستكون المفاوضات حول الحدود البرية بين البلدين مُرهقة نظراً إلى تعقيد القضية والفوارق الواسعة بين الجانبين.

أما مطالب اسرائيل فتتجاوز ترسيم الحدود البرية إلى موضوع أكثر حساسية، وقد بدأت وسائل الاعلام الاسرائيلية بالاشارة إلى أن هناك خطاً أبعد من المشكلات الحدودية، معلنة أنها تريد مواصلة هذا الزخم كي تصل إلى التطبيع مع لبنان.

واللافت أنه تم ترسيم الحدود بين إسرائيل ولبنان، والتي يبلغ طولها نحو 120 كيلومتراً، منذ أكثر من قرن كجزء من الاتفاقية الفرنسية – البريطانية بشأن الحدود الانتدابية التي تم توقيعها في باريس في أيلول 1920. وشهدت هذه الاتفاقية قيام القوتين العظميين الأوروبيتين فرنسا وبريطانيا، بتقسيم أراضي الامبراطورية العثمانية بينهما والاتفاق على الحدود بين لبنان وسوريا، حين كانت الأخيرة تحت الانتداب الفرنسي، وفلسطين تحت الانتداب البريطاني!

طوال فترة الانتداب، وحتى حصول فلسطين ولبنان على استقلالهما، تم الاعتراف بالحدود التي رُسمت على أنها الحدود الدولية. كما أن هناك نص اتفاقية الهدنة التي أُبرمت في آذار 1949 بين إسرائيل ولبنان. ولم تكن تلك الاتفاقية، ترسيماً تفصيلياً للحدود، بل نصت فقط على أن “خط الهدنة سوف يمتد على طول الحدود الدولية”. بمعنى آخر، سيكون خط الهدنة على طول الحدود التي رسمتها قوتا الانتداب واعتمدتها الأمم المتحدة في العام 1923.

وفي أعقاب انسحاب الجيش الاسرائيلي من لبنان في أيار 2000 وكجزء من تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 425، حاولت الأمم المتحدة ترسيم خط انسحاب هذا الجيش باستخدام فريق من رسامي الخرائط التابعين لها. ورسموا ما أصبح يُعرف بالخط الأزرق، الذي ينحرف في عدة نقاط عن حدود عهد الانتداب، واستندوا في رسمه إلى البيانات الخرائطية وتفسيرها من أعضاء الفريق. لقد قبلت كل من إسرائيل ولبنان الخط الأزرق باعتباره الخط الذي ستنسحب فيه القوات الاسرائيلية من جنوب لبنان، ولكن لبنان أبدى تحفظات تحولت إلى نقاط خلاف بين الجانبين.

بعد حرب لبنان الثانية عام 2006، اتفقت إسرائيل ولبنان على ترسيم الخط الأزرق فعليا ًعلى الأرض، ولهذا الهدف، شُكِّلت لجنة مختصة. حددت هذه اللجنة الموقع الدقيق لـ 470 نقطة مرجعية على طول الخط الأزرق – أي ما يعادل أربع نقاط لكل كيلومتر تقريباً. وكان الهدف من ترسيم الحدود باستخدام البراميل الزرقاء توضيح الحدود للسكان المحليين والعسكريين والأمم المتحدة – ومنع أي تجاوز أو انتهاك غير مقصود للخط الأزرق.

بعد ترسيم الخط الأزرق، أبدى لبنان تحفظات بشأن 13 نقطة على طول الخط الأزرق، تغطي مساحة 485,000 متر مربع. حتى يومنا هذا، لا تزال هذه النقطة الخلافية الرئيسية بين البلدين. ووفقاً للبنانيين، فإن هذه النقاط تنحرف عن الحدود التي حُددت في اتفاقية الهدنة لعام 1949. ونوقشت هذه النقاط باستفاضة على مر السنين في اتصالات بين الجانبين كجزء من الاجتماعات الثلاثية وآلية التنسيق التي أنشأتها “اليونيفيل”. وفي عدد من المناسبات، كانت هناك تقارير تفيد بأنهم توصلوا إلى تفاهمات بشأن حل لسبع منها.

وفي تموز 2023، قبل اندلاع الحرب الأخيرة، أكّد وزير الخارجية السابق عبد الله بو حبيب أن من بين النقاط الثلاث عشرة المتنازع عليها، تم التوصل إلى اتفاق بشأن سبع منها، وأنه لم يتبق سوى ست نقاط لم تُحل. مع ذلك، بعد شهرين، أصدر الجيش اللبناني بياناً رسمياً قال فيه إنه لا يزال يرى أن النقاط الـ 13 تُشكل انتهاكات من جانب إسرائيل، وأنه لم يتم الانتهاء من أي شيء في هذا الشأن. وهكذا، من المرجّح أن تتمحور المفاوضات المقبلة حول النقاط الست المتبقية إضافة إلى النقاط الاستراتيجية التي تحتلها اسرائيل اليوم في الجنوب.

تُشكّل هذه النزاعات الحدودية جزءاً أساسياً من خطاب “الحزب”، الذي يزعم بأنه يُقاتل من أجل تحرير المزيد من الأراضي اللبنانية من الاحتلال الاسرائيلي، وهو يركز على منطقتين رئيسيتين مُتنازع عليهما: الجزء الشمالي من قرية الغجر التي يُطالب الجانب اللبناني بالسيادة على الجزء الشمالي منها، الواقع على الحدود الأصلية بين سوريا ولبنان. علماً أن القوات الاسرائيلية استولت عليه من سوريا عام 1967، وسكانها علويون.

أما المنطقة الثانية التي يُطالب بها لبنان فهي مزارع شبعا وتُعد منطقة زراعية غير مأهولة بالسكان على جبل دوف ويعتبر لبنان أنها تتبع قرية شبعا، إلا أن إسرائيل تزعم أن هذه المنطقة الاستراتيجية ذات أهمية حيوية لمراقبة منطقة معادية.

لكن ثمة لغم سياسي قد يزرعه “الحزب” لإفشال المفاوضات وهي سبع قرى شيعية في الجليل الأعلى هُجّرت أو أُخليت، ثم استولت عليها إسرائيل خلال حرب 1948. علماً أن البيانات الرسمية الصادرة عن لبنان حول النزاع الحدودي مع إسرائيل لم تذكر هذه القرى. ومع ذلك، فمن المرجح أن “الحزب” حتى بعد حل النزاع حول ترسيم الحدود بين البلدين، سيواصل الاشارة إلى هذه القرى على أنها أراضٍ لبنانية محتلة. وهذا جزء لا يتجزأ من جهوده للحفاظ على مكانته كـ”حامٍ للبنان”، وسيستخدمها للتحريض على العداء تجاه إسرائيل.

إذاً، ستكون المفاوضات طويلة ومعقدة، نظراً إلى الخلافات العميقة القائمة، لا سيما حول ثلاث نقاط: رأس الناقورة، قرية الغجر ومزارع شبعا.

ووفقاً للدستور، فإن رئيس الجمهورية جوزاف عون هو من يملك سلطة توقيع مثل هذه الاتفاقيات، بل سيقودها بعيداً عن تأثيرات “الحزب” وطموحاته وذرائعه، والتوصّل إلى اتفاق بشأن مسار الحدود البرية بين إسرائيل ولبنان سيكون إنجازاً كبيراً لعون، بل إنه بمجرد استخدام الوسائل الديبلوماسية لحل المشكلات بين لبنان واسرائيل، يُبطل كل ذرائع “الحزب” عن السلاح والقوة.

ويُمكن استخلاص العِبَر، خلافاً لكل كلام قاسم بأن الديبلوماسية فاشلة ولا تحقّق الانجازات، وأولى نتائج القوة السياسية اللبنانية كانت إطلاق إسرائيل خمسة أسرى لبنانيين كانوا محتجزين لديها، والبدء بمفاوضات لترسيم الحدود لمرة واحدة ونهائية، ما سيُخرج اسرائيل من الأراضي التي احتلتها بسبب حرب إسناد غزة التي ورّط فيها “الحزب” لبنان. وستنقذ القوة السياسية والديبلوماسية اللبنانيين من شرّ الحروب والموت، فتنزع الورقة اللبنانية من يد ايران وتعيد القرار الاستراتيجي إلى الدولة اللبنانية التي يجب أن تبسط سلطتها تنفيذاً للدستور باحتكار السلاح وسريعاً، ثم المباشرة بإعادة الإعمار، وهكذا يتعافى لبنان سياسياً ومالياً واقتصادياً.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا